مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله شهر البهاء 137ب آذار 1980م مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله (نُزِّلت بعد الكتاب الأقدس) من منشورات دار النشر البهائية في بلجيكا MAISON D’ÉDITONS BAHÁ’ÍES 205, RUE DU TRÔNE 1050 BRUSSELS, BELGIUM المحتوى العنوان الصفحة الإشراقات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ...... 3 البشارات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 35 الطّرازات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 47 التّجليات . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 63 الكلمات الفردوسيّة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .... 73 لوح الدّنيا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 99 لوح الحكمة . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 115 أصل كلّ الخير . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 131 لوح مقصود . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 139 لوح السّيد مهدي دهجي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 161 سورة الوفا . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 169 لوح البرهان . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 181 كتاب عهدي . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 195 لوح أرض الباء . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . 203 تعريف تشكّل هذه المجموعة من الألواح المباركة كنزاً ثميناً يضاف إلى ما تحتويه المكتبة البهائيّة باللّغة العربيّة من آثار لحضرة بهاءالله. فالجلال والعظمة والرّوعة الّتي تحيط بحياة المظاهر الإلهيّة، ونشاهدها إبّان الفترة القصيرة لوجودهم الدّنيويّ، لا يمكن أن تدرك على حقيقتها فقط عبر الأحداث التي تتكوّن منها حياتهم الطّاهرة، بل تبرز جليّةً في الأثر المحيّر الذي تتركه في نفوس البشر، هذا الأثر الذي يستمرّ في تفاعله عبر حقب طويلة من الزّمان ويمتدّ إلى كلّ مكان عن طريق الكلمة الخلاّقة التي تصبح الصّلة الوثيقة لارتباطنا بالمظهر الإلهيّ رغم صعوده إلى رحاب الملكوت الأعلى. فالمظهر الإلهيّ بمثابة المثل الأعلى لحضارة الإنسان في كلّ مكان، تتخطّى الحاضر لتسبر غور المستقبل ولتحفظ مجاهل الماضي البعيد. فالمظهر الإلهيّ هو الرّابط بين فترة وفترة من فترات التطوّر الإنسانيّ بدونه ينعدم الارتباط بين الأشياء، فهو الذي يبعث قوى روحيّة عميقة في الإنسانيّة، وعن طريق هذا المظهر الذي يتجسّد في الكلمة الّتي يأتي بها روحاً ونصّاً، يمكن للإنسان من أن يُولَدَ «ولادةً ثانية» أو «أن يبعث حيّاً» من جديد. أ هذه المجموعة الّتي تحتوي تلك الكلمة الخلاّقة توحي إلينا بكلّ المبادئ الإنسانيّة العليا والمثل الرّوحية السّامية التي جاءت بها رسالة حضرة بهاءالله، ولا نجد وصفاً لشمولها وخلاّقيتها وشرحاً لمضامينها وحدود آثارها أدقّ وأوفى من ذلك السّرد الشّيّق الذي جاء في كتاب God Passes By لحضرة وليّ أمرالله المحبوب شوقي أفندي رباني إذ يتفضل قائلاً ما تعريبه: "بعد أن صاغَ حضرة بهاءالله شرائع دورته الأساسيّة في كتابه «الأقدس»، أعلن بعض المبادئ والتّعاليم التي تشكّل جوهر دينه، وكانت حينئذٍ مهمّته تقترب من نهايتها. من ذلك أَنَّه نبّه من جديد إلى ضرورة تفهّم الحقائق التي أعلنها من قبل، وهذّب بعض الأحكام الّتي صاغها وأوضحها وكشف عن نبوءات وإنذارات أخرى، وسنّ بعض الشّرائع الفرعيّة استكمالاً لمطالب «الكتاب الأقدس». وهذا ما حملته أَلواح تجلّ عن الحصر والعدّ، ظَلَّ ينزلها حتّى أواخر أيّامه على هذه الأرض: من أهمّها «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«التّجليات» و«الكلمات الفردوسيّة» و«اللّوح الأقدس» و«لوح الدنيا» و«لوح مقصود». وكانت هذه الألواح هي آخر ما فاض من قلمه الدّائب الّذي لا يكلّ. وهي تحتلّ مكانتها بين أينع ما أنتجته عقليّته من ثمار، وتشير إلى اكتمال مهمّته التي دامت أربعين عاماً. وأهمّ المبادئ في تلك الألواح على الإطلاق مبدأ وحدة الجنس وكليّته. وهو المبدأ الذي يعتبر بحقّ علامة ظهور حضرة بهاءالله الفارقة وقطب تعاليمه البارز. وقد بلغ من أهميّة ب هذا المبدأ أن نصّ عليه في «كتاب عهده» كما أعلن – بلا تحفّظ – أَنّه هو جوهر دينه فهو يقول: «قد جئنا لاتّحاد من على الأرض واتّفاقهم»، ويقول مرّة أخرى: «إنّ آفاق العالم تنير بأنوار الأمر ما دام الاتّفاق»، ويكتب حضرة بهاءالله مشيراً إلى هدف ظهوره فيقول: «نطقنا بلسان الشّريعة حيناً، وبلسان الحقيقة والطّريقة حيناً آخر، إلاّ أنّ مقصدنا الأقصَى، وغايتنا القصوى، هي إظهار هذا المقام السّامي الرّفيع». ويقرّر أنّ الاتّحاد هو غاية الغايات وسلطان الآمال مؤكّداً أنّ «العالم في الحقيقة وطن واحد ومن على الأرض أهله»، وينبّه – فضلاً عن ذلك – إلى أنّ توحيد الجنس البشريّ أمر لا مفرّ منه، فهو المرحلة الأخيرة من تطوّر الإنسانيّة نحو البلوغ، وأنّه «لعمري سوف نطوي الدّنيا وما فيها ونبسط بساطاً آخر». ويعد الوعد الحقّ أنّ البشريّة سوف «ترى الأرض حاملة اليوم وعمّا قريب تشاهد أثمارها المنيعة وأشجارها الباسقة وأورادها المحبوبة ونعماءها الجَنِيَّة». ويبيّن حضرة بهاءالله قصور النّظم السّائدة ويكشف عن عدم كفاية حبّ الوطن كقوّة مرشدة ضابطة للمجتمع البشريّ ويعتبر «حبّ العالم» وخدمة مصالحه وترقيتها أكرم هدف للجهود الإنسانيّة، وأحقّها بالمدح والثناء. ويبدي ألمه لأنّ «قوّة الإيمان بالله تموت وتضمحلّ في كلّ بلد» وأنّ «وجه العالم يتّجه إلى الغفلة واللاّدينية» معلناً أنّ «الدّين هو النّور المبين والحصن الحصين لحفظ أهل العالم وراحتهم» وأنّه «السبب الأتمّ لنظم العالم». ويعود فيؤكّد أنّ الغاية الأساسيّة من الدّين هي ترويج الاتّحاد ونشر الوئام بين النّاس، ويحذر النّاس من أن يجعلوه سبباً للفرقة وللخلاف. ويوصي أيضاً بأن تعلّم مبادئه للأطفال في المدارس على نحو لا يغرس روح التّعصب ج ولا التحيّز في البشر، وينسب ضلال المارقين إلى اضمحلال قوّة الدين، ويتنبّأ بوقوع شدائد وأهوال «ترتعد بها فرائص العالم». وهو لا يتحفّظ حين يدعو إلى الأخذ بمبدأ «أمن العالم» ويشجّع على أن تخفّض كلّ أمة من سلاحها، وينبّه على أن إقامة هيئة عالميّة يلجأ إليها ملوك الأرض وحكّامها لإقرار السلام بين الأمم أمر ضروريّ لا مفر منه. أما العدل فيثني عليه ويصفه بأَنّه «نور البشر» و«مربّي العالم» وأنّه «مبيّن أسرار عالم الوجود وحامل لواء المحبّة والبركة» ويعلن أنّ شعاعه فريد لا نظير له ولا قرين، وأنّ عليه يجب أن يعتمد «نظم العالم وأمن البشر» ويصف ركنيّ هذا العدل – وهما «المجازاة والمكافأة» – بأنّهما «ينبوع الحياة» للجنس البشريّ، ويوصي أهل العالم بأن يتهيّأوا ويجتهدوا انتظاراً لاستتباب هذا العدل، ذلك لأنّ شمس العدل سوف تشرق في تمام مجدها وأَوج جلالها بعد فترة من الاضطراب العظيم والظّلم الجسيم. ويلقّن حضرة بهاءالله مبدأ الاعتدال في كلّ الأمور، ويعلن أنّه ما تجاوز شيء حدّ الاعتدال إلاّ كان له في الناس تأثير سيّء، سواء أكان ذلك الشّيء هو الحرّيّة أو التّمدن أو ما شابههما. ويلاحظ أيضاً أن التّمدن الغربيّ قد أفزع شعوب الأرض بشكل خطير، ويتنبّأ باقتراب يوم تحترق فيه المدن من ناره إن تجاوز حده. أما الشّورى فيعتبرها حضرة بهاءالله مبدأً أساسياً من مبادئ دينه واصفاً إيّاها «بمصباح الهدى». و«واهبة الإدراك» وينعتها كذلك بأنّها أحد «نيّريّ سماء الحكمة الإلهيّة». ويقرّر أنّ العلم هو «بمثابة الجناح للإنسان والمرقاة د لصعوده ويعتبر تحصيله أمراً مفروضاً على كلّ فرد. ويرى أنّ «الفنون والحِرَف والعلوم» تؤدّي إلى السّموّ لعالم الوجود. ويوصي بأن يسعى الإنسان لاكتساب الرّزق عن طريق امتهان المهن واحتراف الحِرَف. ويعترف بأنّ أمم الأرض مدينة إلى العلماء وأهل الحرف والصّناعة، وينفّر من دراسة ما لا ينفع الناس من المعارف تلك التي «تبدأ بالألفاظ وتنتهي بالألفاظ». وفضلاً عن ذلك يؤكد حضرة بهاءالله الدّعوة بقوله: «عاشروا يا قوم مع الأديان كلّها بالرَّوْح والرّيحان» فمثل هذه المعاشرة تفضي إلى «الاتّحاد والوئام» اللّذين هما أساس النّظام في العالم والرّشاد للأمم. ويكرّر التّنبيه إلى ضرورة إيجاد لغة عالميّة، ويرثي للوقت المضيّع في تعلم اللّغات المختلفة ويؤكّد أنّه باتّخاذ هذه اللّغة وهذا الخطّ ستصبح الأرض كلّها «مدينة واحدة وصعيداً واحداً» ... وإلى أمناء بيت العدل يعهد بواجب التّشريع، فيما لم ينزل به نصّ صريح في كتاباته، ويعدهم بأنّ الله سوف يلهمهم بما يشاء. ويوصي بإقامة لون من الحكومة النّيابية تتّحد فيه مُثل الجمهوريّة العليا مع جلال الملكيّة الّتي يصفها بأنّها «إحدى آيات الله» ويصف إقامة مثل هذه الحكومة بأنّه إنجاز مجيد جدير بالثّناء، ويحضّ على أن تولى شؤون الزّراعة عناية خاصة. ويشير إشارة خاصة إلى «الصّحف سريعة الانتشار» ويصفها بأنّها «مرآة العالم» وأنّها «ظاهرة مدهشة فعّالة» ويعهد إلى القائمين على إصدارها بواجب اجتناب الحقد والضّغينة والتّعصب والتّحيّز، ويوصيهم بالتّحلي بالعدل ورجاحة العقل والتّدقيق في تحقيقاتهم والتّأكد من صحّة الوقائع في كلّ حالة. ﻫ ثمّ يوضّح حضرة بهاءالله مبدأ العصمة الكبرى، ويعيد التّنبيه على ما فرضه على أتباعه من «السّلوك نحو حكومة القطر الذي يعيشون فيه بالولاء والإخلاص والأمانة»، ويعيد التّأكيد على النّهي القاطع عن إعلان الجهاد الدّينيّ وإتلاف الكتب. ويختصّ بالمدح والثّناء رجال العلم والحكمة ويصفهم بأنّهم مثل «البصر» للبشر وأنهم «أعظم عطيّة للعالم»". ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ ٭ تتضمن هذه المجموعة من الألواح المباركة أربعة عشر لوحاً نزّلت كلّها بعد نزول «الكتاب الأقدس»، منها خمسة ألواح نزّلت أصلاً باللّغة العربية وهي: «لوح الحكمة» و«لوح البرهان» و«لوح أرض الباء» و«لوح وفا» و«لوح أصل كلّ الخير»، وأمّا الأحد عشر لوحاً الباقية فقد نزّلت باللّغة الفارسية والعربية وهي: «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«التّجليات» و«الكلمات الفردوسيّة» و«لوح مقصود» و«لوح الدنيّا» ولوح «اسم الله المهديّ» و«كتاب عهدي». ولقد تم نشر «الإشراقات» و«البشارات» و«الطّرازات» و«الكلمات الفردوسيّة» عام 1923 بواسطة العالم الشّيخ فرج الله زكي الكردي الذي نقل الجزء الفارسيّ منها إلى اللّغة العربية، يعاونه في ذلك العالم الشيخ أسدالله فاضل المازندراني. أما الألواح الباقية المذكورة أعلاه فقد سبقَ وتمّ نشرها ضمن مجموعات الألواح الفارسيّة التي صدرت في السّنوات الماضية، وهذه هي المرة الأولى الّتي و تنشر فيها هذه الألواح في صياغة عربيّة كاملة ضمن هذه المجموعة المباركة التي يجدها القارئ بين يديه. وقد قام نفر من الأحبّاء بمهمّة الصّياغة هذه ومن ثمّ قام بتصويب المجموعة وتنقيحها لجنة متخصّصة وهي الّتي أشرفت أيضاً على إخراج الكتاب وتصميمه في حلّته الرّاهنة. ومن أجل تمييز النّصوص العربيّة في الألواح المباركة الأحد عشر والّتي ترجمت عن الأصل الفارسيّ يجدر التّنويه بما يلي: ما جاء في لوح الإشراقات من الصّفحة الثّالثة إلى الصّفحة العشرين كلّها نزّلت بالعربيّة، وأمّا بقية اللّوح فقد نزّل بالفارسيّة والعربيّة. النّصوص العربيّة أصلاً والمعرّبة منها تتميّز في النّصّ بنوعين من الحروف، فالحروف العريضة هي النّصوص العربيّة أصلاً، وأما ما طبعت منها بحروف رفيعة فهي معرّبة عن الأصل الفارسيّ، وقد روعي أيضاً في الألواح العشرة الباقية هذا التّرتيب تمييزاً بين النّصّ العربيّ الأصيل والنّصّ المعرّب عن الفارسيّة. زالإِشْرَاقَاتُ صفحة خالية هَذِهِ صَحِيفَةُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ هُوَ اللهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الحِكْمَةُ والْبَيَانُ أَلْحَمدُ للهِ الَّذِي تَفَرَّدَ بِالعَظَمَةِ وَالقُدْرَةِ وَالْجَمَالِ. وَتَوحَّدَ بِالعِزَّةِ وَالقُوَّةِ وَالجَلاَلِ. وَتَقَدَّسَ عَنْ أَنْ يُدْرِكَهُ الخَيَالُ أَوْ يُذْكَرَ لَهُ نَظِيرٌ وَمِثَالٌ. قَدْ أَوْضَحَ صِرَاطَهُ المُسْتَقِيمَ بِأَفْصَحِ بَيَانٍ وَمَقَالٍ. إِنَّهُ هُوَ الغَنِيُّ المُتَعَالِ. فَلَمَّا أَرَادَ الخَلْقَ البَدِيعَ فَصَّلَ النُّقْطَةَ الظَّاهِرَةَ المُشْرِقَةَ مِنْ أُفُقِ الإِرَادَةِ وَإِنَّها دَارَتْ فِي كُلِّ بَيْتٍ عَلَى كُلِّ هَيْئَةٍ إِلَى أَنْ بَلَغَتْ مُنْتَهَى المَقامِ أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ مَوْلَى الأَنَامِ. وَإِنَّها هِيَ مَرْكَزُ دَائِرَةِ الأَسْمَآءِ وَمِخْتَمُ ظُهُورَاتِ الحُرُوفِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَآءِ وَبِهَا بَرَزَ مَا دَلَّ عَلَى السِّرِّ الأَكْتَمِ وَالرَّمْزِ المُنَمْنَمِ. الظَّاهِرِ الحَاكِي عَنِ الاسْمِ الأَعْظَمِ فِي الصَّحِيفَةِ النَّوْرَاءِ وَالوَرَقَةِ المُقَدَّسَةِ المُبَارَكَةِ البَيْضَآءِ. فَلَمَّا اتَّصَلَتْ بالحَرْفِ الثَّانِي1 الْبَارِزِ فِي أَوَّلِ المَثَانِي2 دَارَتْ 3 أَفْلاَكُ البَيَانِ وَالمَعَانِي وَسَطَعَ نُورُ اللهِ الأَبَدِيِّ. وَتَقَبَّبَ عَلَى وَجْهِ سَمَاءِ البُرهَانِ وَصَارَ مِنْهُ النِّيرَانُ. تَبَارَكَ الرَّحْمَنُ الَّذِي لاَ يُشَارُ بِإِشَارَةٍ وَلاَ يُعَبَّرُ بِعِبَارَةٍ وَلاَ يُعْرَفُ بِالأَذْكَارِ وَلاَ يُوصَفُ بِالآثَارِ. إِنَّهُ هُوَ الآمِرُ الوَهَّابُ فِي المَبْدَأِ وَالمَآبِ. وَجَعَلَ لَهُمَا حُفَّاظَاً وَحُرَّاسَاً مِنْ جُنُودِ القُدْرَةِ وَالاقْتِدَارِ إِنَّهُ هُوَ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ المُخْتَارُ. قَدْ نُزِّلَتِ الخُطْبَةُ مَرَّتَيْنِ كَمَا نُزِّلَ المَثَانِي كَرَّتَيْنِ. والحَمْدُ للهِ الَّذِي أَظْهَرَ النُّقْطَةَ وَفَصَّلَ مِنْهَا عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَجَعَلَهَا مُنَادِيَةً بِاسْمِهِ وَمُبَشِّرَةً بِظُهُورِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأُمَمِ وَسَطَعَ النُّورُ مِنْ أُفُقِ العَالَمِ. إِنَّهَا هِيَ النُّقْطَةُ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ بَحْرَ النُّورِ لِلْمُخْلِصِينَ مِنْ عِبَادِهِ. وَكُرَةَ النَّارِ لِلْمُعْرِضِينَ مِنْ خَلْقِهِ وَالمُلْحِدِينَ مِنْ بَرِيَّتِهِ الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرَاً وَمَائِدَةَ السَّمَاءِ نِفَاقَاً وَقَادُوا أَوْلِيَاءَهُم إِلَى بِئْسَ القَرَارِ. أُولَئِكَ عِبَادٌ أَظْهَرُوا النِّفَاقَ فِي الآفَاقِ. وَنَقَضُوا الْمِيثَاقَ فِي يَوْمٍ فِيهِ اسْتَوَى هَيْكَلُ الْقِدَمِ عَلَى العَرْشِ الأَعْظَمِ وَنَادَى المُنَادِ مِنْ الشَّطْرِ الأَيْمَنِ فِي الوَادِي المُقَدَّسِ. يَا مَلأَ البَيَانِ اتَّقُوا الرَّحْمَنَ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَمِنْ قَبْلِهِ الرُّوحُ وَمِنْ قَبْلِهِ الكَلِيمُ. وَهَذَا نُقْطَةُ البَيَانِ يُنَادِي أَمَامَ العَرْشِ وَيَقُولُ تَاللهِ قَدْ خُلِقْتُمْ لِذِكْرِ هَذَا النَّبَأِ الأَعْظَمِ وَهَذَا الصِّرَاطِ الأَقْوَمِ الَّذِي كَانَ مَكْنُونَاً فِي 4 أَفْئِدَةِ الأَنْبِيَاءِ وَمَخْزُونَاً فِي صُدُورِ الأَصْفِيَاءِ. وَمَسْطُورَاً مِنْ القَلَمِ الأَعْلَى فِي أَلْواحِ رَبِّكُم مَالِكِ الأَسْمَآء. قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ يَا أَهْلَ النِّفَاقِ قَدْ ظَهَرَ مَنْ لا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِنْ شَيْءٍ وَأَتَى مَنْ افْتَرَّ بِهِ ثَغْرُ الْعِرْفَانِ وَتَزَيَّنَ مَلَكُوتُ الْبَيَانِ. وَأَقْبَلَ كُلُّ مُقْبِلٍ إِلَى اللهِ مَالِكِ الأَدْيَانِ. وَقَامَ بِهِ كُلُّ قَاعِدٍ وَسَرُعَ كُلُّ سَطِيحٍ إِلَى طُورِ الإِيْقَانِ. هَذَا يَوْمٌ جَعَلَهُ اللهُ نِعْمَةً لِلأَبْرَارِ وَنَقْمَةً لِلأَشْرَارِ وَرَحْمَةً لِلْمُقْبِلِينَ وَغَضَبَاً لِلْمُنْكِرِينَ وَالْمُعْرِضِينَ. إِنَّهُ ظَهَرَ بِسُلْطَانٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَنْزَلَ مَا لا يُعَادِلُهُ شَيْءٌ فِي أَرْضِهِ وَسَمَائِهِ. اتَّقُوا الرَّحْمَنَ يَا مَلأَ الْبَيَانِ وَلا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَهُ أُولُوا الْفُرْقَانِ الَّذِينَ ادَّعَوْا الإِيمَانَ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ. فَلَمَّا أَتَى مَالِكُ الأَنَامِ أَعْرَضُوا وَكَفَرُوا إِلَى أَنْ أَفْتَوْا عَلَيْهِ بِظُلْمٍ نَاحَ بِهِ أُمُّ الْكِتَابِ فِي الْمَآبِ. اذْكُرُوا ثُمَّ انْظُرُوا فِي أَعْمَالِهِم وَأَقْوَالِهِم وَمَرَاتِبِهِم وَمَقَامَاتِهِم وَمَا ظَهَرَ مِنْهُمْ إِذْ تَكَلَّمَ مُكَلِّمُ الطُّورِ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ. وَانْصَعَقَ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ عِدَّةَ أَحْرُفِ الْوَجْهِ. يَا مَلأَ الْبَيَانِ ضَعُوا أَوْهَامَكُم وَظُنُونَكُم، ثُمَّ انْظُرُوا بِطَرْفِ الإِنْصَافِ إِلَى أُفُقِ الظُّهُورِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ عِنْدِهِ وَنُزِّلَ مِنْ لَدُنْه وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ أَعْدَائِهِ. هُوَ الَّذِي قَبِلَ الْبَلاَيَا كُلَّهَا لإِظْهَارِ أَمْرِهِ وَإِعْلآءِ كَلِمَتِهِ. قَدْ حُبِسَ مَرَّةً فِي الطَّاءِ (طهران) وَأُخْرَى فِي الْمِيمِ (مازندران)، ثُمَّ فِي الطَّاءِ مَرَّةً أُخْرَى لأَمْرِ اللهِ فَاطِرِ السَّمَاءِ وَكَانَ 5 فِيهَا تَحْتَ السَّلاَسِلِ وَالأَغْلاَلِ شَوْقَاً لأَمْرِ اللهِ الْعَزِيزِ الْفَضَّالِ. يَا مَلأَ البَيَانِ هَلْ نَسِيْتُمْ وَصَايَايَ وَمَا ظَهَرَ مِنْ قَلَمِي وَنَطَقَ بِهِ لِسَانِي. وَهَلْ بَدَّلْتُمْ يَقِينِي بِأَوْهَامِكُمْ وَسَبِيلِي بِأَهْوَائِكُمْ. وَهَلْ نَبَذْتُمْ أُصُولَ اللهِ وَذِكْرَهُ وَتَرَكْتُمْ أَحْكَامَ اللهِ وَأَوَامِرَهُ. اتَّقُوا اللهَ دَعُوا الظُّنُونَ لِمَظَاهِرِهَا وَالأَوْهَامَ لِمَطَالِعِهَا وَالشُّكُوكَ لِمَشَارِقِهَا. ثُمَّ أَقْبِلُوا بِوُجُوهٍ نَوْرَاءَ وَصُدُورِ بَيْضَاءَ إِلَى أُفُقٍ أَشْرَقَتْ مِنْهُ شَمْسُ الإِيقَانِ أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ مَالِكِ الأَدْيَانِ. الْحَمْدُ للهِ الذِي جَعَلَ العِصْمَةَ الكُبْرَى دِرْعَاً لِهَيْكَلِ أَمْرِهِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ. وَمَا قَدَّرَ لأَحَدٍ نَصِيبَاً مِنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ العُلْيَا وَالمَقَامِ الأَسْنَى. إِنَّهَا طِرَازٌ نَسَجَتْهُ أَنَامِلُ القُدْرَةِ لِنَفْسِهِ تَعَالَى. إَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ إِلاَّ لِمَنِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. مَنْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ بِمَا رُقِمَ فِي هَذَا الحِينِ مِنَ القَلَمِ الأَعْلَى إِنَّهُ مِنَ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَأَصْحَابِ التَّجْرِيدِ فِي كِتَابِ اللهِ مَالِكِ المَبْدَأِ وَالمَآبِ. وَلَمَّا بَلَغَ الكَلاَمُ هَذَا المَقَامَ سَطَعَتْ رَائِحَةُ العِرْفَانِ وَأَشْرَقَ نَيِّرُ التَّوْحِيدِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ البَيَانِ. طُوبَى لِمَنْ اجْتَذَبَهُ النِّدَاءُ إِلَى الذِّرْوَةِ العُلْيَا وَالغَايَةِ القُصْوَى. وَعَرَفَ مِنْ صَرِيْرِ قَلَمِي الأَعْلَى مَا أَرَادَه رَبُّ الآخِرَةِ وَالأُولَى. إِنَّ الذِي مَا شَرِبَ مِنْ رَحِيقِنَا المَخْتُومِ الذِي فَكَكْنَا خَتْمَه بِاسْمِنَا القَيُّومِ. إِنَّهُ مَا فَازَ بِأَنْوَارِ 6 التَّوْحِيدِ وَمَا عَرَفَ المَقْصُودَ مِنْ كُتُبِ اللهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَمَالِكِ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَكَانَ مِنَ المُشْرِكِينَ فِي كِتَابِ اللهِ العَلِيمِ الخَبِيرِ. يَا أَيُّهَا السَّائِلُ الجَلِيلُ3 نَشْهَدُ أَنَّكَ تَمَسَّكْتَ بِالصَّبْرِ الجَمِيلِ فِي أَيَّامٍ فِيهَا مُنِعَ القَلَمُ عَنِ الجَرَيَانِ وَاللِّسَانُ عَنِ البَيَانِ فِي ذِكْرِ العِصْمَةِ الكُبْرَى وَالآيَةِ العُظْمِى التِي سَأَلْتَها عَنِ المَظْلُومِ لِيَكْشِفَ لَكَ قِنَاعَهَا وَغِطَاءَهَا وَيَذْكُرَ سِرَّهَا وَأَمْرَهَا وَمَقَامَهَا وَمَقَرَّها وَشَأْنَهَا وَعُلُوَّهَا وَسُمُوَّهَا. لَعَمْرُ اللهِ لَوْ نُظْهِرُ لَئَالِئَ البُرْهَانِ المَكْنُونَةَ فِي أَصْدَافِ بَحْرِ العِلْمِ وَالإِيقَانِ وَنُخْرِجُ طَلَعَاتِ المَعَانِي المَسْتُورَةَ فِي غُرَفَاتِ البَيَانِ فِي جَنَّةِ العِرْفَانِ لَتَرْتَفِعُ ضَوْضَاءُ العُلَمَاءِ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ وَتَرَى حِزْبَ اللهِ بَيْنَ أَنْيَابِ الذِّئَابِ الذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ فِي المَبْدَأِ وَالمَآبِ. بِذَلِكَ أَمْسَكْنَا القَلَمَ فِي بُرْهَةٍ طَوِيلَةٍ مِنَ الزَّمَانِ حِكْمَةً مِنْ لَدَى الرَّحْمَنِ وَحِفْظَاً لأَوْلِيَائِي مِنَ الذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْرَاً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُم دارَ البَوَارِ. يَا أَيُّهَا السَّائِلُ النَّاظِرُ وَالذِي اجْتَذَبَ المَلأَ الأَعْلَى بِكَلِمَتِهِ العُلْيَا إِنَّ لِطُيُورِ مَمَالِكِ مَلَكُوتِي وَحَمَامَاتِ رِيَاضِ حِكْمَتِي تَغَرُّدَاتٍ وَنَغَمَاتٍ مَا اطَّلَعَ عَلَيْهَا إِلاَّ اللهُ مَالِكُ المُلْكِ وَالجَبَرُوتِ. وَلَوْ يَظْهَرُ أَقَلُّ مِنْ سَمِّ الإِبْرَةِ لَيَقُولُ الظَّالِمُونَ مَا لاَ قَالَه الأَوَّلُونَ 7 وَيَرْتَكِبُونَ مَا لاَ ارْتَكَبَهُ أَحَدٌ فِي الأَعْصَارِ وَالقُرُونِ. قَدْ أَنْكَرُوا فَضْلَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ وَحُجَّةَ اللهِ وَآيَاتِهِ. ضَلُّوا وَأَضَلُّوا النَّاسَ وَلاَ يَشْعُرُونَ. يَعْبُدُونَ الأَوْهَامَ وَلاَ يَعْرِفُونَ. قَدْ اتَّخَذُوا الظُّنُونَ لأَنْفُسِهِم أَرْبَابَاً مِنْ دُونِ اللهِ وَلاَ يَفْقَهُونَ. نَبَذُوا الْبَحْرَ الأَعْظَمَ مُسْرِعِينَ إِلَى الْغَدِيرِ وَلاَ يَعْلَمُونَ. يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُم مُعْرِضِينَ عَنِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. قُلْ تَاللهِ قَدْ أَتَى الرَّحْمَنُ بِقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ. وَبِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَدْيَانِ. وَغَنَّ عَنْدَلِيبُ الْبَيَانِ عَلَى أَعْلَى غُصْنِ الْعِرْفَانِ. قَدْ ظَهَرَ مَنْ كَانَ مَكْنُونَاً فِي الْعِلْمِ وَمَسْطُورَاً فِي الْكِتَابِ. قُلْ هَذَا يَوْمٌ فِيهِ اسْتَوَى مُكَلِّمُ الطُّورِ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ وَقَامَ النَّاسُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَهَذَا يَوْمٌ فِيهِ حَدَّثَتِ الأَرْضُ أَخْبَارَهَا وَأَظْهَرَتْ كُنُوزَهَا وَالبِحَارُ لآلِئَهَا وَالسِّدْرَةُ أَثْمَارَهَا وَالشَّمْسُ إِشْرَاقَهَا وَالأَقْمَارُ أَنْوَارَهَا وَالسَّمَاءُ أَنْجُمَها وَالسَّاعَةُ أَشْرَاطَهَا وَالْقِيَامَةُ سَطْوَتَهَا وَالأَقْلاَمُ آثَارَهَا وَالأَرْوَاحُ أَسْرَارَهَا. طُوبَى لِمَنْ عَرَفَهُ وَفَازَ بِهِ وَوَيْلٌ لِمَنْ أَنْكَرَهُ وَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ عِبَادَهُ عَلَى الرُّجُوعِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. يَا أَيُّهَا الْمُقْبِلُ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى وَالشَّارِبُ رَحِيقِيَ الْمَخْتُومَ مِنْ أَيَادِي الْعَطَاءِ فَاعْلَمْ لِلْعِصْمَةِ مَعَانٍ شَتَّى وَمَقَامَاتٌ شَتَّى. إِنَّ الَّذِي عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الزَّلَلِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا الاسْمُ فِي مَقَامٍ 8 وَكَذَلِكَ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ مِنَ الْخَطَأ وَالْعِصْيَانِ وَمِنَ الإِعْرَاضِ وَالْكُفْرِ وَمِنَ الشِّرْكِ وَأَمْثَالِهَا يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاءِ اسْمُ الْعِصْمَةِ. وَأَمَّا الْعِصْمَةُ الْكُبْرَى لِمَنْ كَانَ مَقَامُهُ مُقَدَّسَاً عَنِ الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَمُنَزَّهَاً عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ. إِنَّهُ نُورٌ لاَ تَعْقُبُهُ الظُّلْمَةُ وَصَوَابٌ لاَ يَعْتَرِيهِ الْخَطَأُ. لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الْمَاءِ حُكْمَ الْخَمْرِ وَعَلَى السَّمَاءِ حُكْمَ الأَرْضِ وَعَلَى النُّورِ حُكْمَ النَّارِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولَ لِمَ وَبِمَ. وَالَّذِي اعْتَرَضَ إِنَّهُ مِنَ الْمُعْرِضِينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ لاَ يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَكُلٌّ عَنِ كُلٍّ يُسْئَلُونَ. إِنَّهُ أَتَى مِنْ سَمَاءِ الْغَيْبِ وَمَعَهُ رَايَةُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَجُنُودُ الْقُدْرَةِ وَالاخْتِيَارِ. وَلِدُونِهِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ الشَّرَائِعِ وَالأَحْكَامِ. لَوْ يَتَجَاوَزُ عَنْهَا عَلَى قَدْرِ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ لَيَحْبِطُ عَمَلُهُ. انْظُرْ ثُمَّ اذْكُرْ إِذْ أَتَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ [وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ] وَكَذَلِكَ الصَّلَوةُ وَالصَّوْمُ وَالأَحْكَامُ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ كِتَابِ اللهِ مَوْلَى الْعَالَمِ وَمُرَبِّيِ الأُمَمِ. لِلْكُلِّ أَنْ يَتَّبِعُوهُ فِيمَا حَكَمَ بِهِ اللهُ وَالَّذِي أَنْكَرَهُ كَفَرَ بِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرُسُلِهِ وَكُتُبِهِ إِنَّهُ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الصَّوَابِ حُكْمَ الْخَطَأِ وَعَلَى الْكُفْرِ حُكْمَ الإِيمَانِ حَقٌّ مِنْ عِنْدِهِ. هَذَا مَقَامٌ لاَ يُذْكَرُ وَلاَ يُوجَدُ فَيهَ الْخَطَأُ وَالْعِصْيَانُ. انْظُرْ فِي الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ الْمُنْزَلَةِ الَّتِي وَجَبَ 9 بِهَا حِجُّ الْبَيْتِ عَلَى الْكُلِّ. إِنَّ الَّذِينَ قَامُوا بَعْدَهُ4 عَلَى الأَمْرِ وَجَبَ عَلَيْهِم أَنْ يَعْمَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فِي الْكِتَابِ. لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْ حُدُودِ اللهِ وَسُنَنِهِ وَالَّذِي تَجَاوَزَ إِنَّهُ مِنَ الْخَاطِئينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى أُفُقِ الأَمْرِ اعْلَمْ إِرَادَةَ اللهِ لَمْ تَكُنْ مَحْدُودَةً بِحُدُودِ الْعِبَادِ. إِنَّهُ لاَ يَمْشِي عَلَى طُرُقِهِم لِلْكُلِّ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِصِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ. إِنَّهُ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى الْيَمِينِ حُكْمَ الْيَسَارِ أَوْ عَلَى الْجَنُوبِ حُكْمَ الشِّمَالِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ إِنَّهُ مَحْمُودٌ فِي فِعْلِهِ وَمُطَاعٌ فِي أَمْرِهِ. لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِي حُكْمِهِ وَلاَ مُعِينٌ فِي سُلْطَانِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. ثُمَّ اعْلَمْ مَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ لَيْسَ لَهُمْ حَرَكَةٌ وَلاَ سُكُونٌ إِلاَّ بِأَمْرِهِ وَإِذْنِهِ. يَا أَيُّهَا الطَّائِرُ فِي هَوَاءِ الْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ وَالنَّاظِرُ إِلَى أَنْوَارِ وَجْهِ رَبِّكَ مَالِكِ الإِيجَادِ اشْكُرِ اللهَ بِمَا كَشَفَ لَكَ مَا كَانَ مَكْنُونَاً مَسْتُورَاً فِي الْعِلْمِ لِيَعْلَمَ الْكُلُّ أَنَّهُ مَا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ فِي الْعِصْمَةِ الْكُبْرَى شَرِيكَاً وَلاَ وَزِيرَاً. إِنَّه هُوَ مَطْلِعُ الأَوَامِرِ وَالأَحْكَامِ وَمَصْدَرُ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ وَمَا سِوَاهُ مَأْمُورٌ مَحْكُومٌ وَهُوَ الْحَاكِمُ الآمِرُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنَّكَ إِذَا اجْتَذَبَتْكَ نَفَحَاتُ آيَاتِ الظُّهُورِ وَأَخَذَكَ الْكَوْثَرُ الطَّهُورُ مِنْ أَيَادِي عَطَاءِ رَبِّكَ مَالِكِ يَوْمِ النُّشُورِ قُلْ إِلَهِي إِلَهِي لَكَ الْحَمْدُ بِمَا دَلَلْتَنِي إِلَيْكَ وَهَدَيْتَنِي إِلَى أُفُقِكَ 10 وَأَوْضَحْتَ لِي سَبِيلَكَ وَأَظْهَرْتَ لِي دَلِيلَكَ وَجَعَلْتَنِي مُقْبِلاً إِلَيْكَ إِذْ أَعْرَضَ عَنْكَ أَكْثَرُ عِبَادِكَ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ. ثُمَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُم مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ مِنْ عِنْدِكَ وَبُرْهَانٍ مِنْ لَدُنْكَ. لَكَ الْفَضْلُ يَا إِلَهَ الأَسْمَاءِ وَلَكَ الثَّنَاءُ يَا فَاطِرَ السَّمَاءِ بِمَا سَقَيْتَنِي رَحِيقَكَ الْمَخْتُومَ بِاسْمِكَ الْقَيُّومِ وَقَرَّبْتَنِي إِلَيْكَ وَعَرَّفْتَنِي مَشْرِقَ بَيَانِكَ وَمَطْلِعَ آيَاتِكَ وَمَصْدَرَ أَوَامِرِكَ وَأَحْكَامِكَ وَمَنْبَعَ حِكْمَتِكَ وَأَلْطَافِكَ. طُوبَى لأَرْضٍ فَازَتْ بِقُدُومِكَ وَاسْتَقَرَّ عَلَيْهَا عَرْشُ عَظَمَتِكَ وَتَضَوَّعَ فِيهَا عَرْفُ قَمِيصِكَ. وَعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَقُدْرَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ لاَ أُحِبُّ الْبَصَرَ إِلاَّ لِمُشَاهَدَةِ جَمَالِكَ وَلاَ أُرِيدُ السَّمَعَ إِلاَّ لإِصْغَاءِ نِدَائِكَ وَآيَاتِكَ. إِلَهِي إِلَهِي لاَ تَحْرِمِ الْعُيُونَ عَمَّا خَلَقْتَهَا لَهُ وَلاَ الْوُجُوهَ عَنْ التَّوَجُّهِ إِلَى أُفُقِكَ وَالْقِيَامِ لَدَى بَابِ عَظَمَتِكَ وَالْحُضُورِ أَمَامَ عَرْشِكَ وَالْخُضُوعِ لَدَى إِشْرَاقَاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ فَضْلِكَ. أَيْ رَبِّ أَنَا الَّذِي شَهِدَ قَلْبِي وَكَبِدِي وَجَوَارِحِي وَلِسَانُ ظَاهِرِي وَبَاطِنِي بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إَلاَّ أَنْتَ. قَدْ خَلَقْتَ الْخَلْقَ لِعِرْفَانِكَ وَخِدْمَةِ أَمْرِكَ لِتَرْتَفِعَ بِهِ مَقَامَاتُهُم فِي أَرْضِكَ وَتَرْتَقِي أَنْفُسُهُم بِمَا أَنْزَلْتَهُ فِي زُبُرِكَ وَكُتُبِكَ وَأَلْوَاحِكَ. فَلَمَّا أَظْهَرْتَ نَفْسَكَ وَأَنْزَلْتَ آيَاتِكَ أَعْرَضُوا عَنْكَ وَكَفَرُوا بِكَ وَبِمَا أَظْهَرْتَهُ بِقُدْرَتِكَ وَقُوَّتِكَ. وَقَامُوا عَلَى ضَرِّكَ وَإِطْفَاءِ نُورِكَ وَإِخْمَادِ نَارِ سِدْرَتِكَ 11 وَبَلَغُوا فِي الظُّلْمِ مَقَامَاً أَرَادُوا سَفْكَ دَمِكَ وَهَتْكَ حُرْمَتِكَ. وَكَذِلَكَ مَنْ5 رَبَّيْتَهُ بِأَيَادِي عِنَايَتِكَ وَحَفَظْتَهُ مِنْ شَرِّ طُغَاةِ خَلْقِكَ وَبُغَاةِ عِبَادِكَ وَكَانَ أَنْ يُحَرِّرَ آيَاتِكَ أَمَامَ عَرْشِكَ فَآهٍ آهٍ عَمَّا ارْتَكَبَ فِي أَيَّامِكَ بِحَيْثُ نَقَضَ عَهْدَكَ وَمِيثَاقَكَ وَأَنْكَرَ آيَاتِكَ وَقَامَ عَلَى الإِعْرَاضِ وَارْتَكَبَ مَا نَاحَ بِهِ سُكَّانُ مَلَكُوتِكَ. فَلَمَّا خَابَ فِي نَفْسِهِ وَوَجَدَ رَائِحَةَ الْخُسْرَانِ صَاحَ وَقَالَ مَا تَحَيَّرَ بِهِ الْمُقَرَّبُونَ مِنْ أَصْفِيَائِكَ وَأَهْلُ خِبَاءِ مَجْدِكَ. تَرَانِي يَا إِلَهِي كَالْحُوتِ الْمُتَبَلْبِلِ عَلَى التُّرَابِ أَغِثْنِي ثُمَّ ارْحَمْنِي يَا مُسْتَغَاثُ وَيَا مَنْ فِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ النَّاسِ مِنَ الذُّكُورِ وَالإِنَاثِ. كُلَّمَا أَتَفَكَّرُ فِي جَرِيرَاتِيَ الْعُظْمَى وَخطِيَّاتِيَ الْكُبْرَى يَأْخُذُنِي الْيَأْسُ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَكُلَّمَا أَتَفَكَّرُ فِي بَحْرِ عَطَائِكَ وَسَمَاءِ جُودِكَ وَشَمْسِ فَضْلِكَ أَجِدُ عَرْفَ الرَّجَاءِ مِنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ وَالْجَنُوبِ وَالشِّمَالِ. كَأَنَّ الأَشْيَاءَ كُلَّهَا تُبَشِّرُنِي بِأَمْطَارِ سَحَابِ سَمَاءِ رَحْمَتِكَ. وَعِزَّتِكَ يَا سَنَدَ الْمُخْلِصِينَ وَمَقْصُودَ الْمُقَرَّبِينَ شَجَّعَتْنِي مَوَاهِبُكَ وَأَلْطَافُكَ وَظُهُورَاتُ فَضْلِكَ وَعِنَايَتِكَ. وَإِلاَّ مَا لِلْمَفْقُودِ أَنْ يَذْكُرَ مَنْ أَظْهَرَ الْوُجُودَ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِهِ. وَمَا لِلْمَعْدُومِ أَنْ يَصِفَ مَنْ ثَبَتَ بِالبُرْهَانِ أَنَّهُ لاَ يُوصَفُ بِالأَوْصَافِ وَلاَ يُذْكَرُ بِالأَذْكَارِ. لَمْ يَزَلْ كَانَ مُقَدَّسَاً عَنْ إِدْرَاكِ خَلْقِهِ وَمُنَزَّهَاً عَنْ عِرْفَانِ عِبَادِهِ أَيْ رَبِّ تَرَى الْمَيِّتَ أَمَامَ وَجْهِكَ لاَ تَجْعَلْهُ 12 مَحْرُومَاً مِنْ كَأْسِ الْحَيَوانِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ. وَالْعَلِيلَ تِلْقَاءَ عَرْشِكَ لاَ تَمْنَعْهُ عَنْ بَحْرِ شِفَائِكَ. أَسْأَلُكَ أَنْ تُؤَيِّدَنِي فِي كُلِّ الأَحْوَالِ عَلَى ذِكْرِكَ وَثَنَائِكَ وَخِدْمَةِ أَمْرِكَ بَعْدَ عِلْمِي بِأَنَّ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْعَبْدِ مَحْدُودٌ بِحُدُودِ نَفْسِهِ وَلاَ يَلِيقُ لِحَضْرَتِكَ وَلاَ يَنْبَغِي لِبِسَاطِ عِزِّكَ وَعَظَمَتِكَ. وَعِزَّتِكَ لَوْلاَ ثَنَاؤُكَ لاَ يَنْفَعُنِي لِسَانِي وَلَوْلاَ خِدْمَتُكَ لاَ يَنْفَعُنِي وُجُودِي وَلاَ أُحِبُّ الْبَصَرَ إِلاَّ لِمُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ أُفُقِكَ الأَعْلَى وَلاَ أُرِيدُ السَّمْعَ إِلاَّ لإِصْغَاءِ نِدَائِكَ الأَحْلَى. آهٍ آهٍ لَمْ أَدْرِ يَا إِلَهِي وَسَنَدِي وَرَجَائِي هَلْ قَدَّرْتَ لِي مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي وَيَنْشَرِحُ بِهِ صَدْرِي وَيَفْرَحُ بِهِ قَلْبِي أَوْ قَضَاؤُكَ الْمُبْرَمُ مَنَعَنِي عَنِ الْحُضُورِ أَمَامَ عَرْشِكَ يَا مَالِكَ الْقِدَمِ وَسُلْطَانَ الأُمَمِ. وَعِزَّتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَعَظَمَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ قَدْ أَمَاتَتْنِي ظُلْمَةُ الْبُعْدِ أَيْنَ نُورُ قُرْبِكَ يَا مَقْصُودَ الْعَارِفِينَ وَأَهْلَكَتْنِي سَطْوَةُ الْهَجْرِ أَيْنَ ضِيَاءُ وِصَالِكَ يَا مَحْبُوبَ الْمُخْلِصِينَ. تَرَى يَا إِلَهِي مَا وَرَدَ عَلَيَّ فِي سَبِيلِكَ مِنَ الَّذِينَ أَنْكَرُوا حَقَّكَ وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ وَجَادَلُوا بِآيَاتِكَ وَكَفَرُوا بِنِعْمَتِكَ بَعْدَ ظُهُورِهَا وَكَلِمَتِكَ بَعْدَ إِنْزَالِهَا وَبِحُجَّتِكَ بَعْدَ إِكْمَالِهَا. أَيْ رَبِّ يَشْهَدُ لِسَانُ لِسَانِي وَقَلْبُ قَلْبِي وَرُوحُ رُوحِي وَظَاهِرِي وَبَاطِنِي بِوَحْدَانِيِّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ وَبِقُدْرَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَعَظَمَتِكَ وَسُلْطَانِكَ وَبِعِزَّتِكَ وَرِفْعَتِكَ وَاخْتِيَارِكَ وَبِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ 13 كَنْزَاً مَخْفِيَّاً عَنِ الأَبْصَارِ وَالإِدْرَاكِ وَلاَ تَزَالُ تَكُونُ بِمِثْلِ مَا كُنْتَ فِي أَزَلِ الآزَالِ. لاَ تُضْعِفُكَ قُوَّةُ الْعَالَمِ وَلاَ يُخَوِّفُكَ اقْتِدَارُ الأُمَمِ. أَنْتَ الَّذِي فَتَحْتَ بَابَ الْعِلْمِ عَلَى وَجْهِ عِبَادِكَ لِعِرْفَانِ مَشْرِقِ وَحْيِكَ وَمَطْلِعِ آيَاتِكَ وَسَمَاءِ ظُهُورِكَ وَشَمْسِ جَمَالِكَ وَوَعَدْتَ مَنْ عَلَى الأَرْضِ فِي كُتُبِكَ وَزُبُرِكَ وَصُحُفِكَ بِظُهُورِ نَفْسِكَ وَكَشْفِ سُبُحَاتِ الْجَلاَلِ عَنْ وَجْهِكَ كَمَا أَخْبَرْتَ بِهِ حَبِيبَكَ الَّذِي بِهِ أَشْرَقَ نَيِّرُ الأَمْرِ مِنْ أُفُقِ الْحِجَازِ وَسَطَعَ نُورُ الْحَقِيقَةِ بَيْنَ الْعِبَادِ بِقَوْلِكَ [يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ]6. وَمِنْ قَبْلِهِ بَشَّرْتَ الْكَلِيمَ [أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللهِ]7 وَأَخْبَرْتَ بِهِ الرُّوحَ وَأَنْبِيَاءَكَ وَرُسُلَكَ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. لَوْ يَظْهَرُ مِنْ خَزَائِنِ قَلَمِكَ الأَعْلَى مَا أَنْزَلْتَهُ فِي ذِكْرِ هَذَا الذِّكْرِ الأَعْظَمِ وَنَبَئِكَ الْعَظِيمِ لَيَنْصَعِقُ أَهْلُ مَدَائِنِ الْعِلْمِ وَالْعِرْفَانِ. إِلاَّ مَنْ أَنْقَذْتَهُ بِاقْتِدَارِكَ وَحَفَظْتَهُ بِجُودِكَ وَفَضْلِكَ. أَشْهَدُ أَنَّكَ وَفَيْتَ بِعَهْدِكَ وَأَظْهَرْتَ الَّذِي بَشَّرَتْ بِظُهُورِهِ أَنْبِيَاؤُكَ وَأَصْفِيَاؤُكَ وَعِبَادُكَ. إِنَّهُ أَتَى مِنْ أُفُقِ الْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ بِرَايَاتِ آيَاتِكَ وَأَعْلاَمِ بَيِّنَاتِكَ وَقَامَ أَمَامَ الْوُجُوهِ بِقُوَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَدَعَا الْكُلَّ إِلَى الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا وَالأُفُقِ الأَعْلَى بِحَيْثُ مَا مَنَعَهُ ظُلْمُ الْعُلَمَاءِ وَسطْوَةُ الأُمَرَاءِ. قَامَ بِالاسْتِقَامَةِ الْكُبْرَى وَنَطَقَ بِأَعْلَى النِّدَاءِ قَدْ أَتَى الْوَهَّابُ رَاكِبَاً عَلَى السَّحَابِ. 14 أَقْبِلُوا يَا أَهْلَ الأَرْضِ بِوُجُوهٍ بَيْضَاءَ وَقُلُوبٍ نَوْرَاءَ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِلِقَائِكَ وَشَرِبَ رَحِيقَ الْوِصَالِ مِنْ أَيَادِي عَطَائِكَ وَوَجَدَ عَرْفَ آيَاتِكَ وَنَطَقَ بِثَنَائِكَ وَطَارَ فِي هَوَائِكَ وَأَخَذَهُ جَذْبُ بَيَانِكَ وَأَدْخَلَهُ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى مَقَامَ الْمُكَاشَفَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ أَمَامَ عَرْشِ عَظَمَتِكَ. أَيْ رَبِّ أَسْأَلُكَ بِالْعِصْمَةِ الْكُبْرَى الَّتِي جَعَلْتَها أُفُقَاً لِظُهُورِكَ وَبِكَلِمَتِكَ الْعُلْيَا الَّتِي بِهَا خَلَقْتَ الْخَلْقَ وَأَظْهَرْتَ الأَمْرَ وَبِهَذَا الاسْمِ الَّذِي بِهِ نَاحَتِ الأَسْمَاءُ وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الْعُرَفَاءِ أَنْ تَجْعَلَنِي مُنْقَطِعَاً عَنْ دُونِكَ بِحَيْثُ لاَ أَتَحَرَّكُ إِلاَّ بِإرَادَتِكَ وَلاَ أَتَكَلَّمُ إِلاَّ بِمَشِيئَتِكَ وَلاَ أَسْمَعُ إِلاَّ ذِكْرَكَ وَثَنَاءَكَ لَكَ الْحَمْدُ يَا إِلَهِي وَلَكَ الشُّكْرُ يَا رَجَائِي بِمَا أَوْضَحْتَ لِي صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ وَأَظْهَرْتَ لِي نَبَأَكَ الْعَظِيمَ وَأَيَّدْتَنِي عَلَى الإِقْبَالِ إِلَى مَشْرِقِ وَحْيِكَ وَمَصْدَرِ أَمْرِكَ بَعْدَ إِعْرَاضِ عِبَادِكَ وَخَلْقِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَالِكَ مَلَكُوتِ الْبَقَاءِ بِصَرِيرِ قَلَمِكَ الأَعْلَى وَبِالنَّارِ الْمُشْتَعِلَةِ النَّاطِقَةِ فِي الشَّجَرَةِ الْخَضْرَاءِ وَبِالسَّفِينَةِ الَّتَي جَعَلْتَهَا مَخْصُوصَةً لأَهْلِ الْبَهَاءِ. أَنْ تَجْعَلَنِي مُسْتَقِيمَاً عَلَى حُبِّكَ وَرَاضِيَاً بِمَا قَدَّرْتَ لِي فِي كِتَابِكَ وَقَائِمَاً عَلَى خِدْمَتِكَ وَخِدْمَةِ أَوْلِيَائِكَ. ثُمَّ أَيِّدْ عِبَادَكَ يَا إِلَهِي عَلَى مَا يَرْتَفِعُ بِهِ أَمْرُكَ وَعَلَى عَمَلِ مَا أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَا تَشَاءُ وَفِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ الأَشْيَاءِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. 15 يَا أَيُّهَا الْجَلِيلُ قَدْ أَرَيْنَاكَ الْبَحْرَ وَأَمْوَاجَهُ وَالشَّمْسَ وَإِشْرَاقَهَا وَالسَّمَاءَ وَأَنْجُمَهَا وَالأَصْدَافَ وَلآلِئَهَا. اشْكُرِ اللهَ بِهَذَا الْفَضْلِ الأَعْظَمِ وَالْكَرَمِ الَّذِي أَحَاطَ عَلَى الْعَالَم. يَا أَيُّهَا الْمُتَوَجِّهُ إِلَى أَنْوَارِ الْوَجْهِ قَدْ أَحَاطَتِ الأَوْهَامُ عَلَى سُكَّانِ الأَرْضِ وَمَنَعَتْهُم عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى أُفُقِ الْيَقِينِ وَإِشْرَاقِهِ وَظُهُورَاتِهِ وَأَنْوَارِهِ. بِالظُّنُونِ مُنَعُوا عَنِ الْقَيُّومِ يَتَكَلَّمُونَ بِأَهْوَائِهِم وَلاَ يَشْعُرُونَ. مِنْهُم مَنْ قَالَ هَلْ الآيَاتُ نُزِّلَتْ قُلْ إِي وَرَبِّ السَّمَواتِ وَهَلْ أَتَتِ السَّاعَةُ بَلْ قَضَتْ وَمُظْهِرِ الْبَيِّنَاتِ. قَدْ جَاءَتِ الحَاقَّةُ وَأَتَى الحَقُّ بِالْحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ. قَدْ بَرَزَتِ السَّاهِرَةُ وَالْبَرِيَّةُ فِي وَجَلٍ وَاضْطِرَابٍ. قَدْ أَتَتِ الزَّلاَزِلُ وَنَاحَتِ الْقَبَائِلُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْجَبَّارِ. قُلِ الصَّاخَّةُ صَاحَتْ وَالْيَوْمُ للهِ الوَاحِدِ المُخْتارِ. وَقَالَ هَلِ الطَّامَّةُ تَمَّتْ قُلْ إِي وَرَبِّ الأَرْبَابِ. وَهَلِ الْقِيَامَةُ قَامَتْ بَلْ الْقَيُّومُ بِمَلَكُوتِ الآيَاتِ. هَلْ تَرَى النَّاسَ صَرْعَى بَلَى وَرَبِّي الْعَلِيِّ الأَبْهَى. هَلْ انْقَعَرَتِ الأَعْجَازُ بَلْ نُسِفَتِ الْجِبَالُ وَمَالِكِ الصِّفَاتِ. قَالَ أَيْنَ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ قُلْ الأُولَى لِقَائِي وَالأُخْرَى نَفْسُكَ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ الْمُرْتَابُ. قَالَ إِنَّا مَا نَرَى الْمِيزَانَ قُلْ إِي وَرَبِّي الرَّحْمَنِ لاَ يَرَاهُ إِلاَّ أُولُوا الأَبْصَارِ. قَالَ هَلْ سَقَطَتِ النُّجُومُ قُلْ إِي إِذْ كَانَ الْقَيُّومُ فِي أَرْضِ السِّرِّ8 فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَنْظَارِ. قَدْ ظَهَرَتِ الْعَلاَمَاتُ كُلُّهَا إِذْ أَخْرَجْنَا يَدَ الْقُدْرَةِ مِنْ جَيْبِ 16 الْعَظَمَةِ وَالاقْتِدَارِ. قَدْ نَادَى الْمُنَادِ إِذْ أَتَى الْمِيعَادُ وَانْصَعَقَ الطُّورِيُّونَ فِي تِيهِ الْوُقُوفِ مِنْ سَطْوَةِ رَبِّكَ مَالِكِ الإِيجَادِ. يَقُولُ النَّاقُورُ هَلْ نُفِخَ فِي الصُّورِ قُلْ بَلَى وَسُلْطَانِ الظُّهُورِ إِذِ اسْتَقَرَّ عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الرَّحْمَن. قَدْ أَضَاءَ الدَّيْجُورُ مِنْ فَجْرِ رَحْمَةِ رَبِّكَ مَطْلِعِ الأَنْوَارِ. قَدْ مَرَّتْ نَسَمَةُ الرَّحْمَنِ وَاهْتَزَّتِ الأَرْوَاحُ فِي قُبُورِ الأَبْدَانِ كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَزِيزِ الْمَنَّانِ. قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَتَى انْفَطَرَتِ السَّمَاءُ. قُلْ إِذْ كُنْتُمْ فِي أَجْدَاثِ الْغَفْلَةِ وَالضَّلاَلِ. مِنَ الْمُشْرِكينَ مَنْ يَمْسَحُ عَيْنَيْهِ وَيَنْظُرُ الْيَمِينَ وَالشِّمَالَ قُلْ قَدْ عَمِيتَ لَيْسَ لَكَ الْيَومَ مِنْ مَلاذٍ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَلْ حُشِرَتِ النُّفُوسُ قُلْ إِي وَرَبِّي إِذْ كُنْتَ فِي مِهَادِ الأَوْهَامِ. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَلْ نُزَّلَ الْكِتَابُ بِالْفِطْرَةِ قُلْ إِنَّهَا فِي الْحَيْرَةِ اتَّقُوا يَا أُولِي الأَلْبَابِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَحُشِرْتُ أَعْمَى قُلْ بَلَى وَرَاكِبِ السَّحَابِ. قَدْ زُيِّنَتِ الْجَنَّةُ بِأَوْرَادِ الْمَعَانِي وَسُعِّرَ السَّعِيرُ مِنْ نَارِ الْفُجَّارِ. قُلْ قَدْ أَشْرَقَ النُّورُ مِنْ أُفُقِ الظُّهُورِ وَأَضَاءَتِ الآفَاقُ إِذْ أَتَى مَالِكُ يَوْمِ الْمِيثَاقِ. قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ ارْتَابُوا وَرَبِحَ مَنْ أَقْبَلَ بِنُورِ الْيَقِينِ إِلَى مَطْلِعِ الإِيقَانِ. طُوبَى لَكَ يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ بِمَا نُزِّلَ لَكَ هَذَا اللَّوْحُ الَّذِي مِنْهُ تَطِيرُ الأَرْوَاحُ أَنِ احْفَظْهُ ثُمَّ اقْرَأْهُ لَعَمْرِي إِنَّهُ بَابُ رَحْمَةِ رَبِّكَ طُوبَى لِمَنْ يَقْرَؤُه فِي الْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ. إِنَّا سَمِعْنَا ذِكْرَكَ 17 فِي هَذَا الأَمْرِ الَّذِي مِنْهُ انْدَكَّ جَبَلُ الْعِلْمِ وَزَلَّتِ الأَقْدَامُ. الْبَهَاءُ عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ الَّذِينَ أَقْبَلُوا إِلَى الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. قَدْ انْتَهَى اللَّوْحُ وَمَا انْتَهَى الْبَيَانُ اصْبِرْ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الصَّبَّارُ. هَذِهِ آيَاتٌ أَنْزَلْنَاهَا مِنْ قَبْلُ وَأَرْسَلْنَاهَا إِلَيْكَ لِتَعْرِفَ مَا نَطَقَتْ بِهِ الأَلْسِنَةِ الْكَذِبَةُ إِذْ أَتَى اللهُ بِقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ. قَدْ تَزَعْزَعَ بُنْيَانُ الظُّنُونِ وَانْفَطَرَتْ سَمَاءُ الأَوْهَامِ وَالْقَوْمُ فِي مِرْيَةٍ وَشِقَاقٍ. قَدْ أَنْكَرُوا حُجَّةَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ بَعْدَ إِذْ أَتَى مِنْ أُفُقِ الاقْتِدَارِ بِمَلَكُوتِ الآيَاتِ. تَرَكُوا مَا أُمِرُوا بِهِ وَارْتَكَبُوا مَا مُنِعُوا عَنْهُ فِي الْكِتَابِ. وَضَعُوا إِلَهَهُم أَخَذُوا أَهْوَاءَهُم أَلا إِنَّهُم فِي غَفْلَةٍ وَضَلاَلٍ. يَقْرَؤُنَ الآيَاتِ وَيُنْكِرُونَهَا. يَرَوْنَ الْبَيِّنَاتِ يُعْرِضُونَ عَنْهَا أَلاَ إِنَّهُمْ فِي رَيْبٍ عُجَابٍ. إِنَّا وَصَّيْنَا أَوْلِيَاءَنَا بِتَقْوَى اللهِ الَّذِي كَانَ مَطْلِعَ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاَقِ إِنَّهُ قَائِدُ جُنُودِ الْعَدْلِ فِي مَدِينَةِ الْبَهَاءِ. طُوبَى لِمَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ رَايَتِهِ النَّوْرَاءِ وَتَمَسَّكَ بِهِ إِنَّهُ مِنْ أَصْحَابِ السَّفِينَةِ الْحَمْرَاءِ الَّتِي نُزِّلَ ذِكْرُهَا فِي قَيُّومِ الأَسْمَاءِ. قُلْ يَا حِزْبَ اللهِ زَيِّنُوا هَيَاكِلَكُمْ بِطِرَازِ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ ثُمَّ انْصُرُوا رَبَّكُمْ بِجُنُودِ الأَعْمَالِ وَالأَخْلاَقِ. إِنَّا مَنَعْنَاكُم عَنِ الْفَسَادِ وَالْجِدَالِ فِي كُتُبِي وَصُحُفِي وَزُبُرِي وَأَلْوَاحِي وَمَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ إِلاَّ عُلُوَّكُمْ وَسُمُوَّكُمْ تَشْهَدُ بِذَلِكَ السَّمَاءُ 18 وَأَنْجُمُهَا وَالشَّمْسُ وَإِشْرَاقُهَا وَالأَشْجَارُ وَأَوْرَاقُهَا وَالْبِحَارُ وَأَمْوَاجُهَا وَالأَرْضُ وَكُنُوزُهَا نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُمِدَّ أَوْلِيَاءَهُ وَيُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي لَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ. وَنَسْأَلُهُ أَنْ يُوَفِّقَ مَنْ حَوْلِي عَلَى عَمَلِ مَا أُمُرِوا بِهِ مِنْ قَلَمِي الأَعْلَى. يَا جَلِيلُ عَلَيْكَ بَهَائِي وَعِنَايَتِي إِنَّا أَمَرْنَا العِبَادَ بِالْمَعْرُوفِ وَهُمْ عَمِلُوا مَا نَاحَ بِهِ قَلْبِي وَقَلَمِي. اسْمَعْ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيَّتِي وَمَلَكُوتِ إِرَادَتِي. لَيْسَ حُزْنِي سِجْنِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعَدَائِي بَلْ مِنَ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُم إِلَى نَفْسِي وَيَرْتَكِبُونَ مَا تَصْعَدُ بِهِ زَفَرَاتِي وَتَنْزِلُ عَبَرَاتِي. قَدْ نَصَحْنَاهُمْ بِعِبَارَاتٍ شَتَّى فِي أَلْوَاحٍ شَتَّى. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَهُم وَيُقَرِّبَهُمْ وَيُؤَيِّدَهُم عَلَى مَا تَطْمَئِنُّ بِهِ الْقُلُوبُ وَتَسْتَرِيحُ بِهِ النُّفُوسُ وَيَمْنَعَهُمْ عَمَّا لاَ يَنْبَغِي لأَيَّامِهِ. قُلْ يَا أَوْلِيَائِي فِي بِلاَدِي اسْمَعُوا نُصْحَ مَنْ يَنْصَحُكُم لِوَجْهِ اللهِ إِنَّهُ خَلَقَكُم وَأَظْهَرَ لَكُمْ مَا يَرْفَعُكُم وَيَنْفَعُكُم وَعَلَّمَكُم صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ وَنَبَأَهُ الْعَظِيمَ. يَا جَلِيلُ وَصِّ الْعِبادَ بِتَقْوَى اللهِ تَاللهِ هُوَ الْقَائِدُ الأَوَّلُ فِي عَسَاكِرِ رَبِّكَ وَجُنُودُهُ الأَخْلاَقُ الْمَرْضِيَّةُ وَالأَعْمَالُ الطَّيِّبَةُ وَبِهَا فُتِحَتْ فِي الأَعْصَارِ وَالْقُرُونِ مَدائِنُ الأَفْئِدَةِ وَالْقُلُوبِ وَنُصِبَتْ 19 رَايَاتُ النَّصْرِ وَالظَّفَرِ عَلَى أَعْلَى الأَعْلاَمِ. إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ الأَمَانَةَ وَمَقَامَهَا عِنْدَ اللهِ رَبِّكَ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. إِنَّا قَصَدْنَا يَوْمَاً مِنَ الأَيَّامِ جَزِيرَتَنَا الْخَضْرَاءَ وَلَمَّا وَرَدَنَا رَأَيْنَا أَنْهَارَهَا جَارِيَةً وَأَشْجَارَهَا مُلْتَفَّةً وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَلْعَبُ فِي خِلاَلِ الأَشْجَارِ تَوَجَّهْنَا إِلَى الْيَمِينِ رَأَيْنَا مَا لاَ يَتَحَرَّكُ الْقَلَمُ عَلَى ذِكْرِهِ وَذِكْرِ مَا شَهِدَتْ عَيْنُ مَوْلَى الْوَرَى فِي ذَاكَ الْمَقَامِ الأَلْطَفِ الأَشْرَفِ الْمُبَارَكِ الأَعْلَى. ثُمَّ أَقْبَلْنَا إِلَى الْيَسَارِ شَاهَدْنَا طَلْعَةً مِنْ طَلَعَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى قَائِمَةً عَلَى عَمُودٍ مِنَ النُّورِ وَنَادَت بِأَعْلَى النِّدَاءِ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ انْظُرُوا جَمَالِي وَنُورِي وَظُهُورِي وَإِشْرَاقِي تَاللهِ الْحَقِّ أَنَا الأَمَانَةُ وَظُهُورُهَا وَحُسْنُهَا وَأَجْرٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا وَعَرَفَ شَأْنَهَا وَمَقَامَهَا وَتَشَبَّثَ بِذَيْلِهَا. أَنَا الزِّينَةُ الْكُبْرَى لأَهْلِ الْبَهَاءِ وَطِرَازُ الْعِزِّ لِمَنْ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ وَأَنَا السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَأُفُقُ الاطْمِئْنَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا لَكَ مَا يُقَرِّبُ الْعِبَادَ إِلَى مَالِكِ الإِيجَادِ9. قَدْ تَوَجَّهَ الْقَلَمُ الأَعْلَى مِنْ اللُّغَةِ الْفُصْحَى "الْعَرَبِيَّةِ" إِلَى اللُّغَةِ النَّوْرَاءِ "الْفَارِسِيَّةِ" لِيَعْرِفَ الْجَلِيلُ عِنَايَةَ رَبِّهِ الْجَمِيلِ وَيَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِينَ. يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى قَد ارْتَفَعَ النِّدَاءُ 20 وَالْقُوَّةُ السَّامِعَةُ قَلِيلَةٌ بَلْ مَفْقُودَةٌ وَهَذَا الْمَظْلُومُ يَذْكُرُ أَوْلِيَاءَ الرَّحْمَنِ وَهُوَ فِي فَمِ الثُّعْبَانِ وَوَرَدَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا فَزَعَ وَجَزِعَ مِنْهُ الْمَلأُ الأَعْلَى. وَإِنَّ ظُلْمَ الْعَالَمِ وَضَرَّ الأُمَمِ لَمْ يَمْنَعْ مَالِكَ الْقِدَمِ عَنِ الذِّكْرِ وَلاَ عَمَّا أَرَادَ. وَالَّذَينَ تَوَارَوْا خَلْفَ الْحِجَابِ سِنِينَ وَأَعْوَامَاً لَمَّا شَاهَدُوا أُفُقَ الأَمْرِ مُنِيرَاً وَكَلِمَةَ اللهِ نَافِذَةً سَرُعُوا إِلَى الْفَضَاءِ شَاهِرِينَ سُيُوفَ الْبَغْضَاءِ وَارْتَكَبُوا مَا يَعْجَزُ الْقَلَمُ عَنْ ذِكْرِهِ وَيَقْصُرُ اللِّسَانُ عَنْ بَيَانِهِ. وَيَشْهَدُ الْمُنْصِفُونَ بِأَنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ قَامَ مِنْ أَوَّلِ الأَمْرِ أَمَامَ وُجُوهِ الْمُلوُكِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْعُلَمَاءِ وَالأُمَرَاءِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَحِجَابٍ. وَدَعَا الْكُلَّ بِأَعْلَى النِّدَاءِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَاصِرٌ إِلاَّ قَلَمُهُ وَلاَ مُعِينٌ إِلاَّ نَفْسُهُ. وَأَمَّا الْغَافِلُونَ الَّذِينَ لَمْ يَطَّلِعُوا عَلَى أَصْلِ الأَمْرِ فَإِنَّهُمْ قَامُوا عَلَى الإِعْرَاضِ وَهُمْ النَّاعِقُونَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللهُ فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ وَأَخْبَرَ عِبَادَهُ بِانْتِشَارِهِمْ وَضَوْضَائِهِمْ وَإِغْوَائِهِمْ. طُوبَى لِلَّذِينَ يُشَاهِدُونَ مَنْ فِي الْوُجُودِ مَعْدُومَاً وَمَفْقُودَاً تِلْقَاءَ ذِكْرِ مَالِكِ الْقِدَمِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِعُرْوَةِ اللهِ الْوُثْقَى بِحَيْثُ لاَ تَمْنَعُهُمْ الشُّبُهَاتُ وَلاَ الإِشَارَاتُ وَلاَ تَقِفُ فِي سَبِيلِهِمْ السُّيُوفُ وَالْمَدَافِعُ طُوبَى لِلرَّاسِخِينَ وَطُوبَى لِلثَّابِتِينَ. لَقَدْ ذَكَرَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِاسْتِدْعَاءٍ مِنْ جَنَابِكَ مَرَاتِبَ 21 الْعِصْمَةِ الْكُبْرَى وَمَقَامَاتِهَا. وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَعْلَمَ الْكُلُّ بِيَقِينٍ مُبَينٍ أَنَّ خَاتَمَ الأَنْبِيَاءِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ ولاَ مَثِيلٌ وَلاَ شَرِيكٌ فِي مَقَامِهِ. وَأَنَّ الأَوْلِيَاءَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ خُلِقُوا بِكَلِمَتِهِ وَهُمْ أَعْلَمُ الْعِبَادِ وَأَفْضَلُهُم مِنْ بَعْدِهِ قَائِمُونَ بِمُنْتَهَى رُتْبَةِ الْعُبُودِيَّةِ فَبِحَضْرَتِهِ ثَبَتَ تَقْدِيسُ الذَّاتِ الإِلَهِيَّةِ عَنْ الشَّبِيهِ وَالْمَثِيلِ وَظَهَرَ تَنْزِيهُ كَيْنُونَتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالنَّظِيرِ. هَذَا هُوَ مَقَامُ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَالتَّفْرِيدِ الْمَعْنَوَيِّ وَقَدْ حُرِمَ الْحِزْبُ السَّابِقُ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ وَمُنِعَ عَنْهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ. قَالَ حَضْرَةُ النُّقْطَةِ10 رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ لَوْ لَمْ يَنْطِقُ حَضْرَةُ الْخَاتَمِ بِكَلِمَةِ الْوِلاَيَةِ لَمَا خُلِقَتِ الْوِلاَيَةُ فَالْحِزْبُ السَّابِقُ كَانُوا مُشْرِكِينَ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَحِّدُونَ وَكَانُوا يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ أَفْضَلُ الْعِبَادِ مَعْ أَنَّهُمْ أَجْهَلُهُمْ فَكَانَ مِنْ جَزَاءِ هَؤُلاَءِ الْغَافِلِينَ أَنْ قَدْ أَصْبَحَتْ عَقَائِدُهُمْ وَمَرَاتِبُهُمْ وَمَقَامَاتُهُمْ وَاضِحَةً عِنْدَ كُلِّ ذِي خِبْرَةٍ وَمَعْلُومَةً عِنْدَ كُلِّ ذِي بَصِيرَةٍ فِي يَوْمِ الْجَزَاءِ. فَاسْأَلِ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ عِبَادَ هَذَا الظُّهُورِ مِنْ ظُنُونِ الْحِزْبِ السَّابِقِ وَأَوْهَامِهِمْ وَأَنْ لاَ يَحْرِمَهُمْ مِنْ إِشْرَاقَاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ التَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ. يَا جَلِيلُ إِنَّ مَظْلُومَ الْعَالَمِ يَقُولُ قَدْ سُتِرَ نَيِّرُ الْعَدْلِ وَاحْتَجَبَتْ شَمْسُ الإِنْصَافِ خَلْفَ السَّحَابِ وَقَامَ السَّارِقُ 22 مَقَامَ الْحَارِسِ وَالْحَافِظِ وَجَلَسَ الْخَائِنُ مَكَانَ الأَمِينِ. وَفِي السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ جَلَسَ ظَالِمٌ عَلَى كُرْسِيِّ حُكُومَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ وَكَانَ يَصْدُرُ مِنْهُ فِي كُلِّ حِينٍ ضُرٌّ. لَعَمْرُ اللهِ قَدْ ارْتَكَبَ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَلَكِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى مَا مَنَعَهُ ظُلْمُ الْعَالَمِ وَلَنْ يَمْنَعَهُ. وَلَقَدْ كَتَبْنَا بِمَحْضِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ لأُمَرَاءِ الأَرْضِ وَوُزَرَائِهَا مَا يَضْمَنُ الْحِفْظَ وَالْحِرَاسَةَ وَالأَمْنَ وَالأَمَانَ لِلْعِبَادِ لَعَلَّهُمْ يَظَلُّوا مَحْفُوظِينَ مِنْ شَرِّ الظَّالِمِينَ إِنَّهُ هُوَ الَحَافِظُ النَّاصِرُ الْمُعِينُ. وَيَجِبُ عَلَى رِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ أَنْ يَجْعَلُوا رَائِدَهُمْ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ مَا أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي تَرْبِيَةِ الْعِبَادِ وَتَعْمِيرِ الْبِلاَدِ وَحِفْظِ النُّفُوسِ وَصِيَانَةِ النَّامُوسِ. الإِشْرَاقُ الأَوَّلُ لَمَّا أَشْرَقَتْ شَمْسُ الْحِكْمَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ السِّيَاسَةِ نَطَقَتْ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا: تَجِبُ عَلَى أَهْلِ الثَّرْوَةِ وَأَصْحَابِ الْعِزَّةِ وَالْقُدْرَةِ مُلاَحَظَةُ حُرْمَةِ الدِّينِ بِأَحْسَنِ مَا يُمْكِنْ فِي الإِبْدَاعِ. فَإِنَّ الدِّينَ هُوَ النُّورُ الْمُبِينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِحِفْظِ أَهْلِ 23 الْعَالَمِ وَرَاحَتِهِم إِذْ إِنَّ خَشْيَةَ اللهِ تَأْمُرُ النَّاسَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَاهُم عَنِ الْمُنْكَرِ فَلَوْ احْتَجَبَ سِرَاجُ الدِّينِ لَتَطَرَّقَ الْهَرْجُ وَالْمَرْجُ وَامْتَنَعَ نَيِّرُ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ عَنِ الإِشْرَاقِ وَشَمْسُ الأَمْنِ وَالاطْمِئْنَانِ عَنِ الإِنْوَارِ. شَهِدَ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ عَارِفٍ خَبِيرٍ. الإِشْرَاقُ الثَّانِي إِنَّا أَمَرْنَا الْكُلَّ بِالصُّلْحِ الأَكْبَرِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِحِفْظِ الْبَشَرِ. إِنَّ سَلاَطِينَ الآفَاقِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَّفِقُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى التَّمَسُّكِ بِهَذَا الأَمْرِ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِرَاحَةِ الْعَالَمِ وَحِفْظِ الأُمَمِ. فَهُمْ مَشَارِقُ قُدْرَةِ اللهِ وَمَطَالِعُ اقْتِدَارِهِ نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا هُوَ السَّبَبُ لِرَاحَةِ الْعِبَادِ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ شَرْحٌ لِهَذَا الْبَابِ مِنْ الْقَلَمِ الأَعْلَى. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ. الإِشْرَاقُ الثَّالِثُ إِجْرَاءُ الْحُدُودِ لأَنَّهُ السَّبَبُ الأَوَّلُ لِحَيَاةِ الْعَالَمِ فَإِنَّ سَمَاءَ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ تَسْتَضِيءُ وَتَسْتَنِيرُ بِنَيِّرينِ الْمَشُورَةِ 24 وَالشَّفَقَةِ وَخَيْمَةُ نِظَامِ الْعَالَمِ تَقُومُ وَتَرْتَفِعُ عَلَى عِمَادَيْنِ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. الإِشْرَاقُ الرَّابِعُ إِنَّ الْجُنُودَ الْمَنْصُورَةَ فِي هَذَا الظُّهُورِ هِيَ الأَعْمَالُ وَالأَخْلاَقُ الْمَرْضِيَّةُ. وَإِنَّ قَائِدَ هَذِهِ الْجُنُودِ تَقْوَى اللهِ وَهِيَ الْمَالِكَةُ لِلْكُلِّ وَالْحَاكِمَةُ عَلَى الْكُلِّ. الإِشْرَاقُ الْخَامِسُ فِي مَعْرِفَةِ الْحُكُومَاتِ أَحْوَالَ مِأْمُورِيهَا وَإِعْطَائِهِمِ الْمَنَاصِبَ بِالْجَدَارَةِ وَالاسْتِحْقَاقِ. تَجِبُ عَلَى كُلِّ رَئِيسٍ وَسُلْطَانٍ مُرَاعَاةُ هَذَا الأَمْرِ حَتَّى لاَ يَغْتَصِبَ الْخَائِنُ مَقَامَ الأَمِينِ وَلاَ النَّاهِبُ مَكَانَ الْحَارِسِ فَبَعْضُ مَأْمُورِي الْحُكوُمَةِ الَّذِينَ أَتَوْا إِلَى السِّجْنِ الأَعْظَمِ11 مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ كَانُوا وَللهِ الْحَمْدُ مُزَيَّنِينَ بِطِرَازِ الْعَدْلِ وَبَعْضُهُم نَعُوذُ بِاللهِ. نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يَهْدِيَ الْكُلَّ عَسَى أَنْ لاَ يُحْرَمُوا مِنْ أَثْمَارِ سِدْرَةِ الأَمَانَةِ وَالدِّيَانَةِ وَلاَ يُمْنَعُوا مِنْ أَنْوَارِ شَمْسِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ. 25 الإِشْرَاقُ السَّادِسُ هُوَ اتِّحَادُ الْعِبَادِ وَاتِّفَاقُهُم. وَلاَ تَزَالُ بِالاتِّفَاقِ تَتَنَوَّرُ آفَاقُ الْعَالَمِ بِنُورِ الأَمْرِ. وَالسَّبَبُ الأَعْظَمُ لِذَلِكَ مَعْرِفَةُ بَعْضِهِمْ لُغَةَ بَعْضٍ وَخَطَّهُ. إِنَّا أَمَرْنَا أُمَنَاءَ بَيْتِ الْعَدْلِ مِنْ قَبْلُ فِي الأَلْوَاحِ أَنْ يَخْتَارُوا لِسَانَاً مِنَ الأَلْسُنِ الْمَوْجُودَةِ أَوْ يَبْتَدِعُوا لِسَانَاً وَيَخْتَارُوا أَيْضَاً خَطَّاً مِنَ الْخُطُوطِ وَيُعَلِّمُوا الأَطْفَالَ بِهِ فِي مَدَارِسِ الْعَالَمِ حَتَّى يُشَاهَدَ الْعَالَمُ وَطَنَاً وَاحِدَاً وَإِقْلِيمَاً واحداً. إِنَّ أَبْهَى ثَمَرَةٍ لِشَجَرَةِ الْعِرْفَانِ هِيَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا: كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ. لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا هُوَ سَبَبُ عِمَارِ الْعَالَمِ وَاتِّحَادِ الأُمَمِ طُوبَى لِلْفَائِزِينَ وَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ. الإِشْرَاقُ السَّابِعُ إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى يُوصِي الْكُلَّ بِتَعْلِيمِ الأَطْفَالِ وَتَرْبِيَتِهِم وَلَقَدْ نُزِّلَتْ هَذِهِ الآيَاتُ فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنْ سَمَاءِ الْمَشِيئَةِ الإِلَهِيَّةِ 26 فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ بُعَيْدَ الْوُرُودِ فِي السِّجْنِ: كُتِبَ عَلَى كُلِّ أَبٍ تَرْبَيِةُ ابْنِهِ وِبِنْتِهِ بِالْعِلْمِ وَالْخَطِّ وَدُونِهِمَا عَمَّا حُدِّدَ فِي اللَّوْحِ وَالَّذِي تَرَكَ مَا أُمِرَ بِهِ فَلِلأُمَنَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْهُ مَا يَكُونُ لازِمَاً لِتَرْبِيَتِهِمَا إِنْ كَانَ غَنِيَّاً وَإِلاَّ يَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ مَأْوَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينَ. إِنَّ الَّذِي رَبَّى ابْنَهُ أَوْ ابْنَاً مِنَ الأَبْنَاءِ كَأَنَّهُ رَبَّى أَحَدَ أَبْنَائِي عَلَيْهِ بَهَائِي وَعِنَايَتِي وَرَحْمَتِي الَّتِي سَبَقَتِ الْعَالَمِينَ. الإِشْرَاقُ الثَّامِنُ قَدْ سُطِرَتْ فِي هَذَا الْحِينِ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَتُعَدُّ مِنَ الْكِتَابِ الأَقْدَسِ. وَهِيَ أَنَّ أُمُورَ الْمِلَّةِ مُعَلَّقَةٌ وَمَنُوطَةٌ بِرِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ. أُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَمَطَالِعُ الأَمْرِ فِي بِلاَدِهِ. يَا حِزْبَ اللهِ إَنَّ مُرَبِّي الْعَالَمِ هُوَ الْعَدْلُ لأَنَّهُ حَائِزٌ لِرُكْنَيِّ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. وَهَذَانِ الرُّكْنَانِ هُمَا الْيَنْبُوعَانِ لِحَيَاةِ أَهْلِ الْعَالَمِ. وَبِمَا أَنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَقْتَضِي أَمْرَاً وَكُلَّ حِينٍ يَسْتَدْعِي حِكْمَةً فَلِذَلِكَ تَرْجِعُ الأُمُورُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ لِيُقَرِّرَ مَا يَرَاهُ مُوافِقَاً لِمُقْتَضَى الْوَقْتِ. وَالَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى خِدْمَةِ الأَمْرِ لِوَجْهِ اللهِ أُولَئِكَ مُلْهَمُونَ بِالإِلْهَامَاتِ الْغَيْبِيَّةِ 27 الإِلَهِيَّةِ. وَقَدْ فُرِضَ عَلَى الْكُلِّ إِطَاعَتُهُمْ وَالأُمُورُ السِّيَاسِيَّةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ. وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَإِلَى مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي الْكِتَابِ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ كُنْتُمْ وَلاَ زِلْتُمْ مَشَارِقَ مَحَبَّةِ اللهِ وَمَطالِعَ عِنَايَتِهِ فَلاَ تُدَنِّسُوا أَلْسِنَتَكُمْ بِسَبِّ أَحَدٍ وَلَعْنِهِ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهَا. أَظْهِرُوا مَا عِنْدَكُم فَإِنْ قُبِلَ فَالْمَقْصُودُ حَاصِلٌ وَإِلاَّ فَالتَّعَرُّضُ بَاطِلٌ. ذَرُوهُ بِنَفْسِهِ مُقْبِلِينَ إِلَى اللهِ الْمُهَيْمِنَ الْقَيُّومِ. وَلاَ تَكُونُوا سَبَبَاً لِحُزْنِ أَحَدٍ فَضْلاً عَنِ الْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ عَسَى أَنْ تَتَرَبُّوا فِي ظِلِّ سِدْرَةِ الْعِنَايَةِ الإِلَهِيَّةِ وَتَعْمَلُوا بِمَا أَرَادَهُ اللهُ كُلُّكُمْ أَوْرَاقُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَرَاتُ بَحْرٍ وَاحِدٍ. الإِشْرَاقُ التَّاسِعُ إِنَّ دِينَ اللهِ وَمَذْهَبَهُ قَدْ نُزِّلَ وَظَهَرَ مِنْ سَمَاءِ مَشِيئَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ لِمَحْضِ اتِّحَادِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الاخْتِلاَفِ وَالنِّفَاقِ. وَلَمْ يَزَلِ الدِّينُ الإِلَهِيُّ وَالشَّرِيعَةُ الرَّبَّانِيَّةُ السَّبَبَ الأَعْظَمَ وَالْوَسِيلَةَ الْكُبْرَى لِظُهُورِ نَيِّرِ الاتِّحَادِ وَإِشْرَاقِهِ. وَنُمُوُّ الْعَالَمِ وَتَرْبِيَةُ الأُمَمِ وَاطْمِئْنَانُ الْعِبَادِ وَرَاحَةُ مَنْ فِي الْبِلاَدِ مَنُوطٌ بِالأُصُولِ وَالأَحْكَامِ الإِلَهِيَّةِ. فَهِيَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ 28 لِهَذِهِ الْعَطِيَّةِ الْكُبْرَى تَهَبُ كَأْسَ الْبَقَاءِ وَتُعْطِي الْحَيَاةَ الْخَالِدَةَ وَتَمْنَحُ النِّعْمَةَ السَّرْمَدِيَّةَ. فَلَيَبْذُلْ رُؤَسَاءُ الأَرْضِ وَعَلَى الْخُصُوصِ أُمَنَاءُ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ الْجَهْدَ الْجَهِيدَ لِصَيَانَةِ هَذَا الْمَقَامِ وَيَعْمَلُوا عَلَى إِعْلائِهِ وَحِفْظِهِ. وَكَذلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَفَقُّدُ أَحْوَالِ الرَّعِيَّةِ وَالاطِّلاَعُ عَلَى أَعْمَالِ كُلِّ حِزْبٍ مِنَ الأَحْزَابِ وَأَحْوَالِهِمْ. نَطْلُبُ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ أَعْنِي الْمُلُوكَ وَالرُّؤَسَاءَ أَنْ يَبْذُلُوا الْهِمَّةَ عَسَى أَنْ يَرْتَفِعَ الْخِلاَفُ مِنْ بَيْنِ الْبَرِيَّةِ وَيَسْتَنِيْرُ الآفَاقُ بِنُورِ الاتِّفَاقِ. يَجِبُ أَنْ يَتَمَسَّكَ الْكُلُّ وَيَعْمَلَ بِمَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. يَشْهَدُ الْحَقُّ وَذَرَّاتُ الْكَائِنَاتِ بِأَنَّنَا ذَكَرْنَا مَا هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَرِفْعَتِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ وَحِفْظِهِمْ وَتَهْذِيبِهِمْ. وَنُزِّلَ ذَلِكَ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ الْعِبَادَ. وَمَا يَطْلُبُهُ هَذَا الْمَظْلُومُ مِنَ الْكُلِّ هُوَ الْعَدْلُ وَالإِنْصَافُ وَأَنْ لاَ يَكْتَفُوا بِالإِصْغَاءِ بَلْ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَفَكَّرُوا فِيمَا ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْمَظْلُومِ. قَسَمَاً بِشَمْسِ الْبَيَانِ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ مَلَكُوتِ الرَّحْمَنِ لَوْ وُجِدَ مُبَيِّنٌ أَوْ نَاطِقٌ مَا جَعَلْتُ نَفْسِي عُرْضَةً لِشَمَاتَةِ الْعِبَادِ وَاسْتِهْزَائِهِمْ وَمُفْتَرَياَتِهِمْ. وَلَمَّا وَرَدْنَا الْعِرَاقَ الْفَيْنَا أَمْرَ اللهِ خَامِداً وَنَفَحَاتِ الْوَحْيِ مَقْطُوعةً وَشَاهَدْنَا الأَكْثَرِينَ جَامِدِينَ بَلْ أَمْوَاتَاً غَيْرَ أَحْيَاءٍ 29 لِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ مَرَّةً أُخْرَى. وَجَرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْمُبَارَكَةُ مِنْ لِسَانِ الْعَظَمَةِ. نَفَخْنَا فِي الصُّورِ مَرَّةً أُخْرَى. وَأَحْيَيْنَا الآفَاقَ مِنْ نَفَحَاتِ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ. وَالآنَ قَدْ خَرَجَتْ نُفُوسٌ مِنْ خَلْفِ كُلِّ حِجَابٍ مُسْرِعَةً بِقَصْدِ أَذَى هَذَا الْمَظْلُومِ فَمَنَعُوا هَذِهِ النِّعْمَةَ الْكُبْرَى وَأَنْكَرُوهَا. فَيَا أَهْلَ الإِنْصَافِ لَوْ يُنْكَرُ هَذَا الأَمْرُ فَأَيُّ أَمْرٍ فِي الأَرْضِ قَابِلٌ للإِثْبَاتِ أَوْ لائِقٌ لِلإِقْرَارِ. وَلَقَد اهْتَمَّ الْمُعْرِضُونَ بِجَمْعِ آيَاتِ هَذَا الظُّهُورِ وَأَخَذُوهَا بِالتَّمَلُّقِ مِمَّنْ وَجَدُوهَا عِنْدَهُ وَكَانُوا يَتَظَاهَرُونَ عِنْدَ أَهْلِ كُلِّ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ أَنَّهُمْ مِنْهُم. قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّهُ أَتَى بِأَمْرٍ لاَ يُنْكِرُهُ ذُو بَصَرٍ وَذُو سَمْعٍ وَذُو عَدْلٍ وَذُو إِنْصَافٍ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلَمُ الْقِدَمِ فِي هَذَا الْحِينَ الْمُبِينَ. يَا جَلِيلُ عَلَيْكَ بَهَائِي إِنَّا نَأْمُرُ أَوْلِيَاءَ الْحَقِّ بِالأَعْمَالِ عَسَى أَنْ يُوفَّقُوا وَيَعْمَلُوا بِمَا نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ الأَمْرِ. وَإِنَّمَا يَنْفَعُ بَيَانُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ هُمْ بِهِ يَعْمَلُونَ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى وَيُوَفِّقَهُمْ عَلَى الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ فِي هَذَا الأَمْرِ الْمُبْرَمِ وَيُعَرِّفَهُمْ آيَاتِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ. وَقَدْ شَرَّعَ حَضْرَةُ الْمُبَشِّرِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ أَحْكَامَاً وَلكِنَّهُ عَلَّقَهَا بِقَبُولِ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ. فَلِذَا أَجْرَى هَذَا الْمَظْلُومُ 30 بَعْضَهَا وَنُزِّلَتْ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ بِعِبَارَاتٍ أُخْرَى وَتَوَقَّفْنَا فِي الْبَعْضِ. الأَمْرُ بِيَدِهِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ. وَنَزَّلَ أَيْضَاً بَعْضَ الأَحْكَامِ بِدْعَاً طُوبَى لِلْفَائِزِينَ وَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ. يَجِبُ عَلَى حِزْبِ اللهِ أَنْ يَبْذُلُوا الْجَهْدَ الْبَلِيغَ لَعَلَّ بِكَوْثَرِ الْبَيَانِ وَنَصَائِحِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ تَخْمُدُ نَارُ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمَكْنُونَةِ فِي صُدُورِ الأَحْزَابِ. وَتَتَزَيَّنُ أَشْجَارُ الْوُجُودِ بِالأَثْمَارِ الْبَدِيعَةِ الْمَنِيعَةِ إِنَّهُ هُوَ النَّاصِحُ الْمُشْفِقُ الْكَرِيمُ. الْبَهَاءُ اللاَّئِحُ الْمُشْرِقُ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْعَطَاءِ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ وَعَلَى كُلِّ ثَابِتٍ مُسْتَقِيمٍ وَكُلِّ رَاسِخٍ عَلِيمٍ. وَأَمَّا مَا سَأَلْتَ عَنِ الْفَوَائِدِ وَالأَرْبَاحِ لِلذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَدْ صَدَرَ الْبَيَانُ الآتِي مِنْ مَلَكُوتِ الرَّحْمَنِ مُنْذُ عِدَّةِ سِنِينَ خَاصَّاً لاسْمِ اللهِ زَيْنِ الْمُقَرَّبِينَ12 عَلَيْهِ بَهَاءُ اللهِ الأَبْهَى قَوْلُهُ تَعَالَى يُرَى أَكْثَرُ النَّاسِ مُحْتَاجَاً إِلَى هَذِهِ الْفِقْرَةِ إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ مُتَدَاوَلٌ بَيْنَ النَّاسِ لَتَتَعَطَّلُ وَتَتَعَوَّقُ الأُمُورُ. وَقَلَّمَا نَجِدُ مَنْ يَتَوَفَّقُ بِمُرَاعَاةِ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ وَأَبْنَاءِ وَطَنِهِ أَوْ إِخْوَانِهِ لِيُقْرِضَهُم قَرْضَاً حَسَنَاً. لِذَا فَضْلاً عَلَى الْعِبَادِ قَرَّرْنَا الرِّبَا كَسَائِرِ الْمُعَامَلاَتِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَيْ رِبْحِ النُّقُودِ. فَمِنْ هَذَا الْحِينِ الَّذِي نُزِّلَ فِيهِ هَذَا الْحُكْمُ الْمُبِينُ مِنْ سَمَاءِ 31 الْمَشِيئَةِ صَارَ رِبْحُ النُّقُودِ حَلاَلاً طَيِّبَاً طَاهِرَاً لِيَشْتَغِلَ أَهْلُ الأَرْضِ بِكَمَالِ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَالْفَرَحِ وَالانْبِسَاطِ بِذِكْرِ مَحْبُوبِ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ يَحْكُمُ كَيْفَ يَشَاءُ وَأَحَلَّ الرِّبَا كَمَا حَرَّمَهُ مِنْ قَبْلُ فِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الأُمْرِ يَفْعَلُ وَيَأْمُرُ وَهُوَ الآمِرُ الْعَلِيمُ. يَا زَيْنَ الْمُقَرَّبِينَ اشْكُرْ رَبَّكَ بِهَذَا الْفَضْلِ الْمُبِينِ. إِنَّ أَكْثَرَ عُلَمَاءِ إِيرَانَ كَانُوا مُشْتَغِلِينَ بِأَكْلِ الرِّبَا بِمَائَةِ أَلْفٍ مِنَ الْحِيَلِ وَالْخُدَعِ وَلَكِنَّهُمْ زَيَّنُوا ظَاهِرَهُ بِطِرَازِ الْحِلِّيَّةِ حَسْبَ ظُنُونِهِمْ. يَلْعَبُونَ بِأَوَامِرِ اللهِ وَأَحْكَامِهِ وَلاَ يَشْعُرُونَ. وَلَكِنْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الأَمْرُ بِالاعْتِدَالِ وَالإِنْصَافِ وَقَدْ تَوَقَّفَ الْقَلَمُ الأَعْلَى فِي تَحْدِيدِهِ حِكْمَةً مِنْ عِنْدِهِ وَوُسْعَةً لِعِبَادِهِ. وَنُوصِي أَوْلِيَاءَ اللهِ بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَمَا يَظْهَرُ بِهِ رَحْمَةُ أَحِبَّائِهِ وَشَفَقَتُهُمْ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ هُوَ النَّاصِحُ المُشْفِقُ الْكَرِيمُ. نَرْجُو اللهَ أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا جَرَى مِنْ لِسَانِ الْحَقِّ فَإِنْ عَمِلُوا بِمَا ذُكِرَ لَيُعْطِيَنَّهُم اللهُ جَلَّ جَلالُهُ ضِعْفَ ذَلِكَ مِنْ سَمَاءِ الْفَضْلِ. إِنَّهُ هُوَ الْفَضَّالُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الْحَمْدُ للهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَلَكِنْ فُوِّضَ إِجْرَاءُ هَذِهِ الأُمُورُ إِلَى رِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ حَتَّى يَعْمَلُوا بِمُقْتَضَيَاتِ الْوَقْتِ وَالْحِكْمَةِ وَنُوصِي الْكُلَّ مَرَّةً 32 أُخْرَى بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَالْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. إِنَّهُمْ أَهْلُ الْبَهَاءِ وَأَصْحابُ السَّفِينَةِ الْحَمْرَاءِ عَلَيْهِمْ سَلاَمُ اللهِ مَوْلَى الأَسْمَاءِ وَفَاطِرِ السَّمَاءِ. ____________________________ (1) يعني اتَّصلت النّقطة بحرف الباء. (2) المثاني هي سورة الفاتحة التي تتصدّر بجملة «بسم الله الرحمن الرحيم»، فهذه السّورة نزلت في القرآن الكريم مرّتين، مرّة في مكّة وأخرى في المدينة. (3) إنّ هذا اللّوح المبارك نزّل مخاطباً إلى شخص يدعى «جليل خوئي» وكان من البهائيّين الأقدمين في آذربيجان، إنّه نقض العهد بعد صعود بهاءالله. (4) قاموا بعده أي قاموا بعد محمّد r. (5) يقصد بذلك ميرزا يحيى. (6) القرآن الكريم سورة المطفّفين الآية 6. (7) القرآن الكريم سورة إبراهيم الآية 5. (8) يقصد بذلك مدينة أدرنة. (9) إن البيانات الواردة أعلاه كلّها عربيّ النّصّ وليست معرّبة. (10) المقصود من النّقطة حضرة الباب. (11) السّجن الأعظم يعني مدينة عكا. (12) زين المقرّبين هو أحد البهائيّين الأقدمين المشهورين لدى الأحباء بسبب استنساخه العديد من الآثار والألواح المباركة (راجع كتاب تذكرة الوفاء). 33 صفحة خاليةالْبِشَارَاتُ 35صفحة خالية هَذَا نِدَاءُ الأَبْهَى الَّذِي ارْتَفَعَ مِنَ الأُفُقِ الأَعْلَى فِي سِجْنِ عَكَّا هُوَ الْمُبَيِّنُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ شَهِدَ الْحَقُّ وَمَظَاهِرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ ارْتِفَاعِ النِّدَاءِ وَالْكَلِمَةِ الْعُلْيَا أَنْ تَطَّهَّرَ آذَانُ الإِمْكَانِ بِكَوْثَرِ الْبَيَانِ عَنِ الْقِصَصِ الْكَاذِبَةِ وَتَسْتَعِدَّ لإِصْغَاءِ الْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ الْعُلْيَا الَّتِي ظَهَرَتْ مِنْ خِزَانَةِ عِلْمِ فَاطِرِ السَّمَاءِ وَخَالِقِ الأَسْمَاءِ طُوبَى لِلْمُنْصِفِينَ. يَا أَهْلَ الأَرْضِ: الْبِشَارَةُ الأُولَى الَّتِي مُنِحَتْ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ لِجَمِيعِ أَهْلِ الْعَالَمِ مَحْوُ حُكْمِ الْجِهَادِ مِنَ الْكِتَابِ. تَعَالَى الْكَرِيمُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الَّذِي بِهِ فُتِحَ بَابُ الْفَضْلِ عَلَى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. 37 الْبِشَارَةُ الثَّانِيَةُ صُدُورُ الإِذْنِ لأَحْزَابِ الْعَالَمِ بِأَنْ يَتَعَاشَرُوا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. عَاشِرُوا يَا قَوْمِ مَعَ الأَدْيَانِ كُلِّهَا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. كَذَلِكَ أَشْرَقَ نَيِّرُ الإِذْنِ وَالإِرَادَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. البِشَارَةُ الثَّالِثَةُ تَعْلِيمُ الأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَةِ وَقَدْ صَدَرَ هَذَا الْحُكْمُ مِنْ قَبْلُ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. فَلْيَتَشَاوَرْ حَضَرَاتُ الْمُلُوكِ أَيَّدَهُمُ اللهُ أَوْ وُزَرَاءُ الْعَالَمِ وَيَخْتَارُوا لُغَةً مِنَ اللُّغَاتِ الْمُتَدَاوَلَةِ أَوْ يُقَرِّرُوا لُغَةً جَدِيدَةً وَيُعَلِّمُوا بِهَا الأَطْفَالَ فِي مَدَارِسِ الْعَالَمِ وَكَذَلِكَ الْخَطَّ. فَحِينَئِذٍ تُشَاهَدُ الأَرْضُ قِطْعَةً وَاحِدَةً. طُوبَى لِمَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ وَعَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدَى اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. الْبِشَارَةُ الرَّابِعَةُ إِذَا قَامَ أَيُّ مَلِكٍ مِنَ الْمُلُوكِ وَفَّقَهُم اللهُ عَلَى حِفْظِ هَذَا الْحِزْبِ الْمَظْلُومِ وَإِعَانَتِهِ يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَتَسَابَقُوا فِي 38 مَحَبَّتِهِ وَخِدْمَتِهِ. وَهَذَا فَرْضٌ عَلَى الْكُلِّ. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ. البِشَارَةُ الْخَامِسَةُ إِنَّ هَذَا الْحِزْبَ إِذَا أَقَامَ فِي بِلادِ أَيِّ دَوْلَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْلُكَ مَعَ تِلْكَ الدَّوْلَةِ بِالأَمَانَةِ وَالصِّدْقِ وَالصَّفَاءِ. هَذَا مَا نُزِّلَ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْعَالَمِ طُرَّاً إِعَانَةُ هَذَا الأَمْرِ الأَعْظَمِ الَّذِي نُزِّلَ مِنْ سَمَاءِ إِرَادَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ. عَسَى أَنْ تَخْمُدَ نَارُ الْبَغْضَاءِ الْمُشْتَعِلَةُ فِي صُدُورِ بَعْضِ الأَحْزَابِ بِمَاءِ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَالنَّصَائِحِ وَالْمَوَاعِظِ الرَّبَّانِيَّةِ وَتَسْتَضِيءَ الآفَاقُ بِنُورِ الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ. نَرْجُو مِنْ عِنَايَةِ مَظَاهِرِ قُدْرَةِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يَتَبَدَّلَ سِلاَحُ الْعَالَمِ بِالصَّلاَحِ وَأَنْ يَرْتَفِعَ الْفَسَادُ وَالْجِدَالُ مِنْ بَيْنِ الْعِبَادِ. الْبِشَارَةُ السَّادِسَةُ الصُّلْحُ الأَكْبَرُ الَّذِي نُزِّلَ شَرْحُهُ سَابِقَاً مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. نَعِيمَاً لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. 39الْبِشَارَةُ السَّابِعَةُ فُوِّضَ زِمَامُ الأَلْبِسَةِ وَتَرْتِيبُ اللِّحَى وَإِصْلاَحُهَا إِلَى اخْتِيَارِ الْعِبَادِ. وَلَكِن إِيَّاكُمْ يَا قَوْمِ أَنْ تَجْعَلُوا أَنْفُسَكُمْ مَلْعَبَ الْجَاهِلِينَ. الْبِشَارَةُ الثَّامِنَةُ إِنَّهُ وَلَوْ كَانَتْ أَعْمَالُ حَضَرَاتِ الرُّهْبَانِ وَالْقِسِّيسِينَ مِنْ مِلَّةِ حَضْرَةِ الرُّوحِ عَلَيْهِ سَلاَمُ اللهِ وَبَهَاؤُهُ مَقْبُولَةً عِنْدَ اللهِ إِلاَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْيَوْمَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ الإِنْزِوَاءِ إِلَى سِعَةِ الْفَضَاءِ وَيَشْتَغِلُوا بِمَا يَنْفَعُهُم وَيَنْتَفِعُ بِهِ الْعِبَادُ وَأَذِنَّا الْكُلَّ بِالتَّزَوُّجِ. لِيَظْهَرَ مِنْهُمْ مَنْ يَذْكُرُ اللهَ رَبَّ مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى وَرَبَّ الْكُرْسِيِّ الرَّفِيعِ. الْبِشَارَةُ التَّاسِعَةُ يَجِبُ عَلَى العَاصِي أَنْ يَطْلُبَ الْعَفْوَ وَالْمَغْفِرَةَ حِينَمَا يَجِدُ نَفْسَهُ مُنْقَطِعَاً عَمَّا سِوَى اللهِ. وَلاَ يَجُوزُ الاعْتِرَافُ بِالْخَطَايَا وَالْمَعَاصِي عِنْدَ الْعِبَادِ لأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَنْ يَكُونَ سَبَبَاً 40 لِلْغُفْرَانِ أَوْ الْعَفْوِ الإِلَهِيِّ بَلْ الاعْتِرَافُ لَدَى الْخَلْقِ سَبَبٌ لِلذِّلَّةِ وَالْهَوَانِ. وَلاَ يُحِبُّ الْحَقُّ جَلَّ جَلاَلُهُ ذِلَّةَ عِبَادِهِ. إِنَّهُ هُوَ الْمُشْفِقُ الْكَرِيمُ. يَنْبَغِي لِلْعَاصِي أَنْ يَطْلُبَ الرَّحْمَةَ مِنْ بَحْرِ الرَّحْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ وَيَسْأَلَ الْمَغْفِرَةَ مِنْ سَمَاءِ الْكَرَمِ وَيَقُولَ: إِلَهِي إِلَهِي أَسْأَلُكَ بِدِمَاءِ عَاشِقِيكَ الَّذِينَ اجْتَذَبَهُم بَيَانُكَ الأَحْلَى بِحَيْثُ قَصَدُوا الذُّرْوَةَ الْعُلْيَا مَقَرَّ الشَّهَادَةِ الْكُبْرَى وَبِالأَسْرَارِ الْمَكْنُونَةِ فِي عِلْمِكَ وَبِاللَّئَالِئِ الْمَخْزُونَةِ فِي بَحْرِ عَطَائِكَ أَنْ تَغْفِرَ لِي وَلأَبِي وَأُمِّي. وَإِنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَفُورُ الْكَرِيمُ. أَيْ رَبِّ تَرَى جَوْهَرَ الْخَطَاءِ أَقْبَلَ إِلَى بَحْرِ عَطَائِكَ وَالضَّعِيفَ مَلَكُوتِ اقْتِدَارِكَ وَالْفَقِيرَ شَمْسِ غَنَائِكَ. أَيْ رَبِّ لاَ تُخَيِّبْهُ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَلاَ تَمْنَعْهُ عَنْ فُيُوضَاتِ أَيَّامِكَ. وَلاَ تَطْرُدْهُ عَنْ بَابِكَ الَّذِي فَتَحْتَهُ عَلَى مَنْ فِي أَرْضِكَ وَسَمَائِكَ. آهٍ آهٍ خَطِيئَاتِي مَنَعَتْنِي عَنِ التَّقَرُّبِ إِلَى بِسَاطِ قُدْسِكَ وَجَرِيرَاتِي أَبْعَدَتْنِي عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى خِبَاءِ مَجْدِكَ. قَدْ عَمِلْتُ مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ وَتَرَكْتُ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ. أَسْأَلُكَ بِسُلْطَانِ الأَسْمَاءِ أَنْ تَكْتُبَ لِي مِنْ قَلَمِ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ مَا يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ وَيُطَهِّرُنِي عَنْ جَرِيرَاتِي الَّتِي حَالَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْفَيَّاضُ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْفَضَّالُ. 41 الْبِشَارَةُ الْعَاشِرَةُ قَدْ رَفَعْنَا حُكْمَ مَحْوِ الْكُتُبِ مِنَ الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ فَضْلاً مِنْ لَدَى اللهِ مُبْعِثِ هَذَا النَّبَأِ الْعَظِيمِ. الْبِشَارَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ تَحْصِيلُ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ مِنْ كُلِّ الأَنْوَاعِ جَائِزٌ وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْعُلُومُ النَّافِعَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلَّةُ وَالسَّبَبُ فِي رُقِيِّ الْعِبَادِ. كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ حَكِيمٍ. الْبِشَارَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَدْ وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمُ الاشْتِغَالُ بِأَمْرٍ مِنَ الأُمُورِ مِنَ الصَّنَائِعِ وَالاقْتِرَافِ وَأَمْثَالِهَا. وَجَعَلْنَا اشْتِغَالَكُمْ بِهَا نَفْسَ الْعِبَادَةِ للهِ الْحَقِّ. تَفَكَّرُوا يَا قَوْمِ فِي رَحْمَةِ اللهِ وَأَلْطَافِهِ ثُمَّ اشْكُرُوهُ فِي الْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ. لاَ تُضَيِّعُوا أَوْقَاتَكُمْ بِالْبِطَالَةِ وَالْكَسَالَةِ وَاشْتَغِلُوا بِمَا تَنْتَفِعُ بِهِ أَنْفُسُكُمْ وَأَنْفُسُ غَيْرِكُمْ كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ فِي هَذَا اللَّوْحِ الَّذِي لاَحَتْ مِنْ أُفُقِهِ شَمْسُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. أَبْغَضُ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْ يَقْعُدُ وَيَطْلُبُ 42 تَمَسَّكُوا بِحَبْلِ الأَسْبَابِ مُتَوَكِّلِينَ عَلَى اللهِ مُسَبِّبِ الأَسْبَابِ. فَكُلُّ مَنْ يَشْتَغِلُ بِصَنْعَةِ أَوِ احْتِرَافٍ وَيَعْمَلُ بِهَا يُعَدُّ عَمَلُهُ عِنْدَ اللهِ نَفْسَ الْعِبَادَةِ. إِنْ هَذَا إِلاَّ مِنْ فَضْلِهِ الْعَظِيمِ الْعَمِيمِ. الْبِشَارَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ إِنَّ أُمُورَ الْمِلَّةِ مَنُوطَةٌ بِرِجَالِ بَيْتِ الْعَدْلِ الإِلَهِيِّ أُولَئِكَ أُمَنَاءُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَمَطَالِعُ الأَمْرِ فِي بِلاَدِهِ. يَا حِزْبَ اللهِ إِنَّ مُرَبِّي الْعَالَمِ هُوَ الْعَدْلُ لأَنَّهُ حَائِزٌ لِلرُّكْنَيْنِ الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. وَهَذَانِ الرُّكْنَانِ هُمَا الْيَنْبُوعَانِ لِحَيَاةِ أَهْلِ الْعَالَمِ. وَحَيْثُ إِنَّ كُلَّ يَوْمٍ يَقْتَضِي أَمْرَاً وَكُلَّ حِينٍ يَسْتَدْعِي حُكْمَاً فَلِذَلِكَ تَرْجِعُ الأُمُورُ إِلَى وُزَرَاءِ بَيْتِ الْعَدْلِ لِيُقَرِّرُوا مَا يَرَوْنَهُ مُوافِقَاً لِمُقْتَضَى الْوَقْتِ. وَالَّذِينَ يَقُومُونَ عَلَى خِدْمَةِ الأَمْرِ لِوَجْهِ اللهِ أُولَئِكَ مُلْهَمُونَ بِالإِلْهَامَاتِ الْغَيْبِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ وَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ إِطَاعَتُهُمْ. وَالأُمُورُ السِّيَاسِيَّةُ كُلُّهَا تَرْجِعُ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ. وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَتَرْجِعُ إِلَى مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي الْكِتَابِ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ كُنْتُمْ وَلاَ زِلْتُمْ مَشَارِقَ مَحَبَّةِ اللهِ وَمَطَالِعَ عِنَايَتِهِ. فَلاَ تُدَنِّسُوا اللِّسَانَ بِسَبِّ أَحَدٍ وَلَعْنِهِ. غُضُّوا 43 أَبْصَارَكُمْ عَمَّا لاَ يَلِيقُ بِهَا أَظْهِرُوا لِلنَّاسِ مَا عِنْدَكُمْ فَإِنْ قُبِلَ فَبِهَا وَإِلاَّ فَالتَّعَرُّضُ غَيْرُ جَائِزٍ. ذَرُوهُ بِنَفْسِهِ مُقْبِلِينَ إِلَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. وَلاَ تَكُونُوا سَبَبَاً لِحُزْنِ أَحَدٍ فَضْلاً عَنِ الْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ. عَسَى أَنْ تَتَرَبُّوا فِي ظِلِّ سِدْرَةِ الْعِنَايَةِ الإِلَهِيَّةِ وَتَعْمَلُوا بِمَا أَرَادَهُ اللهُ. كُلُّكُمْ أَوْرَاقُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَطَرَاتُ بَحْرٍ وَاحِدٍ. الْبِشَارَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ لاَ تَشُدُّوا الرِّحَالَ خَاصَّةً لِزَيارَةِ أَهْلِ الْقُبُورِ فَإِنْ دَفَعَ أُولُوا السَّعَةِ وَالْقُدْرَةِ مَصَارِيفَ ذَلِكَ إِلَى بَيْتِ الْعَدْلِ فَهُوَ مَقْبُولٌ وَمَحْبُوبٌ عِنْدَ اللهِ نَعِيمَاً لِلْعَامِلِينَ. الْبِشَارَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ إِنَّ الْجُمْهُورِيَّةَ وَإِنْ كَانَ نَفْعُهَا رَاجِعَاً إِلَى عُمُومِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَلَكِنَّ شَوْكَةَ السَّلْطَنَةِ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللهِ لاَ نُحِبُّ أَنْ يُحْرَمَ مِنْهَا مُدُنُ الْعَالَمِ فَإِنْ جَمَعَ أَهْلُ التَّدْبِيرِ بَيْنَ الاثْنَيْنِ فَأَجْرُهُمْ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ. وَلَمَّا كَانَ مِنَ الْمُحَقَّقِ الثَّابِتِ فِي الْمَذَاهِبِ السَّابِقَةِ 44 حُكْمُ الْجِهَادِ وَمَحْوُ الْكُتُبِ وَالنَّهْيُ عَنِ مُعَاشَرَةِ الْمِلَلِ وَمُصَاحَبَتِهِمْ وَالنَّهْيُ عَنْ قِرَاءَةِ بَعْضِ الْكُتُبِ نَظَرَاً لِمُقْتَضَيَاتِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِذَا أَحَاطَتْ مَوَاهِبُ اللهِ وَأَلْطَافُهُ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَالنَّبَأِ الْعَظِيمِ وَنُزِّلَ الأَمْرُ الْمُبْرَمُ مِنْ أُفُقِ إِرَادَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ بِنَسْخِ مَا سَبَقَ ذِكْرُهُ مِنْ هَذِهِ الأَحْكَامِ. نَحْمَدُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَلَى مَا أَنْزَلَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ. فَلَوْ كَانَ لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ جَمِيعِ الْبَشَرِ مَائَةُ أَلْفِ لِسَانٍ وَيَنْطِقُ بِالشُّكْرِ وَالْحَمْدِ إِلَى الْيَوْمِ الَّذِي لاَ آخِرَ لَهُ لاَ يُعَادِلُ جَمِيعُ ذَلِكَ بِحَقِّ عِنَايَةٍ مِنَ الْعِنَايَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ عَارِفٍ بَصِيرٍ وَكُلُّ عَالِمٍ خَبِيرٍ. أَسْأَلُ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يُؤَيِّدَ حَضَرَاتِ الْمُلُوكِ وَالسَّلاَطِينِ الَّذِينَ هُمْ مَظَاهِرُ الْقُدْرَةِ وَمَطَالِعُ الْعِزَّةِ عَلَى إِجْرَاءِ أَوَامِرِهِ وَأَحْكَامِهِ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ. 45 صفحة خاليةالطِّرَازَاتُ 47 صفحة خالية بِسْمِيَ المُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْمَاءِ حَمْدَاً وَثَنَاءً يَلِيقُ وَيَنْبَغِي لِمَالِكِ الأَسْمَاءِ وَفَاطِرِ السَّمَاءِ الَّذِي ظَهَرَ وَتَمَوَّجَ بَحْرُ ظُهُورِهِ أَمَامَ الْعَالَمِ وَلَمْ تَحْتَجِبْ شَمْسُ أَمْرِهِ وَلَمْ يَتَطَرَّقِ الْمَحْوُ إِلَى ثُبُوتِ كَلِمَتِهِ وَلَمْ تَمْنَعْهُ عَمَّا أَرَادَ مُقَاوَمَةُ الْجَبَابِرَةِ وَلاَ ظُلْمُ الْفَرَاعِنَةِ جَلَّ سُلْطَانُهُ وَعَظُمَ اقْتِدَارُهُ. سُبْحَانَ اللهِ لاَ يَزَالُ الْعِبَادُ مُشَاهَدِينَ فِي جَهْلٍ وَغَفْلَةٍ بَلْ مُعْرِضِينَ. مَعَ أَنَّ الآيَاتِ قَدْ أَحَاطَتِ الآفَاقَ وَظَهَرَتِ الْحُجَّةُ وَلاَحَ الْبُرْهَانُ كَالنُّورِ السَّاطِعِ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ. وَيَا لَيْتَهُمُ اكْتَفَوْا بِالإِعْرَاضِ بَلْ إِنَّهُمْ تَشَاوَرُوا فِي كُلِّ حِينٍ وَلاَ يَزَالُونَ يَتَشَاوَرُونَ عَلَى قَطْعِ السِّدْرَةِ الْمُبَارَكَةِ. وَمِنِ ابْتِدَاءِ الأَمْرِ بَذَلَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا النَّفْسَ وَالْهَوَى جُهْدَهُمْ عَلَى إِطْفَاءِ النُّورِ الإِلَهِيِّ بِالظُّلْمِ وَالاعْتِسَافِ. وَلَكِنَّ اللهَ مَنَعَهُمْ وَأَظْهَرَ النُّورَ بِسُلْطَانِهِ وَحَفِظَهُ بِقُدْرَتِهِ إِلَى أَنْ أَشْرَقَتِ الأَرْضُ وَالسَّمَاءُ بِضِيَائِهِ وَإِشْرَاقِهِ. لَهُ الْحَمْدُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ. 49 سُبْحَانَكَ يَا إِلَهَ الْعَالَمِ وَمَقْصُودَ الأُمَمِ وَالظَّاهِرُ بِالإِسْمِ الأَعْظَمِ الَّذِي بِهِ أَظْهَرْتَ لَئَالِئَ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ مِنْ أَصْدَافِ عُمَّانِ عِلْمِكَ وَزَيَّنْتَ سَمَوَاتِ الأَدْيَانِ بِأَنْوَارِ ظُهُورِ شَمْسِ طَلْعَتِكَ. أَسْأَلُكَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي بِهَا تَمَّتْ حُجَّتُكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَبُرْهَانُكَ بَيْنَ عِبَادِكَ أَنْ تُؤَيِّدَ حِزْبَكَ عَلَى مَا يَسْتَضِيءُ بِهِ وَجْهُ الأَمْرِ فِي مَمْلَكَتِكَ وَتُنْصَبُ رَايَاتُ قُدْرَتِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ وَأَعْلاَمُ هِدَايَتِكَ فِي دِيَارِكَ. أَيْ رَبِّ تَرَاهُمْ مُتَمَسِّكِينَ بِحَبْلِ فَضْلِكَ وَمُتَشَبِّثِينَ بِأَذْيَالِ رِدَاءِ كَرَمِكَ قَدِّرْ لَهُمْ مَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْكَ وَيَمْنَعُهُمْ عَنْ دُونِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَالِكَ الْوُجُودِ وَالْمُهَيْمِنُ عَلَى الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ أَنْ تَجْعَلَ مَنْ قَامَ عَلَى خِدْمَةِ أَمْرِكَ بَحْرَاً مَوَّاجَاً بِإرَادَتِكَ وَمُشْتَعِلاً بِنَارِ سِدْرَتِكَ وَمُشْرِقَاً مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ مَشِيَّتِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الَّذِي لاَ يُعْجِزُكَ اقْتِدَارُ الْعَالَمِ وَلاَ قُوَّةُ الأُمَمِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْفَرْدُ الْوَاحِدُ الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ. يَا أَيُّهَا الشَّارِبُ رَحِيقَ بَيَانِي مِنْ كَأْسِ عِرْفَانِي قَدْ اسْتُمِعَ الْيَوْمَ مِنْ حَفِيفِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى الَّتِي غُرِسَتْ مِنْ يَدِ قُدْرَةِ مَالِكِ الأَسْمَاءِ فِي الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْعَالِيَاتُ: 50 الطِّرَازُ الأَوَّلُ وَالتَّجَلِّي الأوَّلُ الَّذِي أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ أُمِّ الْكِتَابِ فِي مَعْرِفَةِ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ وَمَا هُوَ سَبَبٌ لِعُلُوِّهِ وَدُنُوِّهِ وَذِلَّتِهِ وَعِزَّتِهِ وَثَرْوَتِهِ وَفَقْرِهِ فَعَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَتَحَقُّقِ رُشْدِهِ أَنْ يَسْعَى لِلْحُصُولِ عَلَى الثَّرْوَةِ. وَهَذِهِ الثَّرْوَةُ إِنْ حَصَلَتْ مِنْ طَرِيقِ الصَّنْعَةِ وَالاقْتِرَافِ فَهِيَ مَمْدُوحَةٌ وَمَقْبُولَةٌ عِنْدَ أُولِى النُّهَى. وَبِالأَخَصِّ الَّذِين قَامُوا عَلَى تَرْبِيَةِ الْعَالَمِ وَتَهْذِيبِ نُفُوسِ الأُمَمِ. فَهُمْ سُقَاةُ كَوْثَرِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالْهَادُونَ إِلَى سَبِيلِ الْحَقِيقَةِ. وَهُمْ الَّذِينَ يُرْشِدُونَ النَّاسَ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَيُطْلِعُونَهُمْ عَلَى سَبَبِ ارْتِقَائِهِمْ وَارْتِفَاعِهِمْ. لأَنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الَّذِي يَجْذِبُ الإِنْسَانَ إِلَى مَشْرِقِ الْحِكْمَةِ وَمَطْلِعِ الْعِرْفَانِ وَيُوصِلُهُ إِلَى مَا يَكُونُ سَبَبَاً لِعِزَّتِهِ وَشَرَفِهِ وَعَظَمَتِهِ. وَلَنَا الرَّجَاءُ مِنْ عِنَايَةِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ أَنْ تُشْفَى الأَبْصَارُ مِنْ رَمَدِهَا وَيَزِيدَ فِي نُورِهَا حَتَّى تَطَّلِعَ وَتُبْصِرَ الْغَايَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ وُجُودِهَا. لأَنَّ الْيَوْمَ كُلُّ مَا يُقَلِّلُ مِنَ الْعَمَى وَيَزِيدُ فِي الْبَصِيرَةِ هُوَ اللاَّيِقُ بِالالْتِفَاتِ إِذْ نُورُ الْبَصِيرَةِ هُوَ السَّفِيرُ وَالْهَادِي لِلْعِلْمِ وَالْمُرْشِدُ لِلْعِرْفَانِ وَوَعْيُ الْعَقْلِ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحِكْمَةِ إِنّمَا هُوَ مِنَ الْعَيْنِ الْبَصِيرَةِ. يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ فِي جَمِيعِ 51 الأَحْوَالِ أَنْ يَعْمَلُوا بِمَا يَلِيقُ بِمَكَارِمِ الأَخْلاَقِ وَأَنْ يَكُونُوا سَبَبَاً لانْتِبَاهِ النُّفُوسِ. الطِّرَازُ الثَّانِي هُوَ الْمُعَاشَرَةُ مَعَ الأَدْيَانِ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ وَإِظْهَارُ مَا أَتَى بِهِ مُكَلِّمُ الطُّورِ وَالإِنْصَافُ فِي الأُمُورِ. يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الصَّفَاءِ وَالْوَفَاءِ أَنْ يُعَاشِرُوا جَمِيعَ أَهْلِ العَالَمِ بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ لأَنَّ الْمُعَاشَرَةَ لَمْ تَزَلْ وَلاَ تَزَالُ سَبَبَ الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ وَهُمَا سَبَبَا نِظَامِ الْعَالَمِ وَحَيَاةِ الأُمَمِ. طُوبَى لِلَّذِينَ تَمَسَّكُوا بِحَبْلِ الشَّفَقَةِ وَالرَّأْفَةِ وَخَلَتْ نُفُوسُهُمْ وَتَحَرَّرَتْ مِنَ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ. وَإِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لَيُوصِي أَهْلَ الْعَالَمِ بِالتَّسَامُحِ وَالْعَمَلِ الطَّيِّبِ وَهَذَانِ هُمَا السِّرَاجَانِ لِظُلْمَةِ الْعَالَمِ وَالْمُعَلِّمَانِ لِتَهْذِيبِ الأُمَمِ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ. الطِّرَازُ الثَّالِثُ فِي الْخُلُقِ إِنَّهُ أَحْسَنُ طِرَازٍ لِلْخَلْقِ مِنْ لَدَى الْحَقِّ زَيَّنَ 52 اللهُ بِهِ هَيَاكِلَ أَوْلِيَائِهِ لَعَمْرِي نُورُه يَفُوقُ نُورَ الشَّمْسِ وَإِشْرَاقَهَا. مَنْ فَازَ بِهِ فَهُوَ مِنْ صُفْوَةِ الْخَلْقِ. وَعِزَّةُ الْعَالَمِ وَرِفْعَتُهُ مَنُوطَةٌ بِهِ. فَالْخُلُقُ سَبَبٌ لِهِدَايَةِ الْخَلْقِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالنَّبَأِ الْعَظِيمِ. طُوبَى لِنَفْسٍ تَزَيَّنَتْ بِصِفَاتِ الْمَلأِ الأَعْلَى وَبِأَخْلاَقِهِمْ. عَلَيْكُمْ بِمُرَاعَاةِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ. وَقَدْ نُزِّلَتْ فِي الْكَلِمَاتِ الْمَكْنُونَةِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنَ الْقَلَمِ الأَبْهَى. يَا ابْنَ الرُّوحِ أَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِيَ الإِنْصَافُ لاَ تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ رَاغِبَاً وَلاَ تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِينَاً وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذَلِكَ إِنْ تُشَاهِدْ الأَشْيَآءَ بِعَيْنِكَ لاَ بِعَيْنِ الْعِبَادِ وَتَعْرِفْهَا بِمَعْرِفَتِكَ لاَ بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي الْبِلاَدِ فَكِّرْ فِي ذَلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ، ذَلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنَايَتِي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمَامَ عَيْنَيْكَ. وَإِنَّ أَصْحَابَ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ لَفِي الْمَقَامِ الأَعْلَى وَالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا تَلُوحُ وَتُشْرِقُ مِنْهُمْ أَنْوَارُ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. أَرْجُو أَنْ لاَ تُحْرَمَ الْبِلاَدُ وَالْعِبَادُ عَنْ أَنْوَارِ هَذَيْنِ النَّيِّرَيْنِ "الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ". الطِّرَازُ الرَّابِعُ فِي الأَمَانَةِ إِنَّهَا بَابُ الاطْمِئْنَانِ لِمَنْ فِي الإِمْكَانِ وَآيَةُ الْعِزَّةِ 53 مِنْ لَدَى الرَّحْمَنِ مَنْ فَازَ بِهَا فَازَ بِكُنُوزِ الثَّرْوَةِ وَالْغَنَاءِ. إِنَّ الأَمَانَةَ هُيَ الْوَسِيلَةُ الْعُظْمَى لِرَاحَةِ الْخَلْقِ وَاطْمِئْنَانِهِمْ. لَمْ يَزَلْ وَلاَ يَزَالُ قِوَامُ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ الأُمُورِ مَنُوطَاً بِهَا وَبِهَا تَسْتَنِيرُ وَتَسْتَضِيءُ عَوَالِمُ الْعِزَّةِ وَالرِّفْعَةِ وَالثَّرْوَةِ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ قَبْلُ هَذَا الذِّكْرُ الأَحْلَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى: إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ الأَمَانَةَ وَمَقَامَهَا عِنْدَ اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. إِنَّا قَصَدْنَا يَوْمَاً مِنَ الأَيَّامِ جَزِيرَتَنَا الْخَضْرَاءَ فَلَمَّا وَرَدْنَا رَأَيْنَا أَنْهَارَهَا جَارِيَةً وَأَشْجَارَهَا مُلْتَفَّةً وَكَانَتِ الشَّمْسُ تَلْعَبُ فِي خِلاَلِ الأَشْجَارِ. تَوَجَّهْنَا إِلَى الْيَمِينِ رَأَيْنَا مَا لاَ يَتَحَرَّكُ الْقَلَمُ عَلَى ذِكْرِهِ وَذِكْرِ مَا شَاهَدَتْ عَيْنُ مَوْلَى الْوَرَى فِي ذَاكَ الْمَقَامِ الأَلْطَفِ الأَشْرَفِ الْمُبَارَكِ الأَعْلَى. ثُمَّ أَقْبَلْنَا إِلَى الْيَسَارِ شَاهَدْنَا طَلْعْةً مِنْ طَلَعَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى قَائِمَةً عَلَى عَمُودٍ مِنَ النُّورِ وَنَادَتْ بِأَعْلَى النِّدَاءِ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ انْظُرُوا جَمَالِي وَنُورِي وَظُهُورِي وَإِشْرَاقِي. تَاللهِ الْحَقِّ أَنَا الأَمَانَةُ وَظُهُورُهَا وَحُسْنُهَا وَأَجْرٌ لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَا وَعَرَفَ شَأْنَهَا وَمَقَامَهَا وَتَشَبَّثَ بِذَيْلِهَا. أَنَا الزِّينَةُ الْكُبْرَى لأَهْلِ الْبَهَاءِ وَطِرَازُ الْعِزِّ لِمَنْ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ. وَأَنَا السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَأُفُقُ الاطْمِئْنَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. كَذَلِكَ أَنْزَلْنَا لَكَ مَا يُقَرِّبُ الْعِبَادَ إَلَى مَالِكِ الإِيجَادِ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ إِنَّهَا أَحْسَنُ طِرَازٍ لِهَيَاكِلِكُمْ 54 وَأَبْهَى إِكْلِيلٍ لِرُؤُسِكُمْ خُذُوهَا أَمْرَاً مِنْ لَدُنْ آمِرٍ خَبِيرٍ. الطِّرَازُ الْخَامِسُ فِي حِفْظِ وَصِيَانَةِ مَقَامَاتِ عِبَادِ اللهِ. يَجِبُ عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ أَنْ لاَ يَحِيدُوا عَنِ الْحَقِّ فِي كُلِّ الأُمُورِ. وَأَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَلاَ يُنْكِرُوا فَضْلَ أَحَدٍ. وَيَحْتَرِمُوا أَرْبَابَ الْفُنُونِ. وَلاَ يُدَنِّسُوا أَلْسِنَتَهُمْ كَالطَّوَائِفِ السَّابِقَةِ بِبَذِيءِ الْكَلاَمِ. قَدْ ظَهَرَتِ الْيَوْمَ شَمْسُ الصِّنَاعَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْغَرْبِ وَتَفِيضُ أَنْهَارُ الْفُنُونِ مِنْ بُحُورِ تِلْكَ الأَقْطَارِ. يَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِالإِنْصَافِ وَيُقَدِّرُوا النِّعْمَةَ قَدْرَهَا. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ كَلِمَةَ الإِنْصافِ كَشَمْسٍ سَاطِعَةِ الأَنْوارِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَسْتَنِيرَ الْكُلُّ مِنْ أَنْوَارِهَا. إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَبِالإِجَابَةِ جَدِيرٌ. إِنَّا نَرَى الاسْتِقَامَةَ وَالصِّدْقَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ وَاقِعَيْنَ تَحْتَ مَخَالِبِ الْكَذِبِ وَالْعَدْلَ مُعَذَّبَاً بِسِيَاطِ الظُّلْمِ. وَأَحَاطَ الْعَالَمَ دُخَانُ الْفَسَادِ بِحَيْثُ لاَ يُرَى مِنَ الْجِهَاتِ إِلاَّ الصُّفُوفُ وَلاَ يُسْمَعُ مِنَ الأَرْجَاءِ إِلاَّ صَلِيلُ السُّيُوفِ. نَطْلُبُ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُؤَيِّدَ مَظَاهِرَ قُدْرَتِهِ عَلَى مَا هُوَ سَبَبُ إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَرَاحَةِ الأُمَمِ. 55 الطِّرَازُ السَّادِسُ إِنَّ الْعِلْمَ مِنَ النِّعَمِ الْكُبْرَى الإِلَهِيَّةِ وَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ تَحْصِيلُهُ. وَهَذِهِ الصَّنَائِعُ الْمَشْهُودَةُ وَالأَسْبَابُ الْمَوْجُودَةُ كُلُّهَا مِنْ نَتَائِجِ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ الَّتِي نُزِّلَتْ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. إِنَّ الْقلَمَ الأَعْلَى هُوَ الْقَلَمُ الَّذِي ظَهَرَ وَبَرَزَ مِنْ خَزَائِنِهِ لَئَالِئُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ وَصَنَائِعُ الإِمْكَانِ. وَقَدْ انْكَشَفَتِ الْيَوْمَ أَسْرَارُ الأَرْضِ أَمَامَ الأَبْصَارِ وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ الصُّحُفَ السَّيَّارَةَ مِرْآةُ الْعَالَمِ. تُظْهِرُ أَعْمَالَ الأَحْزَابِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَتُرِي أَفْعَالَهُمْ وَتُسْمِعُهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ فَهِيَ مِرْآةٌ ذَاتُ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَلِسَانٍ وَهِيَ ظُهُورٌ عَجِيبٌ وَأَمْرٌ عَظِيمٌ. وَلَكِنْ يَنْبَغِي لِمُحَرِّرِهَا أَنْ يَكُونَ مُقَدَّسَاً عَنْ أَغْرَاضِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَمُزَيَّنَاً بِطِرَازِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَيَتَحَرَّى الأُمُورَ بِقَدْرٍ مَقْدُورٍ حَتَّى يَطَّلِعَ عَلَى حَقَائِقِهَا ثُمَّ يَنْشُرُهَا. وَكَانَ أَكْثَرُ مَا ذَكَرُوهُ فِي حَقِّ هَذَا الْمَظْلُومِ عَارِيَاً عَنِ الصَّوَابِ. وَلِقَوْلِ الصِّدْقِ وَالْكَلِمِ الطَّيِّبِ مَنْزِلَةٌ عُلْيَا كَالشَّمْسِ الْمُشْرِقَةِ مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ الْعِرْفَانِ. وَمَعَ أَنَّ آثَارَ قَلَمِ حِكْمَتِي ظَاهِرَةٌ وَأَمْوَاجَ بَحْرِ بَيَانِي مُتَلاَطِمَةٌ أَمَامَ وُجُوهِ الْعَالَمِينَ فَقَدْ كَتَبُوا فِي صُحُفِ الأَخْبَارِ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ فَرَّ مِنْ أَرْضِ الطَّاءِ1 إِلَى 56 الْعِرَاقِ الْعَرَبِيِّ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لَمْ يَخْتَفِ فِي حِينٍ مِنَ الأَحْيَانِ بَلْ كَانَ دَائِمَاً قَائِمَاً ظَاهِرَاً أَمَامَ جَمِيعِ الْوُجُوهِ. إِنَّا مَا فَرَرْنَا وَلَمْ نَهْرُبْ بَلْ يَهْرُبُ مِنَّا عِبَادٌ جَاهِلُونَ. خَرَجْنَا مِنَ الْوَطَنِ وَمَعَنَا فُرْسَانٌ مِنْ جَانِبِ الدَّوْلَةِ الْعَليَّةِ الإِيرَانِيَّةِ وَدَوْلَةِ الرُّوسِ إِلَى أَنْ وَرَدْنَا الْعِرَاقَ بِالْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ. للهِ الْحَمْدُ إِنَّ أَمْرَ هَذَا الْمَظْلُومَ قَدِ ارْتَفَعَ إِلَى عَنَانِ السَّمَاءِ وَأَشْرَقَ وَلاَحَ كَالشَّمْسِ فِي رَابِعَةِ النَّهَارِ. لَيْسَ فِي هَذَا الْمَقَامِ سَبِيلٌ لِلتَّسَتُّرِ وَالاخْتِفَاءِ وَلاَ مَقَامٌ لِلْخَوْفِ وَالصَّمْتِ قَدْ ظَهَرَتْ أَسْرَارُ الْقِيَامَةِ وَأَشْرَاطُ السَّاعَةِ وَلَكِنَّ النَّاسَ عَنْهَا غَافِلُونَ مُحْتَجِبُونَ. [وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ... وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ]2 تَاللهِ الْحَقِّ إِنَّ الصُّبْحَ تَنَفَّسَ وَالنُّورَ أَشْرَقَ وَاللَّيْلَ عَسْعَسَ طُوبَى لِلْعَارِفِينَ طُوبَى لِلْفَائِزِينَ. سُبْحَانَ اللهِ قَدْ تَحَيَّرَ الْقَلَمُ فِيمَا يُحَرِّرُهُ وَاللِّسَانُ فِيمَا يَذْكُرُهُ. فَإِنَّهُ بَعْدَ تَحَمُّلِ مَا لاَ يُطَاقُ مِنَ الْمَتَاعِبِ وَالْمَشَقَّاتِ وَالسَّجْنِ وَالأَسْرِ وَالتَّعْذِيبِ عِدَّةَ سِنِينَ رَأَيْنَا أَنَّ الْحُجُبَاتِ الَّتِي خُرِقَتْ وَزَالَتْ قَدْ ظَهَرَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهَا وَمَنَعَ الأَبْصَارَ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْحَقِّ وَسَتَرَ الْعُقُولَ عَنْ إِدْرَاكِ نُورِهِ فَزَادَتِ الْمُفْتَرَيَاتُ الْحَدِيثَةُ عَلَى الْقَدِيمَةِ بِمَرَاتِبَ كَثِيرَةٍ. يَا أَهْلَ الْبَيَانِ اتَّقُوا الرَّحْمَنَ وَفَكِّرُوا فِي الْحِزْبِ الَّذِي 57 سَبَقَكُمْ مَاذَا كَانَتْ أَعْمَالُهُ وَكَيْفَ كَانَتِ الثَّمَرَةُ فَإِنَّ جَمِيعَ مَا قَالُوهُ بُهْتَانٌ وَكُلَّ مَا عَمِلُوهُ بَاطِلٌ إِلاَّ مَنْ حَفَظَهُ اللهُ بِسُلْطَانِهِ. لَعَمْرُ الْمَقْصُودِ لَوْ يَتَفَكَّرُ أَحَدٌ لَيَقْصِدُ النَّيِّرَ الأَعْظَمَ مُنْقَطِعَاً عَنِ الْعَالَمِ وَيُقَدِّسُ نَفْسَهُ مِنْ غُبَارِ الظُّنُونِ وَيُطَهِّرُهَا مِنْ دُخَانِ الأَوْهَامِ. فَيَا هَلْ تُرَى مَاذَا كَانَ سَبَبُ ضَلاَلَةِ الْحِزْبِ السَّابِقِ وَمَنْ كَانَ عِلَّةَ ذَلِكَ حَتَّى إِنَّهُمْ إِلَى الآنِ مُعْرِضُونَ وَإِلَى أَهْوَائِهِمْ مُقْبِلُونَ. يَنْطِقُ الْمَظْلُومُ لِوَجْهِ اللهِ مَنْ شَاءَ فَلْيُقْبِلْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيُعْرِضْ إِنَّهُ كَانَ غَنِيَّاً عَمَّا كَانَ وَمَا يَكُونُ. يَا أَهْلَ الْبَيَانِ إِنَّ الْمَانِعَ وَالْحَاجِبَ كَانُوا نُفُوسَاً مِثْلَ هَادِي دَوْلَتْ آبَادِي3 مِنْ أَرْبَابِ الْعَمَائِمِ وَالْعِصِيِّ غَرُّوا النَّاسَ الْمَسَاكِينَ وَابْتَلُوهُمْ بِالأَوْهَامِ حَتَّى إِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ إِلَى الآنِ ظُهُورَ شَخْصٍ مَوهُومٍ مِنْ مَكَانٍ مَوْهُومٍ. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِى الأَلْبَابِ. يَا هَادِي اسْمَعْ نِدَاءَ النَّاصِحِ الأَمِينِ وَتَوَجَّهْ مِنَ الشِّمَالِ إِلَى الْيَمِينِ وَمِنَ الظَّنِّ إِلَى الْيَقِينِ وَلاَ تَكُنْ سَبَبَاً لِلإِضْلاَلِ. فَالنُّورُ مُشْرِقٌ وَالأَمْرُ ظَاهِرٌ وَالآيَاتُ قَدْ أَحَاطَتِ الآفَاقَ. وَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. دَعِ الرِّئَاسَةَ لِوَجْهِ اللهِ وَاتْرُكِ النَّاسَ وَشَأْنَهُمْ لأَنَّكَ غَيْرُ خَبِيرٍ وَلاَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَصْلِ الأَمْرِ. 58 يَا هَادِي كُنْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَا وَجْهٍ وَاحِدٍ فَلاَ تَكُنْ عِنْدَ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكَاً وَعِنْدَ الْمُوَحِّدِينَ مُوَحِّدَاً. تَفَكَّرْ فِي الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فِي تِلْكَ الأَرْضِ لَعَلَّكَ تَعْتَبِرُ وَتَنْتَبِهُ مِنْ رَقْدَتِكَ. إِنَّ الَّذِي يَحْفَظُ جَسَدَهُ وَرُوحَهُ وَمَا عِنْدَهُ خَيْرٌ أَمِ الَّذِي أَنْفَقَ كُلَّهَا فِي سَبِيلِ اللهِ أَنْصِفْ وَلاَ تَكُنْ مِنَ الظَّالِمِينَ. تَمَسَّكْ بِالْعَدْلِ وَتَشَبَّثْ بِالإِنْصَافِ عَسَى أَنْ لاَ تَجْعَلَ الدِّينَ شَبَكَاً لِلاصْطِيَادِ وَلاَ تُغْمِضْ عَيْنَيْكَ عَنِ الْحَقِّ ابْتِغَاءَ الدِّينَارِ قَدْ بَلَغَ ظُلْمُكَ وَظُلْمُ أَمْثَالِكَ إِلَى حَدٍّ أَنِ اشْتَغَلَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِذِكْرِ هَذِهِ الأُمُورِ. خَفْ عَنِ اللهِ إِنَّ الْمُبَشِّرَ قَالَ إِنَّهُ يَنْطِقُ فِي كُلِّ شَأْنٍ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ. يَا أَهْلَ الْبَيَانِ قَدْ مَنَعُوكُمْ عَنْ مُلاَقَاةِ الأَوْلِيَاءِ فَهَلْ تَعْرِفُونَ السَّبَبَ فِي ذَلِكَ الْمَنْعِ. أَنْصِفُوا بِاللهِ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ. إِنَّ سَبَبَ الْمَنْعِ وَاضِحٌ وَعِلَّتَهُ ظَاهِرَةٌ عِنْدَ ذَوِي الْبَصَرِ وَأَهْلِ الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ. لِئَلاَّ يَطَّلِعَ أَحَدٌ عَلَى أَسْرَارِهِ وَأَعْمَالِهِ. يَا هَادِي إِنَّكَ مَا كُنْتَ مَعَنَا وَلاَ أَنْتَ مِنَ الْمُطَّلِعِينَ فَلاَ تَعْمَلْ بِالظَّنِّ فَلْنَضْرِبْ صَفْحَاً عَمَّا مَضَى وَالآنَ عَلَيْكَ أَنْ تُرْجِعَ الْبَصَرَ وَأَنْ تُفَكِّرَ فِيمَا ظَهَرَ وَارْحَمْ نَفْسَكَ وَأَنْفُسَ الْعِبَادِ وَلاَ تَكُنْ سَبَبَ الضَّلاَلَةِ كَمَا كَانَ الْحِزْبُ السَّابِقُ. فَالسَّبِيلُ وَاضِحٌ وَالدَّلِيلُ لائِحٌ. عَلَيْكَ أَنْ تُبَدِّلَ الظُّلْمَ بِالْعَدْلِ وَالاعْتِسَافَ 59 بِالإِنْصَافِ. أَرْجُو أَنْ تُؤَيِّدَكَ نَفَحَاتُ الْوَحْيِ وَيَفُوزَ سَمْعُ فُؤَادِكَ بِالإِصْغَاءِ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ [قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُم فِي خَوْضِهِم يَلْعَبُونَ]4. يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ غَيْرُ الْمُطَّلِعِ إِنَّكَ ذَهَبْتَ وَرَأَيْتَ5 فَالآنَ تَكَلَّمْ بِالإِنْصَافِ وَلاَ تَجْعَلِ الأَمْرَ يَلْتَبِسُ عَلَيْكَ وَعَلَى النَّاسِ. اسْتَمِعْ نِدَاءَ الْمَظْلُومِ وَاقْصِدْ بَحْرَ الْعِلْمِ الإِلَهِيِّ لَعَلَّكَ تَتَزَيَّنُ بِطِرَازِ الْعِرْفَانِ وَتَنْقَطِعُ عَمَّا سِوَى اللهِ وَاسْتَمِعْ نِدَاءَ النَّاصِحِ الْمُشْفِقِ الَّذِي ارْتَفَعَ أَمَامَ وُجُوهِ كُلٍّ مِنَ الْمُلُوكِ وَالْمَمْلُوكِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَلاَ حِجَابٍ. وَادْعُ أَحْزَابَ الْعَالَمِ طُرَّاً إِلَى مَالِكِ الْقِدَمِ. وَهَذِهِ هِيَ الْكَلِمَةُ الَّتِي أَشْرَقَ وَلاَحَ مِنْ أُفُقِهَا نَيِّرُ الْفَضْلِ. يَا هَادِي قَدْ بَذَلَ هَذَا الْمَظْلُومُ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ عَنِ الْعَالَمِ الْجُهْدَ الْجَهِيدَ فِي إِطْفَاءِ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمُشْتَعِلَةِ فِي قُلُوبِ الأَحْزَابِ. وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ ذِي عَدْلٍ وَإِنْصَافٍ أَنْ يَشْكُرَ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ وَيَقُومَ عَلَى خِدْمَةِ هَذَا الأَمْرِ الأَعْظَمِ عَسَى أَنْ يَحُلَّ النُّورُ مَحَلَّ النَّارِ وَالْمَحَبَّةُ مَحَلَّ الْبَغْضَاءِ. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ ذلِكَ هُوَ مَقْصُودُ هَذَا الْمَظْلُومِ. وَقَدْ تَحَمَّلَ البَلايَا وَالْبَأْسَاءَ وَالضَّرَّاءَ فِي إِظْهَارِ هَذَا الأَمْرِ الأَعْظَمِ وَإِثْبَاتِهِ وَإِنَّكَ لَوْ أَنْصَفْتَ لَتَشْهَدُ بِذَلِكَ. إِنَّ اللهَ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ وَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْجَمِيلُ، الْبَهَاءُ مِنْ لَدُنَّا عَلَى أَهْلِ الْبَهَاءِ 60 الَّذِينَ مَا مَنَعَهُمْ ظُلْمُ الظَّالِمِينَ وَسَطْوَةُ الْمُعْتَدِينَ عَنِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. ____________________________ (1) أرض الطّاء تعني مدينة طهران العاصمة الإيرانيّة. (2) القرآن الكريم سورة التّكوير الآية 6 و10. (3) هادي دولت آبادي هو أحد علماء مدينة أصفهان، أصبح من أتباع حضرة الباب ثمَّ أيد ميرزا يحيى فعيّن ممثلاً وخليفة له في إيران، وحينما اضطهد البابيّون أنكر دينه على الملأ. (4) القرآن الكريم سورة الأنعام الآية 91. (5) يقصد بذلك جزيرة قبرص التي زارها دولت آبادي خصّيصاً لملاقاة يحيى أزل. 61 صفحة خاليةالتَّجَلِّيَاتُ 63صفحة خالية صَحِيفَةُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ هُوَ السَّامِعُ مِنْ أُفُقِهِ الأَعْلَى شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالَّذِي أَتَى إِنَّهُ هُوَ السِّرُّ الْمَكْنُونُ وَالرَّمْزُ الْمَخْزُونُ وَالْكِتَابُ الأَعْظَمُ لِلأُمَمِ وَسَمَاءُ الْكَرَمِ لِلْعَالَمِ. وَهُوَ الآيَةُ الْكُبْرَى بَيْنَ الْوَرَى وَمَطْلِعُ الصِّفَاتِ الْعُلْيَا فِي نَاسُوتِ الإِنْشَاءِ. بِهِ ظَهَرَ مَا كَانَ مَخْزُونَاً فِي أَزَلِ الآزَالِ وَمَسْتُورَاً عَنْ أُولِي الأَبْصَارِ. إِنَّهُ هُوَ الَّذِي بَشَّرَتْ بِظُهُورِهِ كُتُبُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. مَنْ أَقَرَّ بِهِ وَبِآيَاتِهِ وَبَيِّنَاتِهِ إِنَّهُ أَقَرَّ بِمَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُ الْعَظَمَةِ قَبْلَ خَلْقِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَقَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ مَلَكُوتُ الأَسْمَآءِ. بِهِ مَاجَ بَحْرُ الْعِلْمِ بَيْنَ الأَنَامِ وَجَرَى فُرَاتُ الْحِكْمَةِ مِنْ لَدَى اللهِ مَالِكِ الأَيَّامِ. طُوبَى لِبَصِيرٍ شَهِدَ وَرَأَى وَلِسَمِيعٍ سَمِعَ نِدَاءَهُ الأَحْلَى وَلِيَدٍ أَخَذَتِ الْكِتَابَ بِقُوَّةِ رَبِّهَا سُلْطَانِ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَلِسَرِيعٍ سَرُعَ إِلَى أُفُقِهِ الأَعْلَى وَلِقَوِيٍّ مَا أَضْعَفَتْهُ سَطْوَةُ الأُمَرَاءِ وَضَوْضَاءُ الْعُلَمَاءِ. 65 وَوَيْلٌ لِمَنْ أَنْكَرَ فَضْلَ اللهِ وَعَطَاءَهُ وَرَحْمَتَهُ وَسُلْطَانَهُ إِنَّهُ مِمَّنْ أَنْكَرَ حُجَّةَ اللهِ وَبُرْهَانَهُ فِي أَزَلِ الآزَالِ. وَنَعِيمَاً لِمَنْ نَبَذَ الْيَوْمَ مَا عِنْدَ الْقَوْمِ وَأَخَذَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدَى اللهِ مَالِكِ الأَسْمَآءِ وَفَاطِرِ الأَشْيَاءِ الَّذِي أَتَى مِنْ سَمَاءِ الْقِدَمِ بِالاسْمِ الأَعْظَمِ وَبِسُلْطَانٍ لاَ تَقُومُ مَعَهُ جُنُودُ الأَرْضِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ أُمُّ الْكِتَابِ فِي أَعْلَى الْمَقَامِ. يَا عَلِيُّ قَبْلَ أَكْبَر1 إِنَّا سَمِعْنَا نِدَاءَكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ. أَجَبْنَاكَ بِمَا لاَ تُعَادِلُهُ أَذْكَارُ الْعَالَمِ. وَيَجِدُ مِنْهُ الْمُخْلِصُونَ عَرْفَ بَيَانِ الرَّحْمَنِ وَالْعُشَّاقُ نَفَحَاتِ الْوِصَالِ وَالْعَطْشَانُ خَرِيرَ كَوْثَرِ الْحَيَوَانِ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِهِ وَوَجَدَ مَا تَضَوَّعَ فِي هَذَا الْحِينِ مِنْ يَرَاعَةِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ. نَشْهَدُ أَنَّكَ أَقْبَلْتَ وَقَطَعْتَ السَّبِيلَ إِلَى أَنْ وَرَدْتَ وَحَضَرْتَ وَسَمِعْتَ نِدَاءَ الْمَظْلُومِ الَّذِي سُجِنَ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ وَبُرْهَانِهِ وَأَنْكَرُوا هَذَا الْفَضْلَ الَّذِي بِهِ أَنَارَتِ الآفَاقُ. طُوبَى لِوَجْهِكَ بِمَا تَوَجَّهَ وَلأُذُنِكَ بِمَا سَمِعَتْ وَلِلِسَانِكَ بِمَا نَطَقَ بِثَنَآءِ اللهِ رَبِّ الأَرْبَابِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَكَ عَلَمَاً لِنُصْرَةِ أَمْرِهِ وَيُقَرِّبَكَ إِلَيْهِ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ. وَنَذْكُرُ أَوْلِيَآءَ اللهِ وَأَحِبَّاءَهُ هُنَاكَ وَنُبَشِّرُهُمْ بِمَا نُزِّلَ لَهُمْ مِنْ مَلَكُوتِ بَيَانِ رَبِّهِمْ مَالِكِ يَوْمِ الْحِسَابِ. ذَكِّرْهُمْ مِنْ قِبَلِي وَنَوِّرْهُمْ بِأَنْوَارِ نَيِّرِ بَيَانِي. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْعَزِيزُ الْفَضَّالُ. يَا أَيُّهَا النَّاطِقُ 66 بِثَنَائِي اسْمَعْ مَا قَالَهُ الظَّالِمُونَ فِي أَيَّامِي. مِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ افْتَرَى عَلَى اللهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُ ظَهَرَ لِلْفَسَادِ. تَبَّاً لَهُمْ وَسُحْقَاً لَهُمْ أَلاَ إِنَّهُمْ مِنْ عَبَدَةِ الأَوْهَامِ. إِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نُبَدِّلَ اللُّغَةَ الْفُصْحَى إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْمُخْتَارُ. أَرَدْنَا أَنْ نَنْطِقَ بِاللُّغَةِ الْفَارِسِيَّةِ عَسَى أَنْ يَسْمَعَ أَهْلُ إِيرَانَ طُرَّاً بَيَانَاتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْ يُقْبِلُوا ويُدْرِكُوهَا. التَّجَلِّي الأَوَّلُ الَّذِي أَشْرَقَ مِنْ شَمْسِ الْحَقِيقَةِ هُوَ مَعْرِفَةُ اللهِ جَلَّ جَلاَلُه. وَلاَ تَتَحَقَّقُ مَعْرِفَةُ سُلْطَانِ الْقِدَمِ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ الاسْمِ الأَعْظَمِ. إِنَّهُ مُكَلِّمُ الطُّورِ السَّاكِنُ وَالْمُسْتَوِيْ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ وَإِنَّهُ هُوَ الْغَيْبُ الْمَكْنُونُ وَالسِّرُّ الْمَخْزُونُ. بِذِكْرِهِ تَزَيَّنَتِ الْكُتُبُ الإِلَهِيَّةُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَبِثَنَائِهِ نَطَقَتْ. بِهِ نُصِبَ عَلَمُ الْعِلْمِ فِي الْعَالَمِ وَارْتَفَعَتْ رَايَةُ التَّوْحِيدِ بَيْنَ الأُمَمِ. لاَ يَتَحَقَّقُ لِقَاءُ اللهِ إِلاَّ بِلِقَائِهِ. بِهِ ظَهَرَ مَا كَانَ مَسْتُورَاً وَمَخْفِيَّاً مِنْ أَزَلِ الآزَالِ. إِنَّهُ ظَهَرَ بِالْحَقِّ وَنَطَقَ بِكَلِمَةٍ انْصَعَقَ بِهَا مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ. لاَ يَكُونُ الإِيمَانُ 67 بِاللهِ وَعِرْفَانِهِ كَامِلاً إِلاَّ بِتَصْدِيقِ مَا ظَهَرَ مِنْهُ وَكَذلِكَ الْعَمَلِ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَبِمَا نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. عَلَى الْمُنْغَمِسِينَ فِي بَحْرِ الْبَيَانِ أَنْ يَكُونُوا فِي كُلِّ حِينٍ نَاظِرِينَ إِلَى الأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الإِلَهِيَّةِ. إِنَّ أَوَامِرَهُ هِيَ الْحِصْنُ الأَعْظَمُ لِحِفْظِ الْعَالَمِ وَصِيَانَةِ الأُمَمِ. نُورَاً لِمَنْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ وَنَارَاً لِمَنْ أَدْبَرَ وَأَنْكَرَ. التَّجَلِّي الثَّانِي هُوَ الاسْتِقَامَةُ عَلَى أَمْرِ اللهِ وَحُبِّهِ جَلَّ جَلاَلُه. وَهَذَا لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِالْمَعْرِفَةِ الْكَامِلَةِ وَلا تَتَحَقَّقُ الْمَعْرِفَةُ الْكَامِلَةُ إِلاَّ بِالإِقْرَارِ بِكَلِمَةِ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ الْمُبَارَكَةِ. كُلُّ نَفْسٍ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا وَشَرِبَ مِنْ كَوْثَرِ الْبَيَانِ الْمُودَعِ فِيهَا شَاهَدَ نَفْسَهُ مُسْتَقِيمَاً عَلَى شَأْنٍ لا تَمْنَعُهُ كُتُبُ الْعَالَمِ عَنْ أُمِّ الْكِتَابِ. حَبَّذَا هَذَا الْمَقَامُ الأَعْلَى وَالرُّتْبَةُ الْعُلْيَا وَالْغَايَةُ الْقُصْوَى. يَا عَلِيُّ قَبْلَ أَكْبَر فَكِّرْ فِي ضَعَةِ مَقَامِ الْمُعْرِضِينَ. يَنْطِقُ الْكُلُّ بِكَلِمَةِ إِنَّهُ هُوَ مَحْمُودٌ فِي فِعْلِهِ وَمُطَاعٌ فِي أَمْرِهِ. مَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ يُعْرِضُونَ إِنْ ظَهَرَ لَهُمْ عَلَى قَدْرِ سَمِّ إِبْرَةٍ مَا يُخَالِفُ نَفْسَهُمْ وَهَوَاهُمْ. قُلْ مَا مِنْ أَحَدٍ يَعْلَمُ مُقْتَضَيَاتِ الْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ الإِلَهِيَّةِ، إِنَّهُ لَوْ يَحْكمُ عَلَى الأَرْضِ حُكْمَ السَّمَاءِ لَيْسَ 68 لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ، هَذَا مَا شَهِدَ بِهِ نُقْطَةُ الْبَيَانِ فِيمَا أَنْزَلَهُ بِالْحَقِّ مِنْ لَدَى اللهِ فَالِقِ الإِصْبَاحِ. التَّجَلِّي الثَّالِثُ هُوَ الْعُلُومُ وَالْفُنُونُ وَالصَّنَائِعُ. أَلْعِلْمُ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَنَاحِ لِلْوُجُودِ وَمِرْقَاةٌ لِلصُّعُودِ. تَحْصِيلُهُ وُاجِبٌ عَلَى الْكُلِّ. وَلَكِنَّ الْعُلُومَ الَّتِي يَنْتَفِعُ مِنْهَا أَهْلُ الأَرْضِ وَلَيْسَ تِلْكَ الَّتِي تُبْدَأُ بِالْكَلاَمِ وَتَنْتَهِي بِالْكَلاَمِ. إِنَّ لأَصْحَابِ الْعُلُومِ وَالصَّنَائِعِ حَقَّاً عَظِيمَاً عَلَى أَهْلِ الْعَالَمِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ أُمُّ الْبَيَانِ فِي الْمَآبِ نَعِيمَاً لِلسَّامِعِينَ. إِنَّ الْكَنْزَ الْحَقِيقِيَّ لِلإِنْسَانِ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ عِلْمُهُ، وَهُوَ عِلَّةُ الْعِزَّةِ وَالنِّعْمَةِ وَالْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالْبَهْجَةِ وَالانْبِسَاطِ، كَذَلِكَ نَطَقَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ فِي هَذَا السِّجْنِ الْعَظِيمِ. التَّجَلِّي الرَّابِعُ هُوَ فِي ذِكْرِ الأُلُوهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَأَمْثَالِهَا. لَوْ نَظَرَ كُلُّ ذِي بَصَرٍ فِي السِّدْرَةِ الْمُبَارَكَةِ الظَّاهِرَةِ وَأَثْمَارِهَا. إِنَّهَا تُغْنِيهِ عَنْ دُونِهَا وَيَعْتَرِفُ بِمَا نَطَقَ بِهِ مُكَلِّمُ الطُّورِ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ. 69 يَا عَلِيُّ قَبْلَ أَكْبَر ذَكِّرِ النَّاسَ بِآيَاتِ رَبِّكَ وَعَرِّفْهُمْ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِيمَ وَنَبَأَهُ الْعَظِيمَ. قُلْ يَا أَيُّهَا الْعِبَادُ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ لَصَدَّقْتُمْ بِمَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ فَالْبَيَانُ الْفَارِسِيُّ يُرْشِدُكُمْ وَيَكْفِيكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْفُرْقَانِ تَفَكَّرُوا فِي تَجَلِّي السِّدْرَةِ وَنِدَائِهَا لابْنِ عِمْرَانَ. سُبْحَانَ اللهِ كَانَ الظَّنُّ أَنَّ الْعِرْفَانَ قَدْ وَصَلَ لَدَى ظُهُورِ الْحَقِّ إِلَى حَدِّ الْكَمَالِ وَبَلَغَ غَايَتَهُ الْقُصْوَى، غَيْرَ أَنَّهُ تَبَيَّنَ الآنَ أَنَّ الْعِرْفَانَ لَدَى الْمُعْرِضِينَ تَدَنَّى وَبَقِيَ دُونَ حَدِّ الْبُلُوغِ. يَا عَلِيُّ إِنَّ مَا قَبِلُوهُ مِنَ الشَّجَرَةِ لاَ يَقْبَلُونَهُ مِنْ سِدْرَةِ الْوُجُودِ. قُلْ يَا أَهْلَ الْبَيَانِ لاَ تَتَكَلَّمُوا بِمَا تُسَوِّلُ لَكُمُ النَّفْسُ وَالْهَوَى. إِنَّ أَكْثَرَ أَحْزَابِ الْعَالَمِ مُقِرُّونَ بِالْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ مِنَ الشَّجَرَةِ. لعَمْرُ اللهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَا ذَكَرَهُ الْمُبَشِّرُ لَمَّا تَكَلَّمَ قَطُّ هَذَا الْمَظْلُومُ بِمَا هُوَ سَبَبُ اضْطِرَابِ الجُهَّالِ وَهَلاَكِهِمْ. يَتَفَضَّلُ فِي أَوَّلِ الْبَيَانِ فِي ذِكْرِ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ جَلَّ ظُهُورُهُ قَائِلاً: الَّذِي يَنْطِقُ فِي كُلِّ شَأْنٍ إِنَّنِي أَنَا اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنَّ مَا دُونِي خَلْقِي. أَنْ يَا خَلْقِي إِيَّايَ فَاعْبُدُونِ. وَكَذَلِكَ يَتَفَضَّلُ فِي مَقَامٍ آخَرَ عِنْدَ ذِكْرِ مَنْ يَظْهَرُ قَائِلاً: إِنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. 70 وَالآنَ يَجِبُ التَّفَكُّرُ فِي الْعَابِدِ وَالْمَعْبُودِ، لَعَلَّ عِبَادَ الأَرْضِ يَفُوزُونَ بِقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِ الْعِرْفَانِ وَيُدْرِكُونَ مَقَامَ الظُّهُورِ. إِنَّهُ ظَهَرَ وَنَطَق بِالْحَقِّ. طُوبَى لِمَنْ أَقَرَّ وَاعْتَرَفَ وَوَيْلٌ لِكُلِّ مُنْكِرٍ بَعِيدٍ. يَا مَلأَ الأَرْضِ اسْمَعُوا نِدَاءَ السِّدْرَةِ الَّتِي أَحَاطَ عَلَى الْعَالَمِ ظِلُّهَا وَلاَ تَكُونُوا مِنْ جَبَابِرَةِ الأَرْضِ الَّذِينَ أَنْكَرُوا ظُهُورَ اللهِ وَسُلْطَانَهُ وَكَفَرُوا بِنِعْمَتِهِ. أَلاَ إِنَّهُمْ مِنَ الصَّاغِرِينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. الْبَهَاءُ الْمُشْرِقُ مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ عِنَايَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى مَنْ مَعَكَ وَيَسْمَعُ قَوْلَكَ فِي أَمْرِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. __________________ (1) هو علي أكبر البنّآء أحد الأحبّاء الأوفياء في مدينة يزد، الذي وضع مخطّطاً لبناء مشرق الأذكار في مدينة عشق آباد وفاز مخطّطه بموافقة حضرة عبدالبهاء إنّه ضحّى بنفسه في سبيل عقيدته واستشهد عام 1903 في مدينة يزد. 71 صفحة خاليةالْكَلِمَاتُ الْفِرْدَوْسِيَّةُ 73 صفحة خاليةهُوَ النَّاطِقُ بِالْحَقِّ فِي مَلَكُوتِ الْبَيَانِ يَا مَشَارِقَ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَمَطَالِعَ الصِّدْقِ وَالأَلْطَافِ إِنَّ الْمَظْلُومَ يَبْكِي وَيَقُولُ يَنُوحُ وَيُنَادِي: إِلَهِي إِلَهِي زَيِّن رُؤُوسَ أَوْلِيَائِكَ بِإِكْلِيلِ الانْقِطَاعِ وَهَيَاكِلَهُمْ بِطِرَازِ التَّقْوَى. يَنْبَغِي لأَهْلِ الْبَهَاءِ أَنْ يَنْصُرُوا الرَّبَّ بِبَيَانِهِمْ وَيَعِظُوا النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ وَأَخْلاَقِهِمْ. أَثَرُ الأَعْمَالِ أَنْفَذُ مِنْ أَثَرِ الأَقْوَالِ. يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ1عَلَيْكَ ثَنَآءُ اللهِ وَبَهَاؤُهُ. قُلْ إِنَّ الإِنْسَانَ يَرْتَفِعُ بِأَمَانَتِهِ وَعِفَّتِهِ وَعَقْلِهِ وَأَخْلاَقِهِ وَيَهْبِطُ بِخِيَانَتِهِ وَكَذِبِهِ وَجَهْلِهِ وَنِفَاقِهِ. لَعَمْرِي لاَ يَسْمُو الإِنْسَانُ بِالزِّينَةِ وَالثَّرْوَةِ بَلْ بِالآدَابِ وَالْمَعْرِفَةِ. إِنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ إِيرَانَ تَرَبَّوْا عَلَى الْكَذِبِ وَالظُّنُونِ. أَيْنَ مَقَامُ تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ مَقَامِ رِجَالٍ عَبَرُوا خَلِيجَ الأَسْمَآءِ وَرَفَعُوا الْخِبَآءَ عَلَى شَاطِئِ بَحْرِ التَّقْدِيسِ. وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ تِلْكَ النُّفُوسَ الْمَوْجُودَةَ لَمْ تَكُنْ وَلَنْ تَكُونَ لائِقَةً لاسْتِمَاعِ تَغْرِيدِ حَمَامَاتِ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ [وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ]2. 75 وَإِنَّ أَكْثَرَ الْعِبَادِ يَأْتَنِسُونَ بِالأَوْهَامِ يُرَجِّحُونَ قَطْرَةً مِنْ بَحْرِ الْوَهْمِ عَلَى بَحْرِ الإِيقَانِ يَتَمَسَّكُونَ بِالاسْمِ وَهُمْ مَحْرُومُونَ عَنِ الْمَعْنَى. يَتَشَبَّثُونَ بِالظُّنُونِ وَهُمْ مَمْنُوعُونَ عَنْ مَشْرِقِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ. عَسَى اللهُ أَنْ يُؤَيِّدَكُمْ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ عَلَى كَسْرِ أَصْنَامِ الأَوْهَامِ وَخَرْقِ سُبُحَاتِ الأَنَامِ. الأَمْرُ بِيَدِ اللهِ مُظْهِرِ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ وَمَالِكِ يَوْمِ الْقِيَامِ. قَدْ سَمِعْنَا مَا ذَكَرَهُ جَنَابُ الْمَذْكُورِ فِي حَقِّ بَعْضِ الْمُبَلِّغِينَ. قَدْ نَطَقَ بِالْحَقِّ. فَإِنَّ بَعْضَاً مِنَ النُّفُوسِ الْغَافِلَةِ يَسِيرُونَ فِي الْبِلاَدِ بِاسْمِ الْحَقِّ وَيَشْتَغِلُونَ بِتَضْيِيعِ أَمْرِهِ وَسَمُّوا ذَلِكَ بِالنُّصْرَةِ وَالتَّبْلِيغِ. مَعَ أَنَّ أَنْجُمَ شَرَائِطِ الْمُبَلِّغِينَ مُشْرِقَةٌ وَلاَئِحَةٌ مِنْ آفَاقِ سَمَوَاتِ الأَلْوَاحِ الإِلَهِيَّةِ. وَقَدْ شَهِدَ كُلُّ مُنْصِفٍ وَاطَّلَعَ كُلُّ بَصِيرٍ بِأَنَّ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ قَدْ تَكَلَّمَ وَعَلَّمَ الأَنَامَ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ مَا هُوَ سَبَبُ ارْتِفَاعِ مَقَامَاتِ الإِنْسَانِ وَمَرَاتِبِهِ وَأَنَّ أَهْلَ الْبَهَاءِ كَالشَّمْعِ بَيْنَ الْجَمْعِ مُشْرِقُونَ وَلاَئِحُونَ وَبِإِرَادَةِ اللهِ مُتَمَسِّكُونَ. وَهَذَا الْمَقَامُ سُلْطَانُ الْمَقَامَاتِ. طُوبَى لِمَنْ نَبَذَ مَا عِنْدَ الْعَالَمِ رَجَاءَ مَا عِنْدَ اللهِ مَالِكِ الْقِدَمِ. قُلْ: إِلَهِي إِلَهِي تَرَانِي طَائِفَاً حَوْلَ إِرَادَتِكَ وَنَاظِرَاً إِلَى أُفُقِ جُودِكَ وَمُنْتَظِرَاً تَجَلِّيَاتِ أَنْوَارِ نَيِّرِ عَطَائِكَ. أَسْأَلُكَ يَا مَحْبُوبَ أَفْئِدَةِ الْعَارِفِينَ وَمَقْصُودَ الْمُقَرَّبِينَ أَنْ تَجْعَلَ أَوْلِيَاءَكَ مُنْقَطِعِينَ 76 عَنْ إِرَادَتِهِمْ مُتَمَسِّكِينَ بِإرَادَتِكَ. أَيْ رَبِّ زَيِّنْهُمْ بِطِرَازِ التَّقْوَى وَنَوِّرْهُمْ بِنُورِ الانْقِطَاعِ. ثُمَّ أَيِّدْهُمْ بِجُنُودِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ لإِعْلآءِ كَلِمَتِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ وَإِظْهَارِ أَمْرِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ وَفِي قَبْضَتِكَ زِمَامُ الأُمُورِ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الْوَجْهِ. قَدْ وَرَدَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلْحُزْنِ الأَكْبَرِ. ظَهَرَ مِنْ بَعْضِ الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى الْحَقِّ مَا ارْتَعَدَتْ بِهِ فَرَائِصُ الصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ وَالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ. وَمَعَ ظُهُورِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ فِي حَقِّ ذَلِكَ الشَّخْصِ الْمَعْلُومِ وَإِجْرَآءِ الْعَطَآءِ لَهُ فَعَلَ مَا بَكَتْ بِهِ عَيْنُ اللهِ وَلَقَدْ ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ مَا يُوجِبُ التَّذَكُّرَ وَالانْتِبَاهَ وَسَتَرْنَاهُ سِنِينَ لَعَلَّهُ يَنْتَبِهُ وَيَرْجِعُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِذَلِكَ أَثَرٌ. وَقَامَ أَخِيرَاً بِتَضْيِيعِ أَمْرِ اللهِ أَمَامَ وُجُوهِ الْخَلْقِ وَهَتْكِ سِتْرِ الإِنْصَافِ وَلَمْ يَرْحَمْ نَفْسَهُ وَلاَ أَمْرَ اللهِ. وَالآنَ قَدْ غَلَبَ حُزْنُ أَعْمَالِ بَعْضِ الآخَرِينَ عَلَى حُزْنِ أَعْمَالِهِ. أَطْلُبُ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يُؤَيِّدَ النُّفُوسَ الْغَافِلَةَ عَلَى الرُّجُوعِ وَالإِنَابَةِ إِنَّهُ هُوَ الْغَفَّارُ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ. يَجِبُ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ أَنْ يَتَمَسَّكَ الْكُلُّ بِالاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ وَيَشْتَغِلُوا بِنُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ لَعَلَّ النُّفُوسَ الْغَافِلَةَ تَفُوزُ بِمَا هُوَ سَبَبُ الْفَلاَحِ الأَبَدِيِّ. 77 وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ اخْتِلاَفَ الأَحْزَابِ قَدْ صَارَ سَبَبَاً وَعِلَّةً لِلضَّعْفِ. وَكُلُّ حِزْبٍ اتَّخَذَ سَبِيلاً وَتَمَسَّكَ بِعُرْوَةٍ وَمَعَ الْجَهْلِ وَالْعَمَى يَحْسَبُونَ أَنْفُسَهُمْ أُولِي الْبَصَرِ وَالْعِلْمِ. وَمِنْ جُمْلَةِ تِلْكَ الأَحْزَابِ عُرَفَآءُ مِلَّةِ الإِسْلاَمِ فَإِنَّ بَعْضَ تِلْكَ النُّفُوسِ تَشَبَّثُوا بِمَا هُوَ سَبَبُ الْخُمُودِ وَالانْزِوَآءِ. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ ذَلِكَ يَحُطُّ مِنْ مَقَامِهِمْ وَيَزِيدُ فِي غُرُورِهِمْ. لاَ بُدّ أَنْ يَظْهَرَ مِنَ الإِنْسَانِ ثَمَرٌ لأَنَّ الإِنْسَانَ الْخَالِي مَنَ الثَّمَرِ كَمَا نَطَقَ بِهِ حَضْرَةُ الرُّوحِ3 بِمَثَابَةِ الشَّجَرِ بِلاَ ثَمَرٍ. وَالشَّجَرُ بِلاَ ثَمَرٍ لاَئِقٌ لِلنَّارِ. وَلَقَدْ ذَكَرَتْ تِلْكَ النُّفُوسُ فِي مَقَامَاتِ التَّوْحِيدِ مَا هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِظُهُورِ خُمُودِ الْعِبَادِ وَأَوْهَامِهِمْ. وَفِي الْحَقِيقَةِ رَفَعُوا الْفَرْقَ وَحَسِبُوا أَنْفُسَهُمْ الْحَقَّ. وَالْحَقُّ مُقَدَّسٌ عَنِ الْكُلِّ وَآيَاتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي الْكُلِّ. وَمِنْهُ الآيَاتُ وَلَيْسَتْ نَفْسَهُ. وَالْكُلُّ مَذْكُورٌ وَمَشْهُودٌ فِي دَفْتَرِ الْكَوْنِ. وَصُورَةُ الْعَالَمِ أَعْظَمُ كِتَابٍ يُدْرِكُ مِنْهُ كُلُّ ذِي بَصَرٍ مَا هُوَ سَبَبُ الْوُصُولِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَالنَّبَإِ الْعَظِيمِ. انْظُرُوا إِلَى تَجَلِّيَاتِ الشَّمْسِ فَإِنَّ أَنْوَارَهَا أَحَاطَتِ الْوُجُودَ وَلَكِنَّ ظُهُورَ التَّجِلِّيَاتِ مِنْهَا وَلَيْسَتْ هِيَ نَفْسَها وَكُلُّ مَا يُشَاهَدُ فِي الْوُجُودِ حَاكٍ عَنْ قُدْرَتِهِ وَعِلْمِهِ وَفَضْلِهِ وَهُوَ مُقَدَّسٌ عَنِ الْكُلِّ. قَالَ حَضْرَةُ الْمَسِيحِ أَعْطَيْتَ الأَطْفَالَ مَا حُرِمَ مِنْهُ الْعُلَمَآءُ 78 وَالْحُكَمَآءُ. قَالَ الْحَكِيمُ السَّبْزَوارِيُّ4 لَوْ تُوجَدُ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ وَإِلاَّ فَزَمْزَمَةُ سِدْرَةِ الطُّورِ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ شَجَرَةٍ. وَقَدْ خَاطَبْنَا ذَلِكَ الْحَكِيمَ الْمَذْكُورَ الْمَشْهُورَ فِي لَوْحِ أَحَدِ الْحُكَمَاءِ السَّائِلِ عَنْ بَسِيطَةِ الْحَقِيقَةِ بِأَنَّهُ إِذَا َكانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فِي الْحَقِيقَةِ صَدَرَتْ مِنْكَ فَلِمَ لَمْ تَسْمَعْ نِدَآءَ سِدْرَةِ الإِنْسَانِ الْمُرْتَفِعَ مِنْ أَعْلَى مَقَامِ الْعَالَمِ. وَإِنْ كُنْتَ سَمِعْتَ وَمنَعَكَ عَنِ الْجَوَابِ الْخَوْفُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى رُوحِكَ فَمِثْلُ هَذَا الشَّخْصِ لَمْ يَكُنْ وَلَنْ يَكُونَ لائِقَاً لِلذِّكْرِ وَإِنْ لِمْ تَسْمَعْ فَإِنَّكَ مَحْرُومٌ عَنِ السَّمْعِ. وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّهُمْ فِي الْقَوْلِ فَخْرُ الْعَالَمِ وَفِي الْعَمَلِ عَارُ الأُمَمِ. إِنَّا نَفَخْنَا فِي الصُّورِ وَهُوَ قَلَمِيَ الأَعْلَى وَانْصَعَقَ مِنْهُ الْعِبَادُ إِلاَّ مَنْ حَفِظَهُ اللهُ فَضْلاً مِنْ عِنْدِهِ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْقَدِيمُ. قُلْ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَاءِ هَلْ تَعْتَرِضُونَ عَلَى قَلَمٍ إِذَا ارْتَفَعَ صَرِيرُهُ اسْتَعَدَّ مَلَكُوتُ الْبَيَانِ لإِصْغَائِهِ وَخَضَعَ كُلُّ ذِكْرٍ عِنْدَ ذِكْرِهِ الْعَزِيزِ الْعَظِيمِ. اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَتَّبِعُوا الظُّنُونَ وَالأَوْهَامَ. اتَّبِعُوا مَنْ أَتَاكُمْ بِعِلْمٍ مُبِينٍ وَيَقِينٍ مَتِينٍ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ كَنْزَ الإِنْسَانِ بَيَانُهُ. وَهَذَا الْمَظْلُومُ تَوَقَّفَ عَنْ إِظْهَارِهِ إِذْ الْمُنْكِرُونَ فِي الْمَكَامِنِ مُتَرَصِّدُونَ. أَلحِفْظُ مِنَ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينِ. إِنَّا تَوَكَّلْنَا عَلَيْهِ وَفَوَّضْنَا الأُمُورَ إِلَيْهِ 79 وَهُوَ حَسْبُنَا وَحَسْبُ كُلِّ شَيْءٍ. هُوَ الَّذِي بِإِذْنِهِ وَأَمْرِهِ أَشْرَقَ نَيِّرُ الاقْتِدَارِ مِنْ أُفُقِ الْعَالَمِ. طُوبَى لِمَنْ شَهِدَ وَعَرَفَ وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ وَالْمُنْكِرِينَ. وَلَكِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لاَ يَزَالُ يُحِبُّ الْحُكَمَآءَ أَعْنِي الَّذِينَ لَيْسَتْ حِكْمَتُهُمْ مَحْضَ الْقَوْلِ بَلِ الَّذينَ ظَهَرَتْ مِنْهُمْ فِي الوُجُودِ الآثارُ وَالأَثْمَارُ البَاقِيَةُ. يَلْزَمُ الْكُلَّ أَنْ يَحْتَرِمُوا تِلْكَ النُّفُوسَ الْمُبَارَكَةَ. طُوبَى لِلْعَامِلِينَ وَطُوبَى لِلْعَارِفِينَ وَطُوبَى لِمَنْ أَنْصَفَ فِي الأُمُورِ وَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ عَدْلِيَ الْمَتِينِ. إِنَّ أَهْلَ إِيرَانَ تَرَكُوا الْحَافِظَ وَالْمُعِينَ وَتَمَسَّكُوا وَاشْتَغَلُوا بِأَوْهَامِ الْجَاهِلِينَ. بِحَيْثُ تَشَبَّثُوا بِأَوْهَامٍ تَشَبُّثَاً لاَ يُمْكِنُ زَوَالُهُ إِلاَّ بِذِرَاعَيّ قُدْرَةِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. فَاطْلُبْ مِنْهُ أَنْ يَرْفَعَ حُجُبَاتِ الأَحْزَابِ بِإِصْبَعِ الاقْتِدَارِ لِيَجِدَ الْكُلُّ أَسْبَابَ الْحِفْظِ وَالْعُلُوِّ وَالسُّمُوِّ وَيُسْرِعُوا إِلَى شَطْرِ الْمَحْبُوبِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ. كَلِمَةُ اللهِ في الوِرْقِ الأَوَّلِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى الْمَذْكُورَةُ وَالْمَسْطُورَةُ مِنَ الْقَلَمِ الأَبْهَى هِيَ: حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ خَشْيَةَ اللهِ الْحِفْظُ الْمُبِينُ وَالْحِصْنُ الْمَتِينُ لِعُمُومِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَهِيَ السَّبَبُ الأَكْبَرُ لِحِفْظِ الْبَشَرِ وَالْعِلَّةُ 80 الْكُبْرَى لِصِيَانَةِ الْوَرَى. نَعَمْ إِنَّ فِي الْوُجُودِ آَيَةً تَمْنَعُ الإِنْسَانَ وَتَحْرُسُهُ عَمَّا لا يَنْبَغِي وَلاَ يَلِيقُ. وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِالْحَيَاءِ غَيْرَ أَنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِعِدَّةٍ مَخْصُوصَةٍ. وَلَمْ يَكُنِ الْكُلُّ حَائِزَاً لِهَذَا الْمَقَامِ وَلَنْ يَكُونَ. كَلِمَةُ اللهِ في الوِرْقِ الثَّانِي مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى فِي هَذَا الْحِينِ يَنْصَحُ مَظَاهِرَ الْقُدْرَةِ وَمَشَارِقَ الاقْتِدَارِ مِنَ الْمُلُوكِ وَالسَّلاَطِينِ وَالرُّؤَسَآءِ وَالأُمَرَآءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْعُرَفَآءِ وَيُوصِيهِمْ بِالتَّمَسُّكِ بِالدِّينِ. إِذْ هُوَ السَّبَبُ الأَعْظَمُ لِنَظْمِ الْعَالَمِ وَاطْمِئْنَانِ مَنْ فِي الإِمْكَانِ. فَإِنَّ ضَعْفَ أَرْكَانِ الدِّينِ صَارَ سَبَبَاً لِقُوَّةِ الْجُهَّالِ وَجُرْأَتِهِمْ وَجَسَارَتِهِمْ. حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ مَا نَقَصَ مِنْ عُلُوِّ مَقَامِ الدِّينِ يَزْدَادُ مِنْ غَفْلَةِ الأَشْرَارِ وَيَؤُولُ الأَمْرُ أَخِيرَاً إِلَى الْهَرْجِ وَالْمَرْجِ. اسْمَعُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ثُمَّ اعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَنْظَارِ. 81 كَلِمَةُ اللهِ في الوِرْقِ الثَّالِثِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى يَا ابْنَ الإِنْسَانِ لَوْ تَكُونُ نَاظِرَاً إِلَى الْفَضْلِ ضَعْ مَا يَنْفَعُكَ وَخُذْ مَا يِنْتَفِعُ بِهِ الْعِبَادُ وَإِنْ تَكُنْ نَاظِرَاً إِلَى الْعَدْلِ اخْتَرْ لِدُونِكَ مَا تَخْتَارُهُ لِنَفْسِكَ. إِنَّ الإِنْسَانَ مَرَّةً يَرْفَعُهُ الْخُضُوعُ إِلَى سَمَآءِ الْعِزَّةِ وَالاقْتِدَارِ. وَأُخْرَى يُنْزِلُهُ الْغُرُورُ إِلَى أَسْفَلِ مَقَامِ الذِّلَّةِ وَالانْكِسَارِ. يَا حِزْبَ اللهِ إنَّ الْيَوْمَ عَظِيمٌ وَالنِّدَاءُ مُرْتَفِعٌ. وَفِي لَوْحٍ مِنَ الأَلْوَاحِ نُزِّلَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنْ سَمَآءِ الْمَشِيَّةِ وَلَوْ بُدِّلَتْ قُوَّةُ الرُّوحِ بِتَمَامِهَا بِالْقُوَّةِ السَّامِعَةِ لأَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إِنَّهَا لائِقَةٌ لإِصْغَآءِ هَذَا النِّدَآءِ الْمُرْتَفِعِ مِنَ الأُفُقِ الأَعْلَى. وَإِلاَّ فَهَذِهِ الآذَانُ الْمُدَنَّسَةُ لَمْ تَكُنْ لائِقَةً لإِصْغَائِهَا وَلَنْ تَكُونَ طُوبَى لِلسَّامِعِينَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ. 82 كَلِمَةُ اللهِ في الوِرْقِ الرَّابِعِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى يَا حِزْبَ اللهِ اسْأَلُوا الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يَحْفَظَ مَظَاهِرَ السَّطْوَةِ وَالْقُوَّةِ مِنْ شَرِّ النَّفْسِ وَالْهَوَى. وَيُنَوِّرُهُمْ بِأَنْوَارِ الْعَدْلِ وَالْهُدَى. صَدَرَ مِنْ حَضْرَةِ مُحَمَّد شَاهَ مَعَ عُلُوِّ مَقَامِهِ أَمْرَانِ مُنْكَرَانِ الأَوَّلُ نَفْيُ سُلْطَانِ مَمَالِكِ الْفَضْلِ وَالْعَطَاءِ حَضْرَةِ النُّقْطَةِ الأُولَى. وَالثَّانِي قَتْلُ سَيِّدِ مَدِينَةِ التَّدْبِيرِ وَالإِنْشَاءِ5. وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّ خَطَأَهُ وَعَطَاءَهُ عَظِيمَانِ. إِنَّ السُّلْطَانَ الَّذِي لاَ يَمْنَعُهُ غُرُورُ الاقْتِدَارِ وَالاخْتِيَارِ عَنِ الْعَدْلِ وَلاَ تَحْرِمُهُ النِّعْمَةُ وَالثَّرْوَةُ وَالْعِزَّةُ وَالصُّفُوفُ وَالأُلُوفُ عَنْ تَجَلِّيَاتِ نَيِّرِ الإِنْصَافِ هُوَ حَائِزٌ لِلْمَقَامِ الأَعْلَى وَالرُّتْبَةِ الْعُلْيَا فِي الْمَلأِ الأَعْلَى. وَيَجِبُ عَلَى الْكُلِّ إِعَانَةُ ذَلِكَ الْوُجُودِ الْمُبَارَكِ وَمَحَبَّتُهُ طُوبَى لِمَلِكٍ مَلَكَ زِمَامَ نَفْسِهِ وَغَلَبَ غَضَبَهُ وَفَضَّلَ الْعَدْلَ عَلَى الظُّلْمِ وَالإِنْصَافِ عَلَى الاعْتِسَافِ. 83 كَلِمَةُ اللهِ فِي الوِرْقِ الخَامِسِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى إِنَّ الْعَطِيَّةَ الْكُبْرَى وَالنِّعْمَةَ الْعُظْمَى فِي الرُّتْبَةِ الأُولَى لَمْ تَزَلْ هِيَ الْعَقْلُ. وَهُوَ الْحَافِظُ لِلْوُجُودِ وَمُعِينُهُ وَنَاصِرُهُ فَالْعَقْلُ رَسُولُ الرَّحْمَنِ وَمَظْهَرُ اسْمِ الْعَلاَّمِ وَبِهِ ظَهَرَ مَقَامُ الإِنْسَانِ. وَهُوَ الْعَالِمُ وَالْمُعَلِّمُ الأَوَّلُ فِي مَدْرَسَةِ الْوُجُودِ وَهُوَ الْمُرْشِدُ وَالْحَائِزُ لِلرُّتْبَةِ الْعُلْيَا. وَبِيُمْنِ تَرْبِيَتِهِ أَصْبَحَ عُنْصُرُ التُّرَابِ جَوْهَرَةً نَفِيسَةً إِلَى أَنْ جَاوَزَ الأَفْلاَكَ وَهُوَ الْخَطِيبُ الأَوَّلُ فِي مَدِينَةِ الْعَدْلِ. وَفِي سَنَةِ التِّسْعِ نَوَّرَ الْعَالَمَ بِبِشَارَةِ الظُّهُورِ. وَهُوَ الْعَالَمُ الْوَحِيدُ الَّذِي ارْتَقَى فِي أَوَّلِ الْعَالَمِ عَلَى مِرْقَاةِ الْمَعَانِي. وَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى مِنْبَرِ الْبَيَانِ بِإِرَادَةِ الرَّحْمَنِ نَطَقَ بِحَرْفَيْنِ. فَمِنَ الأَوَّلِ ظَهَرَتْ بِشَارَةُ الْوَعْدِ وَمِنَ الثَّانِي خَوْفُ الْوَعِيدِ. وَمِنَ الْوَعْدِ وَالْوِعِيدِ ظَهَرَ الْخَوْفُ وَالرَّجَآءُ وَعَلَى هَذَيْنِ الأَسَاسَيْنِ اسْتَقَرَّ وَاسْتَحْكَمَ نِظَامُ الْعَالَمِ تَعَالَى الْحَكِيمُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. 84 كَلِمَةُ اللهِ في الوِرْقِ السَّادِسِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى أَلْعَدْلُ سِرَاجُ الْعِبَادِ فَلاَ تُطْفِئُوهُ بِأَرْيَاحِ الظُّلْمِ وَالاعْتِسَافِ الْمُخَالَفَةِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ ظُهُورُ الاتِّحَادِ بَيْنَ الْعِبَادِ. وَفِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا تَمَوَّجَ بَحْرُ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَإِنَّ دَفَاتِرَ الْعَالَمِ لاَ تَكْفِي تَفْسِيرَهَا. إِذَا تَزَيَّنَ الْعَالَمُ بِهَذَا الطِّرَازِ تُشَاهَدُ شَمْسُ كَلِمَةِ يَوْمَ يُغْنِي اللهُ كُلاًّ مِنْ سَعَتِهِ طَالِعَةً وَمُشْرِقَةً مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ الدُّنْيَا. اعْرَفُوا مَقَامَ هَذَا الْبَيَانِ لأَنَّهُ ثَمَرَةٌ عُلْيَا مِنْ أَثْمَارِ شَجَرَةِ الْقَلَمِ الأَعْلَى. طُوبَى لِنَفْسٍ سَمِعَتْ وَفَازَتْ. حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَآءِ الْمَشِيَّةِ الإِلهِيَّةِ هُوَ السَّبَبُ لِنَظْمِ الْعَالَمِ وَالْعِلَّةُ لاتِّحَادِ الأُمَمِ وَاتِّفَاقِهِمْ. كَذَلِكَ نَطَقَ لِسَانُ الْمَظْلُومِ فِي سِجْنِهِ الْعَظِيمِ. 85 كَلِمَةُ اللهِ فِي الوِرْقِ السَّابِعِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى يَا عُلَمَاءَ الأُمَمِ غُضُّوا الأَعْيُنَ عَنِ التَّجَانُبِ وَالابْتِعَادِ وَانْظُرُوا إِلَى التَّقَارُبِ وَالاتِّحَادِ. وَتَمَسَّكُوا بِالأَسْبَابِ الَّتِي تَوجبُ الرَّاحَةَ وَالاطْمِئْنَانَ لِعُمُومِ أَهْلِ الإِمْكَانِ. إِنَّ وَجْهَ الأَرْضِ عِبَارَةٌ عَنْ شِبْرٍ وَاحِدٍ وَوَطَنٍ وَاحِدٍ وَمَقَامٍ وَاحِدٍ فَتَجَاوَزُوا عَنِ الافْتِخَارِ الْمُوجِبِ لِلاخْتِلاَفِ. وَتَوَجَّهُوا إِلَى مَا هُوَ عِلَّةُ الاتِّفَاقِ فَالافْتِخَارُ عِنْدَ أَهْلِ الْبَهَآءِ بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالأَخْلاَقِ وَالْحِكْمَةِ لاَ بِالْوَطَنِ وَالْمَقَامِ. يَا أَهْلَ الأَرْضِ اعْرَفُوا قَدْرَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ السَّمَاوِيَّةِ فَإِنَّهَا بِمَنْزِلَةِ السَّفِينَةِ لِبَحْرِ الْمَعْرِفَةِ وَبِمَثَابَةِ الشَّمْسِ لِعَالَمِ الْبَصِيرَةِ. كَلِمَةُ اللهِ فِي الوِرْقِ الثَّامِنِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى إِنَّ دَارَ التَّعْلِيمِ فِي الابْتِدَاءِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُعَلِّمَ الأَطْفَالَ شَرَائِطَ الدِّينِ لِيَمْنَعَهُمُ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ عَنِ الْمنَاهِي وَيُزَيِّنَاهُم بِطِرَازِ الأَوَامِرِ. وَلَكِنْ بِمِقْدَارٍ 86 لاَ يَنْتَهِي إِلَى التَّعَصُّبِ وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَمَا لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصَاً مِنَ الْحُدُودِ فِي الْكِتَابِ صَرَاحَةً يَجِبُ عَلَى أُمَنَاءِ بَيْتِ الْعَدْلِ التَّشَاوُرُ فِيهِ وَإِجْرَآءُ مَا يَسْتَحْسِنُونَهُ. إِنَّهُ يُلْهِمُهُمْ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْمُدَبِّرُ الْعَلِيمُ. مِنْ قَبْلُ قُلْنَا إِنَّ التَّكَلُّمَ مُقَدَّرٌ بِلِسَانَيْنِ. وَيَجِبُ بَذْلُ الْجَهْدِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ خُطُوطُ الْعَالَمِ لِكَيْلا تَضِيعَ حَيَاةُ النَّاسِ فِي تَحْصِيلِ الأَلْسُنِ الْمُخْتَلِفَةِ بَاطِلاً حَتَّى يُصْبِحَ جَمِيعُ الأَرْضِ مَدِينَةً وَاحِدَةً وَإِقْلِيمَاً وَاحِدَاً. كَلِمَةُ اللهِ فِي الوِرْقِ التَّاسِعِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى حَقَّاً أَقُولُ إِنَّ الْمَحْبُوبَ فِي كُلِّ أَمْرٍ مَنَ الأُمُورِ هُوَ الاعْتِدَالُ. وَمَتَى تَجَاوَزَ صَارَ سَبَبَ الأَضْرَارِ. انْظُرُوا إِلَى تَمَدُّنِ أَهْلِ الْغَرْبِ كَيْفَ أَصْبَحَ سَبَبَاً لاضْطِرَابِ الْعَالَمِ وَوَحْشَتِهِمْ حَيْثُ هُيِّئَتْ آلاَتٌ جَهَنَّمِيَّةٌ وَظَهَرَتْ قَسَاوَةٌ لِقَتْلِ النُّفُوسِ بِدَرَجَةٍ لَمْ تَرَ عَيْنُ الْعَالَمِ شِبْهَهَا. وَلَمْ تَسْمَعْ آذَانُ الأُمَمِ نَظِيرَهَا. وَإِنَّ إِصْلاَحَ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْقَوِيَّةِ الْقَاهِرَةِ مُسْتَحِيلٌ إِلاَّ بِاتِّحَادِ أَحْزَابِ الْعَالَمِ فِي الأُمُورِ أَوْ مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ. اسْمَعُوا نِدَاءَ الْمَظْلُومِ وَتَمَسَّكُوا بِالصُّلْحِ الأَكْبَرِ. 87 إِنَّ فِي الأَرْضِ أَسْبَابَاً عَجِيبَةً غَرِيبَةً. وَلَكِنَّهَا مَسْتُورَةٌ عَنِ الأَفْئِدَةِ وَالْعُقُولِ. وَتِلْكَ الأَسْبَابُ قَادِرَةٌ عَلَى تَبْدِيلِ هَوَاءِ الأَرْضِ كُلِّهَا. وَسَمِّيَّتُهَا سَبَبٌ لِلْهَلاَكِ. سُبْحَانَ اللهِ قَدْ شُوهِدَ أَمْرٌ عَجِيبٌ. وَهُوَ أَنَّ الْبَرْقَ أَوْ مَا يُمَاثِلُهُ مُطِيعٌ لِلْقَائِدِ وَيَتَحَرَّكُ بِأَمْرِهِ تَعَالَى الْقَادِرُ الَّذِي أَظْهَرَ مَا أَرَادَ بِأَمْرِهِ الْمُحْكَمِ الْمَتِينِ. يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ إِنَّ كُلَّ أَمْرٍ مِنَ الأَوَامِرِ الْمُنْزَلَةِ حِصْنٌ مُحْكَمٌ لِحِفْظِ الْوُجُودِ. إِنَّ الْمَظْلُومَ مَا أَرَادَ إِلاَّ حِفْظَكُمْ وَارْتِقَاءَكُمْ. نُوصِي رِجَالَ بَيْتِ الْعَدْلِ وَنَأْمُرُهُمْ بِحِفْظِ الْعِبَادِ وَصِيَانَةِ الإِمَاءِ وَالأَطْفَالِ. وَيَجِبُ أَنْ يُرَاعُوا فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ مَصَالِحَ الْعِبَادِ. طُوبَى لأَمِيرٍ أَخَذَ يَدَ الأَسِيرِ وَلِغَنِيٍّ تَوَجَّهَ إِلَى الْفَقِيرِ وَلِعَادِلٍ أَخَذَ حَقَّ الْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ وَلأَمِينٍ عَمِلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ عَلَيْكَ بَهَائِي وَثَنَائِي. إِنَّ النَّصَائِحَ وَالْمَوَاعِظَ قَدْ أَحَاطَتِ الْعَالَمَ وَمَعَ ذَلِكَ صَارَتْ سَبَبَاً لِلأَحْزَانِ لاَ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ لأَنَّ بَعْضَاً مِنْ مُدَّعِي الْمَحَبَّةِ طَغَوْا وَأَوْرَدُوا عَلَيْنَا مَا لَمْ يَرِدْ مِنَ الْمِلَلِ السَّابِقَةِ وَلاَ مِنْ عُلَمَاءِ إِيرَانَ. قُلْنَا مِنْ قَبْلُ لَيْسَ بَلِيَّتِي سِجْنِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ مِنْ أَعْدَائِي 88 بَلْ عَمَلَ أَحِبَّائِي الَّذِينَ يَنْسِبُونَ أَنْفُسَهُمْ إِلَى نَفْسِي وَيَرْتَكِبُونَ مَا يَنُوحُ بِهِ قَلْبِي وَقَلَمِي. وَقَدْ تَكَرَّرَ نُزُولُ أَمْثَالِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ وَلَكِنْ مَا أَفَادَتِ الْغَافِلِينَ نَفْعَاً لأَنَّهُمْ أُسَرَآءُ النَّفْسِ وَالْهَوَى. اسْأَلِ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الرُّجُوعِ وَالإِنَابَةِ. فَمَا دَامَتِ النَّفْسُ بَاقِيَةً عَلَى مُشْتَهَيَاتِهَا فَلاَ مَحَالَةَ مِنَ الْجُرْمِ وَالْخَطَأِ. وَالْمَأْمُولُ أَنْ تُدْرِكَ الْكُلَّ يَدُ الْعَطِيَّةِ الإِلَهِيَّةِ وَالرَّحْمَةِ الرَّحْمَانِيَّةِ وَتُزَيِّنَ الْكُلَّ بِطِرَازِ الْعَفْوِ وَالْعَطَاءِ. وَكَذَلِكَ تَحْفَظَهُمْ مِمَّا يُوجِبُ تَضْيِيعَ أَمْرِهِ بَيْنَ عِبَادِهِ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. كَلِمَةُ اللهِ فِي الوِرْقِ العَاشِرِ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى يَا أَهْلَ الأَرْضِ إِنَّ الانْزِوَآءَ وَالرِّيَاضَاتِ الشَّاقَةَ غَيْرُ فَائِزَةٍ بِعِزِّ الْقَبُولِ. وَأَرْبَابُ الْبَصَرِ وَالْعَقْلِ يَنْظُرُونَ إِلَى مَا هُوَ سَبَبُ الرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. وَظَهَرَتْ أَمْثَالُ هَذِهِ الأُمُورِ مِنْ أَصْلاَبِ الظُّنُونِ وَتَوَلَّدَتْ مِنْ بُطُونِ الأَوْهَامِ. وَلَمْ تَلِقْ لأَهْلِ الْعِلْمِ وَلَنْ تَلِيقَ. وَقَدْ سَكَنَ بَعْضٌ مِنَ الْعِبَادِ سَابِقَاً وَلاَحِقَاً فِي كُهُوفِ الْجِبَالِ 89 وَتَوَجَّهَ بَعْضُهُمْ الآخَرُ إِلَى الْقُبُورِ فِي اللَّيَالِي. قُلْ اسْمَعُوا نُصْحَ الْمَظْلُومِ وَاتْرُكُوا مَا عِنْدَكُمْ وَتَمَسَّكُوا بِمَا يَقُولُهُ النَّاصِحُ الأَمِينُ. لاَ تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَمَّا خُلِقَ لَكُمْ. إِنَّ الإِنْفَاقَ عِنْدَ اللهِ مَحْبُوبٌ وَمَقْبُولٌ وَيُعَدُّ مِن سَيِّدِ الأَعْمَالِ. انْظُرُوا ثُمَّ اذْكُرُوا مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقانِ [وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولِئَكِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ]6. وَفِي الْحَقِيقَةِ إِنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ الْمُبَارَكَةَ شَمْسُ الْكَلِمَاتِ فِي هَذَا الْمَقَامِ. طُوبَى لِمَنْ اخْتَارَ أَخَاهُ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَهَآءِ فِي السَّفِينَةِ الْحَمْرَآءِ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. كَلِمَةُ اللهِ في الوِرْقِ الحَادِي عَشَرَ مِنَ الْفِرْدَوْسِ الأَعْلَى إِنَّا نَأْمُرُ مَظَاهِرَ الأَسْمَآءِ وَالصِّفَاتِ أَنْ يَتَمَسَّكَ كُلٌّ مِنْهُمْ مِنَ الآنِ فَصَاعِدَاً بِمَا ظَهَرَ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَلاَ يَكُونُوا أَسْبَابَ الاخْتِلاَفِ. وَأَنْ يَظَلُّوا إِلَى الآخِرِ الَّذِي لاَ آخِرَ لَهُ نَاظِرِينَ إِلَى آفَاقِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمُشْرِقَاتِ الَّتِي نُزِّلَتْ فِي هَذِهِ الْوَرَقَةِ. فَإِنَّ الاخْتِلاَفَ سَبَبٌ لِسَفْكِ الدِّمَاءِ وَعِلَّةٌ لانْقِلاَبِ الْعِبَادِ. اسْمَعُوا نِدَآءَ 90 الْمَظْلُومِ وَلاَ تَتَجَاوَزُوا عَنْهُ فَإِذَا تَفَكَّرَتْ نَفْسٌ فِيمَا نُزِّلَ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي هَذَا الظُّهُورِ تَيَقَّنَتْ بِأَنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ مِمَّا ذَكَرَهُ إِثْبَاتَ مَقَامٍ أَوْ شَأْنٍ لِنَفْسِهِ. بَلْ أَرَدْنَا بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْعَالِيَاتِ أَنْ نَجْذِبَ النُّفُوسَ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى وَنَجْعَلَهَا مُسْتَعِدَّةً لإِصْغَآءِ مَا هُوَ سَبَبُ التَّنْزِيهِ وَالتَّطْهِيرِ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنَ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ الَّذِي يَحْدُثُ مِنِ اخْتِلاَفِ الْمَذَاهِبِ. يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلْبِي وَقَلَمِي وَظَاهِرِي وَبَاطِنِي. فَلْيَتَوَجَّهِ الْكُلُّ إِنْ شَاءَ اللهُ إِلَى الْخَزَائِنِ الْمَكْنُونَةِ فِي أَنْفُسِهِمْ. يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ إِنَّ الْقُوَّةَ الْمُفَكِّرَةَ هِيَ مَخْزَنُ الصَّنَائِعِ وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ فَاجْتَهِدُوا حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ هَذَا الْمَعْدِنِ الْحَقِيقِيِّ لآلِئُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. وَتَكُونَ سَبَبَ الرَّاحَةِ وَالاتِّحَادِ لِلأَحْزَابِ الْمُخْتَلِفَةِ فِي الْعَالَمِ. وَإِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ مِنَ الشِّدَّةِ وَالرَّخَاءِ وَالْعِزَّةِ وَالْعَذَابِ أَمَرَ الْكُلَّ بِالْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ وَالشَّفَقَةِ وَالاتِّحَادِ. وَكُلُّ يَوْمٍ ظَهَرَ قَلِيلٌ مِنَ السُّمُوِّ وَالْعُلُوِّ خَرَجَتْ نُفُوسٌ مَسْتُورَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَتَفَوَّهُوا بِمُفْتَرَيَاتٍ أَحَدِّ مِنَ السَّيْفِ مُتَمَسِّكِينَ بِالْكَلِمَاتِ الْمَرْدُودَةِ الْمَجْعُولَةِ وَعَنْ بَحْرِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ مَحْرُومُونَ وَمَمْنُوعُونَ. وَلَوْ لَمْ تَحُلْ تِلْكَ الْحُجُبَاتُ لَسُخِّرَتْ إِيرَانُ بِالْبيَانِ 91 فِي سَنَتَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ وَارْتَفَعَ مَقَامُ الدَّوْلَةِ وَالْمِلَّةِ لأَنَّ الْمَقْصُودَ كَانَ يَظْهَرُ بِكَمَالِ الظُّهُورِ مِنْ غَيْرِ سِتْرٍ وَخَفَآءٍ. وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ قُلْنَا كُلَّ مَا يَجِبُ أَنْ يُقَالَ. تَارَةً بِالتَّصْرِيحِ وَأُخْرَى بِالتَّلْوِيحِ وَإِنَّ مِنْ بَعْدِ إِصْلاَحِ إِيرَانَ كَانَتْ تَتَضَوَّعُ نَفَحَاتُ الْكَلِمَةِ فِي سَائِرِ الْمَمَالِكِ لأَنَّ مَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى كَانَ وَلاَ يَزَالُ هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ جَمِيعِ أَهْلِ الْعَالَمِ وَسُمُوِّهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ. وَهُوَ الدِّرْيَاقُ الأَعْظَمُ لِكُلِّ الأَمْرَاضِ لَوْ هُمْ يَفْقَهُونَ وَيَشْعُرُونَ. وَقَدْ فَازَ بِالْحُضُورِ وَاللِّقَاءِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ حَضَرَاتُ الأَفْنَانِ7 وَالأَمِينُ8 عَلَيْهِمْ بَهَائِي وَعِنَايَتِي وَكَذَلِكَ حَضَرَ نَبِيلُ ابْنُ نَبِيلِ9وَابْنُ سَمَنْدَرَ10عَلَيْهِمْ بَهَاءُ اللهِ وَعِنَايَتُهُ وَرُزِقُوا مِنْ كَأْسِ الْوِصَالِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُقَدِّرَ لَهُمْ خَيْرَ الآخِرَةِ وَالأُولَى وَيُنْزِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ سَمَاءِ فَضْلِهِ وَسَحَابِ رَحْمَتِهِ بَرَكَةً مِنْ عِنْدِهِ وَرَحْمَةً مِنْ لَدُنْهُ إِنَّهُ هُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَهُوَ الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ. يَا حَيْدَرُ قَبْلَ عَلِيٍّ إِنَّ رَقِيمَتَكَ الأُخْرَى الَّتِي أَرْسَلْتَهَا بِاسْمِ الْجُودِ11 فَازَتْ بِسَاحَةِ الأَقْدَسِ. وَللهِ الْحَمْدُ كَانَتْ مُزَيَّنَةً بِنُورِ التَّوْحِيدِ وَالتَّقْدِيسِ وَمُشْتِعَلَةً بِنَارِ الْمَحَبَّةِ وَالْوِدَادِ. فَاطْلُبْ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَهَبَ لِلأَبْصَارِ قُوَّةً وَيُنَوِّرَهَا بِأَنْوَارٍ جَدِيدَةٍ لَعَلَّهَا تَفُوزُ بِمَا لاَ شَبِيهَ لَهُ وَلاَ مَثِيلَ. إِنَّ آيَاتِ أُمِّ 92 الْكِتَابِ الْيَوْمَ مُشْرِقَةٌ وَلاَئِحَةٌ كَالشَّمْسِ وَلاَ تَشْتَبِهُ قَطُّ بِمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا. إِنَّ الْمَظْلُومَ لاَ يُحِبُّ أَنْ يَسْتَدِلَّ فِي أَمْرِهِ بِمَا ظَهَرَ مِنْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُحِيطُ وَمَا سِوَاهُ مُحَاطٌ. قُلْ يَا قَوْمِ اقْرَؤُا مَا عِنْدَكُمْ وَنَقْرَأُ مَا عِنْدَنَا لَعَمْرُ اللهِ لاَ يُذْكَرُ عِنْدَ ذِكْرِهِ أَذْكَارُ الْعَالَمِ وَمَا عِنْدَ الأُمَمِ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ يَنْطِقُ فِي كُلِّ شَأْنٍ. إِنَّهُ هُوَ اللهُ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ الْمُعْرِضِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ لَمْ يُعْلَمْ بِأَيِّ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ أَعْرَضُوا عَنْ سَيِّدِ الإِمْكَانِ. فَإِنَّ مَقَامَ هَذَا الأَمْرِ فَوْقَ مَقَامِ مَا ظَهَرَ وَيَظْهَرُ. وَلَوْ حَضَرَ الْيَوْمَ نُقْطَةُ الْبَيَانِ وَتَوَقَّفَ فِي التَّصْدِيقِ – وَالْعِيَاذُ بِاللهِ – لَكَانَ مِصْدَاقَاً لِلْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي نُزِّلَتْ مِنْ مَطْلِعِ بَيَانِهِ حَيْثُ قَالَ وَقَوْلُهُ الْحقُّ: حَقٌّ لِمَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ أَنْ يَرُدَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ أَعْلَى مِنْهُ فَوْقَ الأَرْضِ. قُلْ أَيُّهَا الْجُهَلاَءُ إِنَّ حَضْرَتَهُ يَنْطِقُ الْيَوْمَ بِأَنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. فَبِضَاعَةُ عِرْفَانِ النَّاسِ مُزْجَاةٌ وَقُوَّةُ إِدْرَاكِهِمْ ضَعِيفَةٌ. شَهِدَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بِفَقْرِهِمْ وَغَنَاءِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْخَلْقَ وَهُوَ الْحَقُّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. قَدْ نُزِّلَ أُمُّ الْكِتَابِ وَالْوَهَّابُ فِي مَقَامٍ مَحْمُودٍ. قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَالْقَوْمُ لاَ يَفْقَهُونَ. قَدْ أَتَتِ الآيَاتُ وَمُنْزِلُهَا فِي حُزْنٍ مَشْهُودٍ. قَدْ وَرَدَ عَلَيَّ مَا نَاحَ بِهِ الْوُجُودُ. 93 قُلْ يَا يِحْيَى12 فَأتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ ذَا عِلْمٍ رَشِيدٍ. هَذَا مَا نَطَقَ بِهِ مُبَشِّرِي مِنْ قَبْلُ. وَفِي هَذَا الْحِينِ يَقُولُ إِنَّنِي أَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ. أَنْصِفْ يَا أَخِي هَلْ كُنْتَ ذَا بَيَانٍ عِنْدَ أَمْوَاجِ بَحْرِ بَيَانِي وَهَلْ كُنْتَ ذَا نِدَآءٍ لَدَى صَرِيرِ قَلَمِي وَهَلْ كُنْتَ ذَا قُدْرَةٍ عِنْدَ ظُهُورَاتِ قُدْرَتِي. أَنْصِفْ بِاللهِ ثُمَّ اذْكُرْ إِذْ كُنْتَ قَائِمَاً لَدَى الْمَظْلُومِ وَنُلْقِي عَلَيْكَ آيَاتِ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ إِيَّاكَ أَنْ يَمْنَعَكَ مَطْلِعُ الْكَذِبِ عَنْ هَذَا الصِّدْقِ الْمُبِينِ. يَا أَيُّهَا النَّاظِرُ إِلَى الْوَجْهِ قُلْ أَيُّهَا الْعِبَادُ الْغَافِلُونَ قَدْ حُرِمْتُمْ بِقَطْرَةٍ مِنْ بَحْرِ الآيَاتِ الإِلَهِيَّةِ وَمُنِعْتُمْ بِذَرَّةٍ عَنْ تَجَلِيَّاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ الْحَقِيقَةِ. لَوْلاَ الْبَهَاءُ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَمَامَ الْوُجُوهِ أَنْصِفُوا وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الظَّالِمِينَ. بِهِ مَاجَتِ الْبِحَارُ وَظَهَرْتِ الأَسْرَارُ وَنَطَقَتِ الأَشْجَارُ الْمُلْكُ وَالْمَلَكُوتُ للهِ مُنْزِلِ الآيَاتِ وَمُظْهِرِ الْبَيِّنَاتِ. انْظُرُوا إِلَى الْبَيَانِ الْفَارِسِيِّ لِحَضْرَةِ الْمُبَشِّرِ وَطَالِعُوهُ بِبَصَرِ الْعَدْلِ. إِنَّهُ يَهْدِيكُمْ إِلَى صِرَاطٍ يَنْطِقُ فِي هَذَا الْحِينِ بِمَا نَطَقَ لِسَانُهُ مِنْ قَبْلُ إِذْ كَانَ مُسْتَوِيَاً عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ. وَلَقَدْ ذَكَرْتَ أَوْلِيَاءَ تِلْكَ الْجِهَاتِ فِلِلّهِ الْحَمْدُ فَازَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِذِكْرِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. وَلَقَدْ جَرَتْ أَسْمَاءُ الْكُلِّ مِنْ لِسَانِ الْعَظَمَةِ في مَلَكُوتِ الْبَيَانِ. طُوبَى لَهُمْ وَنَعِيمَاً لَهُمْ بِمَا 94 شَرِبُوا رَحِيقَ الْوَحْيِ وَالإِلْهَامِ مِنْ أَيَادِي عَطَآءِ رَبِّهِمِ الْمُشْفِقِ الْكَرِيمِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُوَفِّقَهُمْ عَلَى الاسْتِقَامَةِ الْكُبْرَى. وَيُمِدَّهُمْ بِجُنُودِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. كَبِّرْ مِنْ قِبَلِي عَلَيْهِمْ وَبَشِّرْهُمْ بِمَا أَشْرَقَ وَلاَحَ نَيِّرُ الذِّكْرِ مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ عَطَاءِ رَبِّهِمِ الْغَفُورِ الرَّحِيمِ. وَذَكَرْتَ جَنَابَ حُسَيْن إِنَّا زَيَّنَّا هَيْكَلَهُ بِطِرَازِ الْعَفْوِ وَرَأْسَهُ بِإِكْلِيلِ الْغُفْرَانِ لَهُ أَنْ يُبَاهِي بَيْنَ الأَنَامِ بِهَذَا الْفَضْلِ الْمُشْرِقِ اللاَّئِحِ الْمُبِينِ. قُلْ لاَ تَحْزَنْ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ كَأَنَّهُ وُلِدَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ فِي هَذَا الْحِينِ. قُلْ لِيْسَ لَكَ ذَنْبٌ وَلاَ خَطَأٌ. قَدْ طَهَّرَكَ اللهُ مِنْ كَوْثَرِ بَيَانِهِ فِي سِجْنِهِ الْعَظِيمِ نَسْأَلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُؤَيِّدَكَ عَلَى ذِكْرِهِ وَثَنَائِهِ. وَيُمِدَّكَ بِجُنُودِ الْغَيْبِ إِنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ. ذَكَرْتُمْ أَهْلَ طَار13. إِنَّا أَقْبَلْنَا إِلَى عِبَادِ اللهِ هُنَاكَ وَنُوصِيهِمْ فِي أَوَّلِ الْبَيَانِ بِمَا أَنْزَلَهُ نُقْطَةُ الْبَيَانِ لِهَذَا الظُّهُورِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَسْمَاءِ وَسَقَطَتْ أَصْنَامُ الأَوْهَامِ. وَنَطَقَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ مِنْ أُفُقِهِ الأَعْلَى تَاللهِ قَدْ ظَهَرَ الْكَنْزُ الْمَكْنُونُ وَالسِّرُّ الْمَخْزُونُ الَّذِي بِهِ ابْتَسَمَ ثَغْرُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ: وَقَدْ كَتَبْتُ جَوْهَرَةً فِي ذِكْرِهِ وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يُسْتَشَارُ بِإِشَارَتِي وَلاَ بِمَا ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ. وَنُوصِيهِمْ بِالْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَالأَمَاَنِة وَالدِّيَانَةِ وَمَا تَرْتَفِعُ بِهِ كَلِمَةُ اللهِ وَمَقَاماتُهُمْ بَيْنَ العِبادِ 95 وَأَنَا النَّاصِحُ بِالْعَدْلِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَنْ جَرَى مِنْ قَلَمِهِ فُرَاتُ الرَّحْمَةِ وَمِنْ بَيَانِهِ كَوْثَرُ الْحَيَوَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ. تَعَالَى هَذَا الْفَضْلُ الأَعْظَمُ وَتَبَاهَى هَذَا الْعَطَآءُ الْمُبِينُ. يَا أَهْلَ طَارَ اسْمَعُوا نِدَآءَ الْمُخْتَارِ إِنَّهُ يُذَكِّرُكُمْ بِمَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِنَّهُ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ مِنْ سِجْنِ عَكَّاءَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مَا تَبْقَى بِهِ أَذْكَارُكُمْ وَأَسْمَاؤُكُمْ فِي كِتَابٍ لاَ يَأْخُذُهُ الْمَحْوُ وَلاَ تُبَدِّلُهُ شُبُهَاتُ الْمُعْرِضِينَ. ضَعُوا مَا عِنْدَ الْقَوْمِ وَخُذُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. هَذَا يَوْمٌ فِيهِ تُنَادِي سِدْرَةُ الْمُنْتَهَى وَتَقُولُ يَا قَوْمِ انْظُرُوا أَثْمَارِي وَأَوْرَاقِي ثُمَّ اسْتَمِعُوا حَفِيفِي إِيَّاكُمْ أَنْ تَمْنَعَكُمْ شُبُهَاتُ الْقَوْمِ عَنْ نُورِ الْيَقِينِ وَبَحْرُ الْبَيَانِ يُنَادِي وَيَقُولُ يَا أَهْلَ الأَرْضِ انْظُرُوا إِلَى أَمْوَاجِي وَمَا ظَهَرَ مِنِّي مِنْ لآلِئِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَكُونُوا مِنْ الْغَافِلِينَ. لَقَدْ قَامَ الْيَوْمَ عِيدٌ عَظِيمٌ فِي الْمَلأِ الأَعْلَى إِذْ ظَهَرَ كُلُّ مَا وُعِدَ بِهِ فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ. وَهُوَ يَوْمُ الْفَرَحِ الأَكْبَرِ. يَجِبُ عَلَى الْكُلِّ أَنْ يَقْصِدُوا بِسَاطَ الْقُرْبِ بِكَمَالِ الْفَرَحِ وَالنَّشَاطِ وَالسُّرُورِ وَالانْبِسَاطِ. وَيُنَجُّوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ نَارِ الْبُعْدِ. يَا أَهْلَ طَارَ خُذُوا بِقُوِّةِ اسْمِي الأَعْظَمْ كُؤُوسَ الْعِرْفَانِ. ثُمَّ اشْرَبُوا مِنْهَا رَغْمَاً لأَهْلِ الإِمْكَانِ الَّذِينَ نَقَضُوا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَأَنْكَرُوا حُجَّتَهُ وَبُرْهَانَهُ وَجَادَلُوا بِآيَاتِهِ الَّتِي أَحَاطَتْ 96 عَلَى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. يُشَاهَدُ الْمُعْرِضُونَ مِنْ أَهْلِ الْبَيَانِ بِمَثَابَةِ حِزْبِ الشِّيعَةِ. وَيَمْشُونَ عَلَى قَدَمِهِمْ. ذَرُوهُمْ فِي أَوْهَامِهِمْ وَظُنُونِهِمْ إِنَّهُمْ مِنَ الأَخْسَرِينَ فِي كِتَابِ اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. فَجَمِيعُ عُلَمَآءِ الشِّيعَةِ مُشْتَغِلُونَ الآنَ عَلَى الْمَنَابِرِ بِسَبِّ الْحَقِّ وَلَعْنِهِ فَسُبْحَانَ اللهِ إِنَّ دَوْلَتْ آبَادِي14 أَصْبَحَ أَيْضَاً مُتَابِعَاً لِهَؤُلاَءِ فَارْتَقَى عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَكَلَّمَ بِمَا صَاحَ بِهِ اللَّوْحُ وَنَاحَ الْقَلَمُ. تَفَكَّرُوا فِي عَمَلِهِ وَعَمَلِ أَشْرَفَ15عَلَيْهِ بَهَائِي وَعِنَايَتِي. وَكَذَلِكَ تَفَكَّرُوا فِي الأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ قَصَدُوا بِهَذَا الاسْمِ مَقَرَّ الْفِدَآءِ وَأَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ فِي سَبِيلِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ. فَالأَمْرُ ظَاهِرٌ وَلاَئِحٌ كَالشَّمْسِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ صَارُوا حِجَابَ أَنْفُسِهِمْ. نَسْأَلُ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَهُمْ عَلَى الرُّجُوعِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. يَا أَهْلَ طَارَ إِنَّا نُكَبِّرُ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ عَلَى وُجُوهِكُمْ وَنَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَسْقِيكُمْ رَحِيقَ الاسْتِقَامَةِ مِنْ أَيَادِي عَطَائِهِ إِنَّهُ هُوَ الْفَيَّاضُ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ. دَعُوا غَيْرَ الْبَالِغِينَ مِنَ الأَنَامِ الَّذِينَ يَتَحَرَّكُونَ بِالْهَوَى وَيَتَشَبَّثُونَ بِمَطَالِعِ الأَوْهَامِ. إِنَّهُ مُؤَيِّدُكُمْ وَمُعِينُكُمْ. إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشَآءُ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْفَرْدُ الْوَاحِدُ الْعَزِيزُ الْعَظِيمُ. الْبَهَآءُ مِنْ لَدُنّا عَلَى الَّذِينَ أَقْبَلُوا إِلَى مَشْرِقِ الظُّهُورِ وَأَقَرُّوا وَاعْتَرَفُوا بِمَا نَطَقَ بِهِ لِسَانُ الْبَيَانِ فِي مَلَكُوتِ الْعِرْفَانِ فِي 97 هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ. _______________ (1) ميرزا حيدر علي هو المبلّغ المشهور والمؤلّف البارز أمضى تسعة أعوام منفيّاً وسجيناً في مدينة الخرطوم، قام بأسفار متتالية وواسعة النّطاق في أنحاء إيران وصعد إلى الملكوت الأبهى عام 1920 في الأراضي المقدسة، له «دلائل العرفان» و«بهجة الصّدور» و«كتاب سيرة أبي الفضائل». (2) القرآن الكريم سورة سبأ الآية 13. (3) حضرة الرّوح هو عيسى ابن مريم عليه السّلام. (4) الحكيم السّبزواري هو الحاج ملاّ هادي السّبزواري الفيلسوف والشّاعر الشّهير عاصر بهاءالله، توفي عام 1873. (5) سيّد مدينة التّدبير والإنشاء هو ميرزا أبو القاسم فراهاني الملقب بقائم مقام كان عالماً وشاعراً شهيراً إبّان عهد فتح علي شاه القاجاري وكان صديقاً لميرزا بزرك والد بهاءالله، ثمّ أصبح رئيساً للوزراء عام 1821، وفي عام 1825 حكم عليه بالموت بأمر من محمد شاه القاجاري بتحريض من الحاج ميرزا آغاسي الذي كان رئيس الوزراء آنذاك. (6) القرآن الكريم سورة الحشر الآية 9. (7) الأفنان هم المنتمون إلى أسرة حضرة الباب. (8) الأمين هو أيادي أمرالله الحاج أبو الحسن أردكاني أمين حقوق الله. (9) نبيل ابن نبيل هو الشّيخ محمد علي القزويني أحد الأحبّاء المخلصين. (10) سمندر هو الشّيخ محمد كاظم القزويني أحد المبلّغين البارزين له «تاريخ سمندر». (11) اسم الجود هو محمد جواد القزويني الذي منحه بهاءالله لقب «اسم الله الجود». نسخ العديد من ألواح بهاءالله حين نزولها، لكنّه نقض العهد بعد صعود بهاءالله (راجع God Passes By لحضرة شوقي أفندي ربّاني الصفحة 247، 319). (12) يحيى هو الميرزا يحيى الملقب ﺒ«أزل» أخ بهاءالله غير الشّقيق. (13) طار قرية واقعة في محافظة أصفهان. (14) راجع الهامش الثّالث من الصفحة 61. (15) ميرزا أشرف أحد الأحبّاء الأوفياء، استشهد في سبيل الأمر المبارك بمدينة أصفهان في عهد بهاءالله (راجع God Passes By ص210). 98 لَوْحُ الدُّنْيَا 99صفحة خاليةبِسْمِيَ النَّاطِقِ فِي مَلَكُوتِ الْبَيَانِ حَمْدَاً وَثَنَآءً للهِ الَّذِي يَلِيقُ بِهِمَا وَحْدَهُ وَالْمُتَفَرِّدُ بِسُلْطَانِهِ الْمُبِينِ وَالَّذِي زَيَّنَ السِّجْنَ الْمَتِينَ بِحُضُورِ حَضْرَةِ عَلِيِّ قَبْلَ أَكْبَر1 وَحَضْرَةِ أَمِين2وَطَرَّزَهُ بِأَنْوَارِ الإِيقَانِ وَالاسْتِقَامَةِ وَالاطْمِئْنَانِ عَلَيْهِمَا بَهَاءُ اللهِ وَبَهَآءُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. النُّورُ وَالْبَهَآءُ وَالتَّكْبِيرُ وَالثَّنَاءُ عَلَى أَيَادِي أَمْرِهِ الَّذِينَ بِهِمْ أَشْرَقَ نُورُ الاصْطِبَارِ وَثَبَتَ حُكْمُ الاخْتِيَارِ للهِ الْمُقْتَدِرِ الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ. وَبِهِمْ مَاجَ بَحْرُ الَعَطَآءِ وَهَاجَ عَرْفُ عِنَايَةِ اللهِ مَوْلَى الْوَرَى. نَسْأَلُهُ تَعَالَى أَنْ يَحْفَظَهُمْ بِجُنُودِهِ وَيَحْرُسَهُمْ بِسُلْطَانِهِ وَيَنْصُرَهُمْ بِقُدْرَتِهِ الَّتِي غَلَبَتِ الأَشْيَآءَ. الْمُلْكُ للهِ فَاطِرِ السَّمآءِ وَمَالِكِ مَلَكُوتِ الأَسْمآءِ. يَقُولُ النَّبَأُ الْعَظِيمُ يَا أَصْحَابَ إِيرَانَ كُنْتُمْ مَشَارِقَ الرَّحْمَةِ وَمَطَالِعَ الشَّفَقَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَكَانَتْ آفَاقُ الْوُجُودِ مُنَوَّرَةً وَمُزَيَّنَةً بِنُورِ عَقْلِكُمْ وَعِلْمِكُمْ. فَمَا بَالُكُمْ أَلْقَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَأَحْبَابَكُمْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ. يَا أَفْنَانِي عَلَيْكَ بَهَائِي وَعِنَايَتِي إِنَّ خَيْمَةَ الأَمْرِ الإِلَهِيِّ عَظِيمَةٌ وَلَمْ 101 تَزَلْ تَبْقَى مُظَلِّلَةً عَلَى جَمِيعِ أَحْزَابِ الْعَالَمِ. إِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُكُمْ وَأَلْفُ لَوْحٍ شَاهِدٌ لَكُمْ. قُومُوا عَلَى نُصْرَةِ الأَمْرِ وَسَخِّرُوا قُلُوبَ أَهْلِ الْعَالَمِ وَأَفْئِدَتَهُمْ بِجُنُودِ الْبَيَانِ. يَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ مِنْكُمْ مَا هُوَ السَّبَبُ لِرَاحَةِ بُؤَسَآءِ الأَرْضِ وَاطْمِئْنَانِهِمْ. شُدُّوا أَزْرَ الْهِمَّةِ عَسَى أَنْ يَتَحَرَّرَ الْعِبَادُ مِنَ الأَسْرِ وَيَنَالُوا الْحُرِيَّةَ. قَدِ ارْتَفَعَ الْيَوْمَ أَنِينُ الْعَدْلِ وَحَنِينُ الإِنْصَافِ وَأَحَاطَ الْعَالَمَ وَالأُمَمَ دُخَانُ الظُّلْمِ الْقَاتِمُ. قَدْ نُفِخَتْ بِحَرَكَةٍ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى رُوحٌ جَدِيدَةٌ لِلْمَعَانِي فِي أَجْسَادِ الأَلْفَاظِ بِأَمْرٍ مِنَ الآمِرِ الْحَقِيقِيِّ. وَآثَارُهَا ظَاهِرَةٌ لاَئِحَةٌ فِي جَمِيعِ أَشْيَاءِ الْعَالَمِ. هَذِهِ هِيَ الْبِشَارَةُ الْعُظْمَى الَّتِي جَرَتْ مِنْ قَلَمِ هَذَا الْمَظْلُومِ. قُلْ يَا أَيُّهَا الأَحِبَّآءُ لِمَ الْخَوْفُ وَمِمَّنِ الرُّعْبُ. كَانَتِ طِفَالُ هَذِهِ الأَرْضِ وَلَمْ تَزَلْ تَتَلاَشَى بِأَقَلِّ رُطُوبَةٍ. فَنَفْسُ الاجْتِمَاعِ هُوَ عِلَّةُ تَفْرِيقِ النُّفُوسِ الْمَوْهُومَةِ. النِّزَاعُ وَالْجِدَالُ شَأْنُ سِبَاعِ الأَرْضِ. لَقَدْ عَادَتْ سُيُوفُ الْبَابِيِّينَ الشَّاحِذَةُ إِلَى أَغْمَادِهَا بِمَدَدٍ مِنَ اللهِ الْبَارِئِ وَبِالأَقْوَالِ الطَّيِّبَةِ وَالأَعْمَالِ الْحَمِيدَةِ. لَمْ يَزَلِ الأَخْيَارُ امْتَلَكُوا حَدَائِقَ الْوُجُودِ بِالْبَيَانِ. قُلْ يَا أَيُّهَا الأَحِبَّآءُ لاَ تَدَعُوا زِمَامَ الْحِكْمَةِ يَفْلِتُ مِنْ أَيْدِيكُمْ. أَصْغُوْا إِلَى نَصَائِحِ الْقَلَمِ الأَعْلَى بِآذَانٍ وَاعِيَةٍ. يَجِبُ أَنْ يَسْلَمَ عُمُومُ أَهْلِ الْعَالَمِ مِنْ ضَرِّ أَيْدِيكُمْ وَأَلْسُنِكُمْ. قَدْ نُزِّلَ فِي 102 الكِتَابِ الأَقْدَسِ فِي مَا يَخْتَصُّ بِأَرْضِ الطَّآءِ مَا هُوَ سَبَبُ انْتِبَاهِ جَمِيعِ الْبَشَرِ. لَقَدْ اغْتَصَبَ ظَالِمُو الْعَالَمِ حُقُوقَ الأُمَمِ وَكَانُوا وَلاَ يَزَالُونَ مُنْهَمِكِينَ فِي مُشْتَهَيَاتِ أَنْفُسِهِمْ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ. فَسَالَتْ عَبَرَاتُ عُيُونِ الْمَلأِ الأَعْلَى دَمَاً لِمَا ظَهَرَ مِنْ ظَالِمِ أَرْضِ الْيَاءِ3. يَا أَيُّهَا الشَّارِبُ رَحِيقَ بَيَانِي وَالنَّاظِرُ إِلَى أُفُقِ ظُهُورِي تُرَى مَا بَالُ أَهْلِ إِيرَانَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُم سَابِقٌ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ تَرَاهُمُ الْيَوْمَ أَحَطَّ أَحْزَابِ الْعَالَمِ جَمْعَآءَ. يَا قَوْمِ لاَ تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ فُيُوضَاتِ الْفَيَّاضِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الْمُنِيرِ. لَقَدْ هَطَلَتِ الْيَوْمَ مِنْ سَحَابِ رَحْمَةِ الرَّحْمَنِ أَمْطَارُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. طُوبَى لِمَنْ أَنْصَفَ فِي الأَمْرِ وَوَيْلٌ لِلظَّالِمِينَ. يَشْهَدُ الْيَوْمَ كُلُّ نَبِيهٍ بِأَنَّ الْبَيَانَاتِ النَّازِلَةَ مِنْ قَلَمِ هَذَا الْمَظْلُومِ هِيَ الْعِلَّةُ الْعُظْمَى لِرَفْعِ شَأْنِ الْبَشَرِ وَارْتِقَاءِ الأُمَمِ. قُلْ يَا أَيُّهَا الْقَوْمُ انْصُرُوا أَنْفُسَكُمْ بِقُوَّةٍ مَلَكُوتِيَّةٍ لَعَلَّ الأَرْضَ تَتَطَهَّرُ مِنْ أَصْنَامِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ الَّتِي هِيَ حَقَّاً عِلَّةُ خُسْرَانِ الْعِبَادِ الْمَسَاكِينِ وَذُلِّهِم. وَلَقَدْ حَالَتْ هَذِهِ الأَصْنَامُ دُونَ سُمُوِّ النَّاسِ وَارْتِقَائِهِمْ. يُرْجَى أَنْ تُخَلِّصَ يَدُ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ النَّاسَ مِنْ الذِّلَّةِ الْكُبْرَى بِعَوْنِهِ وَمَدَدِهِ. وَقَدْ نُزِّلَ فِي أَحَدِ الأَلْوَاحِ: يَا حِزْبَ اللهِ لاَ تَنْهَمِكُوا فِي شُؤُونِ أَنْفُسِكُمْ بَلْ فَكِّرُوا فِي إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَتَهْذِيبِ الأُمَمِ. 103 لَمْ يَزَلْ كَانَ إِصْلاَحُ الْعَالَمِ بِالأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ الطَّاهِرَةِ وَالأَخْلاَقِ الرَّاضِيَةِ الْمَرْضِيَّةِ. إِنَّ نَاصِرَ الأَمْرِ هُوَ الأَعْمَالُ وَمُعِينَهُ الأَخْلاَقُ. يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ تَمَسَّكُوا بِتَقْوَى اللهِ هَذَا مَا حَكَمَ بِهِ الْمَظْلُومُ وَاخْتَارَهُ الْمُخْتَارُ. أَيُّهَا الأَحِبَّآءُ يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَنْتَعِشُوا وَتَنْشَطُوا مِنْ شَآبِيبِ نَيْسَانِ الإِلَهِيِّ فِي هَذَا الرَّبِيعِ الرُّوحَانِيِّ. لَقَدْ سَطَعَ شُعَاعُ شَمْسِ الْعَظَمَةِ وَأَوْرَفَ ظِلُّ سَحَابِ الْعَطَآءِ, هَنِيئَاً لِمَنْ لَمْ يَحْرِمْ نَفْسَهُ وَعَرَفَ الْحَبِيبَ فِي هَذَا الْقَمِيصِ. قُلْ إِنَّ الشَّيَاطِينَ مُتَرَصِّدُونَ فِي كَمَائِنِهِمْ. انْتَبِهُوا وَحَرِّرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ الظُّلْمَةِ بِنُورِ الاسْمِ الْبَصِيرِ. وَلِتَكُنْ نَظْرَتُكُمْ شَامِلَةً لِلْعَالَمِ لاَ أَنْ تَنْحَصِرَ فِي نُفُوسِكُمْ. إِنَّ الشَّيَاطِينَ هُمْ أُنَاسٌ يَمْنَعُونَ الْعِبَادَ مِنْ إِعْلاَءِ شُؤُونِهِمْ وَيَحُولُونَ دُونَ ارْتِقَآءِ مَقَامَاتِهِمْ. الْيَوْمَ مِنَ الْوَاجِبِ وَاللاَّزِمِ عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِمَا هُوَ السَّبَبُ لِعُلُوِّ شَأْنِ الدَّوْلَةِ الْعَادِلَةِ وَرَفْعِ مُسْتَوَى الأُمَّةِ. وَقَدْ فَتَحَ الْقَلَمُ الأَعْلَى فِي كُلِّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ أَبْوَابَ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ. قُلْنَا وَقَوْلُنَا الْحَقُّ عَاشِرُوا مَعَ الأَدْيَانِ كُلِّهَا بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحَانِ. فَمِنْ هَذَا الْبَيَانِ زَالَ مَا كَانَ سَبَبَاً لِلتَّجَانُبِ وَعِلَّةً لِلتَّفْرِقَةِ وَالاخْتِلاَفِ. وَقَدْ نُزِّلَ مِنْ أَجْلِ رُقِيِّ النُّفُوسِ وُعُلُوِّ شَأْنِهِمْ مَا هُوَ الْبَابُ الأَعْظَمُ لِتَرْبِيَةِ أَهْلِ الْعَالَمِ. إِنَّ مَا نُزِّلَ فِي هَذَا 104 الظُّهُورِ الأَعْظَمِ مِنْ سَمَآءِ مَشِيئَةِ مَالِكِ الْقِدَمِ هُوَ سُلْطَانُ مَا ظَهَرَ مِنْ أَلْسُنِ الْمِلَلِ الأُولَى وَأَقْلاَمِهِمْ. وَلَقَدْ قِيلَ سَابِقَاً حُبُّ الْوَطَنِ مِنَ الإِيمَانِ وَنَطَقَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ فِي يَوْمِ الظُّهُورِ لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. فَعَلَّمَ طُيورَ الأَفْئِدَةِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْعَالِيَاتِ طَيَرَانَاً جَدِيدَاً وَمَحَا التَّحْدِيدَ وَالتَّقْلِيدَ مِنَ الْكِتَابِ. إِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ قَدْ مَنَعَ حِزْبَ اللهِ عَنِ الْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ وَالتَّخَلُّقِ بِالأَخْلاَقِ الْمَرْضِيَّةِ الرُّوحَانِيَّةِ. إِنَّ الْجُنُودَ الَّتِي تَنْصُرُ الأَمْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ هِيَ الأَعْمَالُ وَالأَخْلاَقُ طُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمَا وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ. يَا حِزْبَ اللهِ أُوصِيكُمْ بِالأَدَبِ فَهُوَ سَيِّدُ الأَخْلاَقِ فِي الرُّتْبَةِ الأُولَى. طُوبَى لِنَفْسٍ تَنَوَّرَتْ بِنُورِ الأَدَبِ وَتَزَيَّنَتْ بِطِرَازِ الصِّدْقِ. فَصَاحِبُ الأَدَبِ صَاحِبُ مَقَامٍ عَظِيمٍ. وَالأَمَلُ أَنْ يَفُوزَ بِهِ هَذَا الْمَظْلُومُ وَالْجَمِيعُ وَأَنْ نَتَمَسَّكَ وَنَتَشَبَّثَ بِهِ وَنَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ. هَذَا هُوَ الْحُكْمُ الْمُحْكَمُ الَّذِي نَزَلَ وَجَرَى مِنْ قَلَمِ الاسْمِ الأَعْظَمِ، الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ ظُهُورِ لآلِئِ الاسْتِقَامَةِ مِنْ مَعْدِنِ الإِنْسَانِ، يَا حِزْبَ الْعَدْلِ عَلَيْكُمْ أَنْ تُضِيئُوا كَالنُّورِ وَتَشْتَعِلُوا كَنَارِ السِّدْرَةِ. فَنَارُ الْمَحَبَّةِ هَذِهِ تَجْمَعُ الأَحْزَابَ الْمُخْتَلِفَةَ عَلَى بِسَاطٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا نَارُ الْبَغْضَاءِ فَهِيَ سَبَبُ الْجِدَالِ وَعِلَّةُ التَّفْرِيقِ. 105 نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَ عِبَادَهُ مِنْ شَرِّ أَعْدَائِهِ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. إِنَّ الْحَقَّ جَلَّ جَلاَلُهُ قَدْ فَتَحَ وللهِ الْحَمْدُ أَبْوَابَ الْقُلُوبِ وَالأَفْئِدَةِ بِمِفْتَاحِ الْقَلَمِ الأَعْلَى وَإِنَّ كُلَّ آيَةٍ مِنْ آيَاتِهِ الْمُنْزَلَةِ هِيَ بَابٌ مُبِينٌ لِظُهُورِ الأَخْلاَقِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالأَعْمَالِ الْمُقَدَسَّةِ وَلاَ يَخْتَصُّ هَذَا النِّدَآءُ وَهَذَا الذِّكْرُ بِمَمْلَكَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ. عَلَى أَهْلِ الْعَالَمِ طُرَّاً أَنْ يَتَمَسَّكُوا بِمَا ظَهَرَ وَنَزَلَ كَيْ يَفُوزُوا بِالْحُرِّيَّةِ الْحَقَّةِ. إِنَّ الْعَالَمَ تَنَوَّرَ بِأَنْوَارِ نَيِّرِ الظُّهُورِ. إِذْ إِنَّ حَضْرَةَ الْمُبَشِّرِ رُوحُ مَا سِوَاهُ فِدَاهُ بَشَّرَ بِرُوحٍ جَدِيدَةٍ فِي سَنَةِ السِّتِّينَ (1260 هجرية) وَفِي سَنَةِ الثَّمَانِينَ (1280 هجرية) فَازَ الْعَالَمُ بِنُورٍ جَدِيدٍ وَرُوحٍ بَدِيعَةٍ. وَالآنَ غَدَا أَكْثَرُ أَهْلِ الْبُلْدَانِ مُسْتَعِدِّينَ لِلإِصْغَآءِ إِلَى الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا الَّتِي أُنِيطَ بِهَا بَعْثُ النَّاسِ وَحَشْرُهُمْ جَمِيعَاً. وَجَاءَ فِي الصَّحِيفَةِ الْحَمْرَآءَ الَّتِي نُزِّلَتْ فِي سِجْنِ عَكَّاءَ مَا هُوَ سَبَبُ رُقِيِّ الْعِبَادِ وَعَمَارُ الْبِلاَدِ. مِنْ جُمْلَةِ مَا جَاءَ فِيهَا مِنْ قَلَمِ مَالِكِ الإِمْكَانِ هَذِهِ الْبَيَانَاتِ: إِنَّ الأَسَاسَ الأَعْظَمَ الَّذِي أُنِيطَتْ بِهِ إِدَارَةُ الْعَالَمِ الإِنْسَانِيِّ هُوَ: أَوَّلاً – يَجِبُ عَلَى وُزَرَآءِ بَيْتِ الْعَدْلِ أَنْ يُحَقِّقُوا الصُّلْحَ الأَكْبَرَ حَتَّى يَرْتَاحَ الْعَالَمُ وَيَتَخَلَّصَ مِنَ الْمَصَارِيفِ الْبَاهِظَةِ. وَهَذَا الأَمْرُ وَاجِبٌ وَضَرُورِيٌّ لأَنَّ الْحَرْبَ وَالنِّزَاعَ هُمَا أَسَاسُ التَّعَبِ وَالْمَشَقَّةِ. 106 ثَانِيَاً – يَجِبُ أَنْ تَنْحَصِرَ اللُّغَاتُ فِي لُغَةٍ وَاحِدَةٍ وَتُدَرَّسَ فِي مَدَارِسِ الْعَالَمِ. ثَالِثَاً – يَجِبُ أَنْ يَتَشَبَّثُوا بِأَسْبَابٍ تُوجِدُ الأُلْفَةَ وَالْمَحَبَّةَ وَالاتِّحَادَ. رَابِعَاً – عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ قَاطِبَةً أَنْ يُودِعُوا قِسْطَاً مِمَّا يَحْصُلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَالِ عَنْ طَرِيقِ اشْتِغَالِهِمْ بِالتِّجَارَةِ وَالزِّرَاعَةِ وَالأُمُورِ الأُخْرَى لَدَى أَمِينٍ لِصَرْفِهِ فِي أَمْرِ تَرْبِيَةِ الأَطْفَالِ وَتَعْلِيمِهِمْ وَذَلِكَ بِإشْرَافِ أُمَنَآءِ بَيْتَ الْعَدْلِ. خَامِسَاً – الاعْتِنَآءُ الْكَامِلُ بِأَمْرِ الزِّرَاعَةِ وَهَذِهِ الْفِقْرَةُ وَلَوْ أَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي الرُّتْبَةِ الْخَامِسَةِ وَلَكِنَّ فِي الْوَاقِعِ لَهَا الْمَقَامُ الأَوَّلُ. وَيُلاَحَظُ تَقَدُّمٌ مَلْمُوسٌ فِي هَذَا الأَمْرِ فِي الْمَمَالِكِ الأَجْنَبِيَّةِ. بَيْدَ أَنَّ أَمْرَهَا فِي إِيرَانَ مَا زَالَ مُعَوَّقَاً وَالأَمَلُ أَنْ يَعْتَنِيَ السُّلْطَانُ أَيَّدَهُ اللهُ بِهَذَا الأَمْرِ الْعَظِيمِ الْخَطِيرِ. وَقُصَارَى الْقَوْلِ إِنَّهُمْ لَوْ يَتَمَسَّكُونَ بِمَا نُزِّلَ فِي الصَّحِيفَةِ الْحَمْرَاءِ لَيَرونَ أَنْفُسَهُمْ فِي غِنَىً عَنْ قَوَانِينِ الْعَالَمِ. وَلَقَدْ كَرَّرَ الْقَلَمُ الأَعْلَى بَعْضَ الأُمُورِ عَسَى أَنْ يَتَمَكَّنَ مَشَارِقُ الْقُدْرَةِ وَمَطَالِعُ الْعِزَّةِ الإِلَهِيَّةِ مِنْ إِجْرَائِهَا فِي وَقْتٍ مِنَ الأَوْقَاتِ. إِذَا مَا وُجِدَ طَالِبٌ كُشِفَ لَهُ لِوَجْهِ اللهِ مَا ظَهَرَ مِنَ الْمَشِيئَةِ الْمُطْلَقَةِ النَّافِذَةِ. وَلَكِنْ أَيْنَ الطَّالِبُ وَأَيْنَ السَّائِلُ وَأَيْنَ الْعَادِلُ وَأَيْنَ 107 الْمُنْصِفُ فَفِي كُلِّ يَوْمٍ نَارُ ظُلْمٍ مُشْتَعِلَةٌ وَسَيْفُ اعْتِسَافٍ مَسْلُولٌ. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّ وُجَهَآءَ إِيرَانَ وَنُجَبَاءَهَا الْعِظَامَ يَفْتَخِرُونَ بِالأَخْلاَقِ الْهَمَجِيَّةِ وَالْحَيْرَةُ كُلُّ الْحَيْرَةِ مِنْ هَذِهِ الْقِصَصِ. يَحْمَدُ هَذَا الْمَظْلُومُ مَالِكَ الأَنَامِ وَيَشْكُرُهُ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ. إِذْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَوَاعِظَ وَالنَّصَائِحَ قَدْ أَثَّرَتْ فِي أَخْلاقِ هَذَا الْحِزْبِ وَأَطْوَارِهِ الَّتِي فَازَتْ بِمَرْتَبَةِ الْقَبُولِ بِحَيْثُ ظَهَرَ مِنْ هَذَا الْحِزْبِ مَا تَنَوَّرَتْ بِهِ عَيْنُ الْعَالَمِ وَهُوَ شَفَاعَةُ الأَحِبَّآءِ لأَعْدَائِهِمْ لَدَى الأُمَرَآءِ. فَالْعَمَلُ الصَّالِحُ شَاهِدٌ عَلَى صِدْقِ الْقَوْلِ. وَالأَمَلُ أَنَّ الأَخْيَارَ يُضِيئُونَ الْعَالَمَ بِنُورِ أَعْمَالِهِمْ. نَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يُؤَيِّدَ الْكُلَّ عَلَى الاسْتِقَامَةِ عَلَى حُبِّهِ وَأَمْرِهِ فِي أَيَّامِهِ إِنَّهُ وَلِيُّ الْمُخْلِصِينَ وَالْعَامِلِينَ. يَا حِزْبَ اللهِ إِنَّ الْقَلَمَ الأَعْلَى كَشَفَ الْعَوَالِمَ وَوَهَبَ الأَبْصَارَ نُورَاً حَقِيقِيَّاً بَيْدَ أَنَّ مُعْظَمَ الإِيرَانِيِّينَ مَا زَالُوا مَحْرُومِينَ مِنَ الْبَيَانَاتِ النَّافِعَةِ وَالْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْمُبَارَكَةِ. وَقَدْ نُزِّلَتْ بِالأَمْسِ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلِى خِصِّيصَاً لأَحَدِ الأَوْلِيَآءِ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا لَعَلَّ الْمُعْرِضِينَ يَفُوزُونَ بِالإِقْبَالِ وَيُدْرِكُونَ غَوَامِضَ أُصُولِ الْمَسَائِلِ الإِلَهِيَّةِ وَيَعُوهَا. إِنَّ الْمُعْرِضِينَ وَالْمُنْكِرِينَ مُتَمَسِّكُونَ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ: الأُولَى «فَضَرْبُ الرِّقَابِ» وَالثَّانِيَةُ «إِحْرَاقُ الْكُتُبِ» وَالثَّالِثَةُ 108 «الاجْتِنَابُ عَنِ الْمِلَلِ الأُخْرَى» وَالرَّابِعَةُ «إِفْنَاءُ الأَحْزَابِ». وَقَدْ أُزِيلَتِ الآنَ هَذِهِ السُّدُودُ الْعَظِيمَةُ الأَرْبَعَةُ بِفَضْلِ الْكَلِمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَاقْتِدَارِهَا وَانْطَمَسَتْ هَذِهِ الأَحْكَامُ الأَرْبَعَةُ الْمُبَيَّنَةُ مِنَ اللَّوْحِ. فَتَبَدَّلَتِ الصِّفَاتُ الْوَحْشِيَّةُ إِلَى النُّعُوتِ الرُّوحَانِيَّةِ جَلَّتْ إِرَادَتُهُ وَجَلَّتْ قُدْرَتُهُ وَعَظُمَ سُلْطَانُهُ. فَاسْأَلُوا اللهَ جَلَّ جَلالُهُ وَنَسْأَلُهُ أَنْ يَهْدِيَ حِزْبَ الشِّيعَةِ وَيُخَلِّصَهُمْ مِنَ الصِّفَاتِ غَيْرَ اللاَّئِقَةِ. وَتَجْرِي مِنْ لِسَانِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَلِكَ الْحِزْبِ فِي كُلِّ يَوْمٍ كَلِمَةُ «اللَّعْنَةِ». وَبَاتَتْ كَلِمَةُ «الْمَلْعُونِ» مِمَّا يَتَغَذَّونَ بِهِ كُلَّ يَوْمٍ. إِلَهِي إِلَهِي تَسْمَعُ حَنِينَ بَهَائِكَ وَصَرِيخَهُ فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ وَتَعْلَمُ أَنَّهُ مَا أَرَادَ لِنَفْسِهِ أَمْرَاً بَلْ أَرَادَ تَقْدِيسَ نُفُوسِ عِبَادِكَ وَنَجَاتَهِمْ عَنْ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الَّتِي أَحَاطَتْهُمْ فِي كُلِّ الأَحْيَانِ أَيْ رَبِّ قَدْ ارْتَفَعَتْ أَيَادِي الْمُقَرَّبِينَ إِلَى سَمَآءِ جُودِكَ وَالْمُخْلِصِينَ إِلَى هَوَاءِ عَطَائِكَ. أَسْأَلُكَ أَنْ لاَ تُخَيِّبَهَا عَمَّا أَرَادُوا مِنْ بَحْرِ عَطَائِكَ وَسَمَآءِ فَضْلِكَ وَشَمْسِ جُودِكَ. أَيْ رَبِّ أَيِّدْهُمْ عَلَى آدَابٍ تَرْتَفِعُ بِهَا مَقَامَاتُهُمْ بَيْنَ الأَحْزَابِ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ. يَا حِزْبَ اللهِ أَنْصِتُوا إِلَى مَا يَكُونُ الإِصْغَآءُ إِلَيْهِ سَبَبَاً لِتَحَرُّرِ الْجَمِيعِ 109 وَاطْمِئْنَانِهِمْ وَرَاحَتِهِمْ وَعُلُوِّهِمْ وَسُمُوِّهِمْ. وَقَدْ بَاتَ وُجُودُ قَانُونٍ وَأُصُولٍ لإِيرَانَ ضَرُورِيَّاً، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِمُوجِبِ إِرَادَةِ حَضْرَةِ السُّلْطَانِ أَيَّدَهُ اللهُ وَحَضَرَاتِ الْعُلَمَآءِ الأَعْلاَمِ وَالأُمَرَآءِ الْعِظَامِ. وَيَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ بِاطِّلاَعِهِمْ مَقَرٌّ يَجْتَمِعُ فِيهِ هَؤُلآءِ وَيَتَمَسَّكُونَ بِحَبْلِ الْمَشُورَةِ وَيُقِرُّونَ مَا هُوَ السَّبَبُ فِي أَمْنِ الْعِبَادِ وَنِعْمَتِهِمْ وَثَرْوَتِهِمْ وَاطْمِئْنَانِهِمْ. وَيُنَفِذُّونَ مَا يُقِرُّونَهُ. فَإِذَا جَرَى الأَمْرُ بِغَيْرِ هَذَا التَّرْتِيبِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى الاخْتِلاَفِ وَالْفَوْضَى. وَفِي أُصُولِ الأَحْكَامِ الَّتِي سَبَقَ نُزُولُهَا فِي الكِتَابِ الأَقْدَسِ وَسَائِرِ الأَلْوَاحِ قَدْ أُحِيلَتْ الأُمُورُ إِلَى الْمُلُوكِ وَالرُّؤَسَاءِ الْعَادِلِينَ وَأُمَنَآءِ بَيْتِ الْعَدْلِ. وَيَرَى الْمُنْصِفُونَ وَالْمُتَبَصِّرُونَ بَعْدَ التَّمَعُّنِ فِي مَا ذُكِرَ إِشْرَاقَ نِيِّرِ الْعَدْلِ بِالْبَصَرِ وَالْبَصِيرَةِ. وَيَبْدُو أَنَّ مَا تَتَمَسَّكُ بِهِ الأُمَّةُ الإِنْجِلِيزِيَّةُ فِي لُنْدُنْ مُسْتَحْسَنٌ إِذْ إِنَّهَا مُزَيَّنَةٌ بِكِلاَ النُّورَيْنِ: الْمَلَكِيَّةِ وَاسْتِشَارَةِ الأُمَّةِ. وُضِعَ فِي الْمَبَادِئِ وَالْقَوَانِينِ فَصْلٌ فِي الْقِصَاصِ لأَجْلِ حِفْظِ الْعِبَادِ وَصِيَانَتِهِمْ. وَالْخَوْفُ مِنْهُ يَمْنَعُ النَّاسَ عَنْ ارْتِكَابِ الأَعْمَالِ الشَّنِيعَةِ غَيْرِ اللاَّئِقَةِ عَلَنَاً فَقَطْ. بَيْدَ أَنَّ الأَمْرَ الَّذِي كَانَ وَمَا يَزَالُ سَبَبَاً فِي حِفْظِ النَّاسِ وَمَنْعِهِمْ عَنْ تِلْكَ الأَعْمَالِ 110 فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ كِلَيْهِمَا هُوَ خَشْيَةُ اللهِ. وَهُوَ الْحَارِسُ الْحَقِيقِيُّ وَالْحَافِظُ الْمَعْنَوِيُّ. إِذَاً يَجِبُ التَّمَسُّكُ وَالتَّشَبُّثُ بِمَا هُوَ السَّبَبُ لِظُهُورِ هَذِهِ الْمَوْهِبَةِ الْكُبْرَى. طُوبَى لِمَنْ سَمِعَ مَا نَطَقَ بِهِ قَلَمِيَ الأَعْلَى وَعَمِلَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. يَا حِزْبَ اللهِ أَصْغُوْا بِأُذُنِ الرُّوحِ إِلَى وَصَايَا الْمَحْبُوبِ الْفَرِيدِ. إِنَّ الْكَلِمَةَ الإِلَهِيَّةَ بِمَثَابِةِ غَرْسَةٍ مَقَرُّهَا وَمُسْتَقَرُّهَا أَفْئِدَةُ الْعِبَادِ. يَجِبُ تَعَهُّدُهَا بِكَوْثَرِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ حَتَّى تَثْبُتَ جُذُورُهَا وَتَمْتَدَّ فُرُوعُهَا إِلَى الأَفْلاَكِ. يَا أَهْلَ الْعَالَمِ إِنَّ فَضْلَ هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ هُوَ أَنَّنَا مَحَوْنَا مِنَ الْكِتَابِ كُلَّ مَا هُوَ سَبَبُ الاخْتِلاَفِ وَالْفَسَادِ وَالنِّفَاقِ وَأَبْقَيْنَا كُلَّ مَا هُوَ عِلَّةُ الأُلْفَةِ وَالاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ نَعِيمَاً لِلْعَامِلِينَ. كُنَّا وَمَا زِلْنَا نُكَرِّرُ وَصِيَّتَنَا لِلأَحِبَّاءِ وَهِيَ أَنْ يَتَجَنَّبُوا عَنْ كُلِّ مَا تُسْتَشَمُّ مِنْهُ رِائِحَةُ الْفَسَادِ بَلْ يَفِرُّوا مِنْهُ فِرَارَاً. إِنَّ الْعَالَمَ مُنْقَلِبٌ وَإِنَّ أَفْكَارَ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَةٌ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُزَيِّنَهُمْ بِنُورِ عَدْلِهِ وَيُعَرِّفَهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ إِنَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْمُتَعَالُ. قَدْ نَطَقْنَا سَابِقَاً بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا وَهِيَ أَنَّ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى هَذَا الْمَظْلُومِ يَجِبُ أَنْ يِكُونُوا عِنْدَ الْعَطَآءِ كَالسَّحَابِ الْمِدْرَارِ وَفِي كَبْحِ جِمَاحِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ شُعْلَةً مُلْتَهِبَةً. سُبْحَانَ اللهِ قَدْ ظَهَرَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ مَا هُوَ سَبَبُ الْحَيْرَةِ. فَمِنَ الْمَسْمُوعِ 111 أَنَّ شَخْصَاً وَرَدَ إِلَى مَقَرِّ سَلْطَنَةِ إِيرَانَ وَسَخَّرَ جَمْعَاً مِنَ الْعُظَمَآءِ تَحْتَ إِرَادَتِهِ. حَقَّاً إِنَّ مَوْقِفَاً كَهَذَا يَدْعُو لِلنَّدْبِ وَالنُّوَاحِ تُرَى مَا بَالُ مَظَاهِرِ الْعِزَّةِ الْكُبْرَى قَبِلُوا الذِّلَّةَ الْعُظْمَى؟ أَيْنَ الاسْتِقَامَةُ وَأَيْنَ عِزَّةُ النَّفْسِ؟ لَمْ تَزَلْ كَانَتْ شَمْسُ الْعَظَمَةِ وَالْعِلْمِ طَالِعَةً وَمُشْرِقَةً مِنْ أُفُقِ سَمَاءِ إِيرَانَ وَلَكِنَّهَا انْحَطَّتِ الآنَ بِحَيْثُ جَعَلَ بَعْضُ رِجَالِهَا أَنْفُسَهُمْ مَلْعَبَةَ الْجَاهِلِينَ. وَنَشَرَ الشَّخْصُ الْمَذْكُورُ بِحَقِّ هَذَا الْحِزْبِ فِي صُحُفِ مِصْرَ وَدَائِرَةِ مَعَارِفِ بَيْرُوتَ مَا تَحَيَّرَ مِنْهُ أَصْحَابُ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ. ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى بَارِيسَ وَطَبَعَ صَحِيفَةً بِاسْمِ "الْعُرْوَةِ الْوُثْقَى" وَأَرْسَلَهَا إِلَى أَطْرَافِ الْعَالَمِ وَإِلَى سِجْنِ عَكَّاءَ أَيْضَاً وَأَرَادَ بِهَذِهِ الذَّرِيعَةِ إِظْهَارَ الْمَحَبَّةِ وَتَدَارُكَ مَا فَاتَهُ. مُجْمَلُ الْقَوْلِ إِنَّ هَذَا الْمَظْلُومَ سَكَتَ عَنْهُ، نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يَحْفَظَهُ وَيُنَوِّرَهُ بِنُورِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ لَهُ أَنْ يَقُولَ: إِلَهِي إِلَهِي تَرَانِي قَائِمَاً لَدَى بَابِ عَفْوُكِ وَعَطَائِكَ وَنَاظِرَاً إِلَى آفَاقِ مَوَاهِبِكَ وَأَلْطَافِكَ. أَسْأَلُكَ بِنِدَائِكَ الأحْلَى وَصَرِيرِ قَلَمِكَ يَا مَوْلَى الْوَرَى أَنْ تُوَفِّقَ عِبَادَكَ عَلَى مَا يَنْبَغِي لأَيَّامِكَ وَيَلِيقُ لِظُهُورِكَ وَسُلْطَانِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ يَشْهَدُ بِقُوِّتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَعَظَمَتِكَ وَعَطَائِكَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ أَلْحَمْدُ لَكَ يَا إِلَهَ الْعَالَمِينَ وَمَحْبُوبَ أَفْئِدَةِ الْعَارِفِينَ. تَرَى يَا إِلَهِي كَيْنُونَةَ الْفَقْرِ أَرَادَتْ بَحْرَ غَنَائِكَ وَحَقِيقَةَ الْعِصْيَانِ فُرَاتَ مَغْفِرَتِكَ 112 وَعَطَائِكَ. قَدِّرْ يَا إِلَهِي مَا يَنْبَغِي لِعَظَمَتِكَ وَيَلِيقُ لِسَمَآءِ فَضْلِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْفَضَّالُ الْفَيَّاضُ الآمِرُ الْحَكِيمُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْقَوِيُّ الْغَالِبُ الْقَدِيرُ. يَا حِزْبَ اللهِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَنْظَارُ الْكُلِّ فِي هَذَا الْيَوْمِ مُتَوَجِّهَةً إِلَى كَلِمَةِ «يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ» الْمُبَارَكَةِ وَحْدَهَا فَكُلُّ مَنْ فَازَ بِهَذَا الْمَقَامِ فَازَ بِالتَّوْحِيدِ الْحَقِيقِيِّ وَتَنَوَّرَ مِنْ نُورِهِ. وَمَا دُونَ ذَلِكَ مَذْكُورٌ وَمَرْقُومٌ فِي الْكِتَابِ الإِلَهِيِّ فِي عِدَادِ أَصْحَابِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ. اسْمَعُوا نِدَآءَ هَذَا الْمَظْلُومِ وَحَافِظُوا عَلَى الْمَرَاتِبِ. هَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ وَفَرْضٌ عَلَى الْكُلِّ وَلَقَدْ نَطَقَ هَذَا الْمَظْلُومُ فِي جَمِيعِ الأَيَّامِ أَمَامَ وُجُوهِ أَهْلِ الْعَالَمِ دُونَ سِتْرٍ وَحِجَابٍ. وَتَكَلَّمَ بِمَا هُوَ مِفْتَاحٌ لأَبْوَابِ الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ وَالْمَعْرِفَةِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَالثَّرْوَةِ وَالْغِنَى. لَمْ يَمْنَعِ الْقَلَمَ الأَعْلَى ظُلْمُ الظَّالِمِينَ عَنْ صَرِيرِهِ وَلَمْ تَقِفْ شُبُهَاتُ الْمُرِيبِينَ وَالْمُفْسِدِينَ حَائِلَةً دُونَ إِظْهَارِ الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا. أَسْأَلُ اللهَ آمِلاً أَنْ يَحْفَظَ أَهْلَ الْبَهَاءِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ وَيُقَدِّسَهُمْ عَنْ ظُنُونِ الْحِزْبِ السَّابِقِ وَأَوْهَامِهِ. يَا حِزْبَ اللهِ إِنَّ الْعُلَمَآءَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ هُمْ مُنْكَبُّونَ عَلَى هِدَايَةِ الْعِبَادِ وَصَائِنُونَ أَنْفُسَهُمْ وَمُحَافِظُونَ عَلَيْهَا مِنْ وَسَاوِسِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ هُمْ مِنْ أَنْجُمِ سَمَآءِ الْعِرْفَانِ لَدَى مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ وَيَجِبُ احْتِرَامُهُم. وَهُمْ عُيُونٌ جَارِيَةٌ وَكَوَاكِبُ 113 مُضِيئَةٌ وَأَثْمَارُ السِّدْرَةِ الْمُبَارَكَةِ وَآثَارُ الْقُدْرَةِ الإِلَهِيَّةِ وَبُحُورِ الْحِكْمَةِ الصَّمَدَانِيَّةِ. طُوبَى لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهِمْ إِنَّهُ مِنَ الْفَائِزِينَ فِي كِتَابِ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْبَهَآءُ مِنْ لَدَى اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ وَالثَّرَى عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْبَهَآءِ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ الْحَمْرَآءِ وَعَلَى الَّذِينَ سَمِعُوا نِدَاءَكُمُ الأَحْلَى وَعَمِلُوا بِمَا أُمِرُوا بِهِ فِي هَذَا اللَّوْحِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ. ___________________ (1) حضرة عليّ قبل أكبر هو أيادي أمر الله الحاج ملاّ علي أكبر شهمير زادي (راجع كتاب تذكرة الوفاء). (2) حضرة أمين هو أيادي أمر الله الحاج أبو الحسن أردكاني أمين حقوق الله. (3) ظالم أرض الياء هو الأمير محمود ميرزا الملقب ﺑ"جلال الدولة" متصرّف مدينة يزد، وأرض الياء هي مدينة «يزد» الإيرانيّة. 114 لَوْحُ الْحِكْمَةِ 115صفحة خاليةبِسْمِهِ الْمُبْدِعِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ كِتَابٌ أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ مِنْ مَلَكُوتِ الْبَيَانِ وَإِنَّهُ لَرُوحُ الْحَيَوَانِ لأَهْلِ الإِمْكَانِ تَعَالَى اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. يَذْكُرُ فِيهِ مَنْ يَذْكُرُ اللهَ رَبَّهُ إِنَّهُ لَهُوَ النَّبِيلُ فِي لَوْحٍ عَظِيمٍ. يَا مُحَمَّدُ1 اسْمَعِ النِّدَاءَ مِنْ شَطْرِ الْكِبْرِيَآءِ مِنَ السِّدْرَةِ الْمُرْتَفِعَةِ عَلَى أَرْضِ الزَّعْفَرَانِ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. كُنْ هُبُوبَ الرَّحْمَنِ لأَشْجَارِ الإِمْكَانِ وَمُرَبِّيهَا بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَادِلِ الْخَبِيرِ. إِنَّا أَرَدْنَا أَنْ نَذْكُرَ لَكَ مَا يَتَذَكَّرُ بِهِ النَّاسُ لِيَدَعُنَّ مَا عِنْدَهُمْ وَيَتَوَجَّهُونَ إِلَى اللهِ مَوْلَى الْمُخْلِصِينَ. إِنَّا نَنْصَحُ الْعِبَادَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الَّتِي فِيهَا تَغَبَّرَ وَجْهُ الْعَدْلِ وَأَنَارَتْ وُجْنَةُ الْجَهْلِ وَهُتِكَ سِتْرُ الْعَقْلِ وَغاضَتِ الرَّاحَةُ وَالْوَفَاءُ وَفَاضَتِ الْمِحْنَةُ وَالْبَلآءُ وَفِيهَا نُقِضَتِ الْعُهُودُ وَنُكِثَتِ الْعُقُودُ. لاَ يَدْرِي نَفْسٌ مَا يُبْصِرُهُ وَيُعْمِيهِ وَمَا يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ. قُلْ يَا قَوْمِ دَعُوا الرَّذَائِلَ وَخُذُوا الْفَضَائِلَ كُونُوا قُدْوَةً حَسنَةً بِيْنَ النَّاسِ وَصَحِيفَةً يَتَذَكَّرُ بِهَا الأُنَاسُ. مَنْ قَامَ لِخِدْمَةِ 117 الأَمْرِ لَهُ أَنْ يَصْدَعَ بِالْحِكْمَةِ وَيَسْعَى فِي إِزَالَةِ الْجَهْلِ عَنْ بَيْنِ الْبَرِيَّةِ. قُلْ أَنِ اتَّحِدُوا فِي كَلِمَتِكُمْ وَاتَّفِقُوا فِي رَأْيِكُمْ وَاجْعَلُوا إِشْرَاقَكُمْ أَفْضَلَ مِنْ عَشِيِّكُمْ وَغَدَكُمْ أَحْسَنَ مِنْ أَمْسِكُمْ. فَضْلُ الإِنْسَانِ فِي الْخِدْمَةِ وَالْكَمَالِ لاَ فِي الزِّينَةِ وَالثَّرْوَةِ وَالْمَالِ. اجْعَلُوا أَقْوَالَكُمْ مُقَدَّسَةً عَنِ الزَّيْغِ وَالْهَوَى وَأَعْمَالَكُمْ مُنَزَّهَةً عَنِ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. قُلْ لا تَصْرِفُوا نُقُودَ أَعْمَارِكُمُ النَّفِيسَةِ فِي الْمُشْتَهَيَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَلاَ تَقْتَصِرُوا الأُمُورَ عَلَى مَنَافِعِكُمُ الشَّخْصِيَّةِ. أَنْفِقُوا إِذَا وَجَدْتُمْ وَاصْبِرُوا إِذَا فَقَدْتُمْ إِنَّ بَعْدَ كُلِّ شِدَّةٍ رَخَآءٌ وَمَعَ كُلِّ كَدَرٍ صَفَآءٌ. اجْتَنِبُوا التَّكَاهُلَ وَالتَّكَاسُلَ وَتَمَسَّكُوا بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْعَالَمُ مِنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ وَالشُّيُوخِ وَالأَرَامِلِ. قُلْ إِيَّاكُمْ أَنْ تَزْرَعُوا زُؤَانَ الْخُصُومَةِ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ وَشَوْكَ الشُّكُوكِ فِي الْقُلُوبِ الصَّافِيَةِ الْمُنِيرَةِ. قُلْ يَا أَحِبَّاءَ اللهِ لاَ تَعْمَلُوا مَا يَتَكَدَّرُ بِهِ صَافِي سَلْسَبِيلِ الْمَحَبَّةِ وَيْنَقَطِعُ بِهِ عَرْفُ الْمَوَدَّةِ. لَعَمْرِي قَدْ خُلِقْتُمْ لِلْوِدَادِ لاَ لِلضَّغِينَةِ وَالْعِنَادِ. لَيْسَ الْفَخْرُ لِحُبِّكُمْ أَنْفُسَكُمْ بَلْ لِحُبِّ أَبْنَاءِ جِنْسِكُمْ وَلَيْسَ الْفَضْلُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. كُونُوا فِي الطَّرْفِ عَفِيفَاً وَفِي الْيَدِ أَمِينَاً وَفِي اللِّسَانِ صَادِقَاً وَفِي الْقَلْبِ مُتَذَكِّرَاً. لاَ تُسْقِطُوا مَنْزِلَةَ الْعُلَمَآءِ فِي الْبَهَآءِ وَلاَ تُصَغِّرُوا قَدْرَ مَنْ يَعْدِلُ بَيْنَكُمْ مِنَ الأُمَرَاءِ. اجْعَلُوا جُنْدَكُمُ 118 الَعَدْلَ وَسِلاَحَكُمُ الْعَقْلَ وَشِيَمَكُمُ الْعَفْوَ وَالْفَضْلَ وَمَا تَفْرَحُ بِهِ أَفْئِدَةُ الْمُقَرَّبِينَ. لَعَمْرِي قَدْ أَحْزَنَنِي مَا ذَكَرْتَ مِنَ الأَحْزَانِ لا تَنْظُرْ إِلَى الْخَلْقِ وَأَعْمَالِهِمْ بَلْ إِلَى الْحَقِّ وَسُلْطَانِهِ. إِنَّهُ يُذَكِّرُكَ بِمَا كَانَ مَبْدَأَ فَرَحِ الْعَالَمِينَ. اشْرَبْ كَوْثَرَ السُّرُورِ مِنْ قَدَحِ بَيَانِ مَطْلِعِ الظُّهُورِ الَّذِي يَذْكُرُكَ فِي هَذَا الْحِصْنِ الْمَتِينِ. وَأَفْرِغْ جُهْدَكَ فِي إِحْقَاقِ الْحَقِّ بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ وَإِزْهَاقِ الْبَاطِلِ عَنْ بَيْنِ الإِمْكَانِ. كَذَلِكَ يَأْمُرُكَ مَشْرِقُ الْعِرْفَانِ مِنْ هَذَا الأُفُقِ الْمُنِيرِ. يَا أَيُّهَا النَّاطِقُ بِاسْمِي انْظُرِ النَّاسَ وَمَا عَمِلُوا فِي أَيَّامِي إِنَّا نَزَّلْنَا لأَحَدٍ مِنَ الأُمَرَآءِ مَا عَجَزَ عَنْهُ مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَسَأَلْنَاهُ أَنْ يَجْمَعَنَا مَعَ عُلَمَآءِ الْعَصْرِ لِيَظْهَرَ لَهُ حُجَّةُ اللهِ وَبُرْهَانُهُ وَعَظَمَتُهُ وَسُلْطَانُهُ. وَمَا أَرَدْنَا بِذَلِكَ إِلاَّ الْخَيْرَ الْمَحْضَ، إِنَّهُ ارْتَكَبَ مَا نَاحَ بِهِ سُكَّانُ مَدَائِنِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ وَبِذَلِكَ قُضِيَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الحَاكِمُ الْخَبِيرُ. وَمَعَ مَا تَرَاهُ كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يَطِيرَ الطَّيْرُ الإِلَهِيُّ فِي هَوَآءِ الْمَعَانِي بَعْدَمَا انْكَسَرَتْ قَوَادِمُهُ بِأَحْجَارِ الظُّنُونِ وَالْبَغْضَآءِ وَحُبِسَ فِي سِجْنٍ بُنِيَ مِنَ الصَّخْرَةِ الْمَلْسَآءِ. لَعَمْرُ اللهِ إِنَّ الْقَوْمَ فِي ظُلْمٍ عَظِيمٍ. وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ فَهَذَا مَقَامٌ يَخْتَلِفُ 119 بِاخْتِلاَفِ الأَفْئِدَةِ وَالأَنْظَارِ لَوْ تَقولُ إِنَّهُ كَانَ وَيَكُونُ هَذَا حَقٌّ. وَلَوْ تَقُولُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ إِنَّهُ لاَ رَيْبَ فِيهِ نُزِّلَ مِنْ لَدَى اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. إِنَّهُ كَانَ كَنْزَاً مَخْفِيَّاً وَهَذَا مَقَامٌ لاَ يُعَبَّرُ بِعِبَارَةٍ وَلاَ يُشَارُ بِإِشَارَةٍ وَفِي مَقَامِ أَحْبَبْتُ أَنْ أُعْرَفَ كَانَ الْحَقُّ وَالْخَلْقُ فِي ظِلِّهِ مِنَ الأَوَّلِ الَّذِي لاَ أَوَّلَ لَهُ. إِلاَّ أَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِالأَوَّلِيَّةِ الَّتِي لاَ تُعْرَفُ بِالأَوَّلِيَّةِ وَبِالْعِلَّةِ الَّتِي لَمْ يَعْرِفْهَا كُلُّ عَالِمٍ عَلِيمٍ. قَدْ كَانَ مَا كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ مَا تَرَاهُ الْيَوْمَ وَمَا كَانَ تَكَوَّنَ مِنَ الْحَرَارَةِ الْمُحْدَثَةِ مِنْ امْتِزَاجِ الْفَاعِلِ وَالْمُنْفَعِلِ الَّذِي هُوَ عَيْنُهُ وَغَيْرُهُ. كَذَلِكَ يُنَبِّئُكَ النَّبَأُ الأَعْظَمُ مِنْ هَذَا البِنَآءِ الْعَظِيمِ. إِنَّ الْفَاعِلَيْنِ وَالْمُنْفَعِلَيْنِ قَدْ خُلِقَتْ مِنْ كَلِمَةِ اللهِ الْمُطَاعَةِ وَإِنَّهَا هِيَ عِلَّةُ الْخَلْقِ وَمَا سِوَاهَا مَخْلُوقٌ مَعْلُولٌ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُبَيِّنُ الْحَكِيمُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ كَلاَمَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تُدْرِكُهُ الْحَوَاسُّ لأَنَّهُ لَيْسَ بِطَبِيعَةٍ وَلاَ بِجَوْهَرٍ قَدْ كَانَ مُقَدَّسَاً عَنِ الْعَنَاصِرِ الْمَعْرُوفَةِ وَالاسْطَقِسَّاتِ الْعَوَالِي الْمَذْكُورَةِ وَإِنَّهُ ظَهَرَ مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ وَصَوْتٍ وَهُوَ أَمْرُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الْعَالِمِينَ. إِنَّهُ مَا انْقَطَعَ عَنِ الْعَالَمِ وَهُوَ الْفَيْضُ الأَعْظَمُ الَّذِي كَانَ عِلَّةَ الْفُيُوضَاتِ وَهُوَ الْكوْنُ الْمُقَدَّسُ عَمَّا كَانَ وَمَا يَكُونُ. إِنَّا لاَ نُحِبُّ أَنْ نُفَصِّلَ هَذَا الْمَقَامَ لأَنَّ آذَانَ الْمُعْرِضِينَ مَمْدُودَةٌ 120 إِلَيْنَا لِيَسْتَمِعُوا مَا يَعْتَرِضُونَ بِهِ عَلَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ لأَنَّهُمْ لاَ يَنَالُونَ بِسِرِّ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ عَمَّا ظَهَرَ مِنْ مَطْلِعِ نُورِ الأَحَدِيَّةِ لِذَا يَعْتَرِضُونَ وَيَصِيحُونَ. وَالْحَقُّ أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمْ يَعْتَرِضُونَ عَلَى مَا عَرَفُوهُ لاَ عَلَى مَا بَيَّنَهُ الْمُبَيِّنُ وَأَنْبَأَهُ الْحَقُّ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ. تَرْجِعُ اعْتِرَاضَاتُهُمْ كُلُّهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَهُمْ لَعَمْرُكَ لاَ يَفْقَهُونَ. لا بُدَّ لِكُلِّ أَمْرٍ مِنْ مَبْدَإٍ وَلِكُلِّ بِنَآءٍ مِنْ بَانٍ وَإِنَّهُ هَذِهِ الْعِلَّةُ الَّتِي سَبَقَتِ الْكَوْنَ الْمُزَيَّنَ بِالطِّرَازِ الْقَدِيمِ مَعَ تَجَدُّدِهِ وَحُدُوثِهِ فِي كُلِّ حِينٍ. تَعَالَى الْحَكِيمُ الَّذِي خَلَقَ هَذَا الْبِنَاءَ الْكَرِيمَ. فَانْظُرِ الْعَالَمَ وَتَفَكَّرْ فِيهِ إِنَّهُ يُرِيكَ كِتَابَ نَفْسِهِ وَمَا سُطِّرَ فِيهِ مِنْ قَلَمِ رَبِّكَ الصَّانِعِ الْخَبِيرِ وَيُخْبِرُكَ بِمَا فِيهِ وَعَلَيْهِ وَيُفْصِحُ لَكَ عَلَى شَأْنٍ يُغْنِيكَ عَنْ كُلِّ مُبَيِّنٍ فَصِيحٍ. قُلْ إِنَّ الطَّبِيعَةَ بِكَيْنُونَتِهَا مَظْهَرُ اسْمِيَ المُبْتَعِثِ وَالْمُكَوِّنِ وَقَدْ تَخْتَلِفُ ظُهُورَاتُهَا بِسَبَبٍ مِنَ الأَسْبَابِ وَفِي اخْتِلاَفِهَا لآيَاتٌ لِلْمُتَفَرِّسِينَ. وَهِيَ الإِرَادَةُ وَظُهُورُهَا فِي رُتْبَةِ الإِمْكَانِ بِنَفْسِ الإِمْكَانِ وَإِنَّهَا لَتَقْدِيرٌ مِنْ مُقَدِّرٍ عَلِيمٍ وَلَوْ قِيلَ إِنَّهَا لَهِيَ الْمَشِيئَةُ الإِمْكَانِيَّةُ. لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ. وَقُدِّرَ فِيهَا قُدْرَةٌ عَجَزَ عَنْ إِدْرَاكِ كُنْهِهَا الْعَالِمُونَ. إِنَّ الْبَصِيرَ لاَ يَرَى فِيهَا إِلاَّ تَجَلِّيَ اسْمِنَا الْمُكَوِّنِ قُلْ هَذَا كَوْنٌ لاَ يُدْرِكُهُ الْفَسَادُ وَتَحَيَّرَتِ 121 الطَّبِيعَةُ مِنْ ظُهُورِهِ وَبُرْهَانِهِ وَإِشْرَاقِهِ الَّذِي أَحَاطَ الْعَالَمِينَ. لَيْسَ لِجَنَابِكَ أَنْ تَلْتَفِتَ إِلَى قَبْلُ وَبَعْدُ اذْكُرِ الْيَوْمَ وَمَا ظَهَرَ فِيهِ إِنَّهُ لَيَكْفِي الْعَالَمِينَ. إِنَّ الْبَيَانَاتِ وَالإِشَارَاتِ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَقَامَاتِ تُخْمِدُ حَرَارَةَ الْوُجُودِ لَكَ أَنْ تَنْطِقَ الْيَوْمَ بِمَا تَشْتَعِلُ بِهِ الأَفْئِدَةُ وَتَطِيرُ أَجْسَادُ الْمُقْبِلِينَ. مَنْ يُوقِنُ الْيَوْمَ بِالْخَلْقِ الْبَدِيعِ وَيَرَى الْحَقَّ الْمَنِيعَ مُهَيْمِنَاً قَيُّومَاً عَلَيْهِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ فِي هَذَا الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ مُوقِنٍ بَصِيرٍ. امْشِ بِقُوَّةِ الاسْمِ الأَعْظَمِ فَوْقَ الْعَالَمِ لِتَرَى أَسْرَارَ الْقِدَمِ وَتَطَّلِعَ بِمَا لاَ اطَّلَعَ بِهِ أَحَدٌ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُؤَيِّدُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. كُنْ نَبَّاضَاً كَالشِّرْيَانِ فِي جَسَدِ الإِمْكَانِ لِيَحْدُثَ مِنَ الْحَرَارَةِ الْمُحْدَثَةِ مِنَ الْحَرَكَةِ مَا تُسْرِعُ بِهِ أَفْئِدَةُ الْمُتَوَقِّفِينَ. إِنَّكَ عَاشَرْتَ مَعِي وَرَأَيْتَ شُمُوسَ سَمَآءِ حِكْمَتِي وَأَمْوَاجَ بَحْرِ بَيَانِي إِذْ كُنَّا خَلْفَ سَبْعِينَ أَلْفِ حِجَابٍ مِنَ النُّورِ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الصَّادِقُ الأَمِينُ. طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِفَيَضَانِ هَذَا الْبَحْرِ فِي أَيَّامِ رَبِّهِ الْفَيَّاضِ الْحَكِيمِ. إِنَّا بَيَّنَّا لَكَ إِذْ كُنَّا فِي الْعِرَاقِ فِي بَيْتِ مَنْ سُمِّيَ بِالْمَجِيدِ أَسْرَارَ الْخَلِيقَةِ وَمَبْدَأَهَا وَمُنْتَهَاهَا وَعِلَّتَهَا فَلَمَّا خَرَجْنَا اقْتَصَرْنَا الْبَيَانَ بِأَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْغَفُورُ الْكَرِيمُ. كُنْ مُبِلِّغَ أَمْرِ اللهِ بِبِيَانٍ تَحْدُثُ بِهِ النَّارُ فِي الأَشْجَارِ 122 وَتَنْطِقُ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْعَزِيزُ الْمُخْتَارُ. قُلْ إِنَّ الْبَيَانَ جَوْهَرٌ يَطْلُبُ النُّفُوذَ وَالاعْتِدَالَ. أَمَّا النُّفُوذُ مُعْلَّقٌ بِاللَّطَافَةِ وَاللَّطَافَةُ مَنُوطَةٌ بِالْقُلُوبِ الْفَارِغَةِ الصَّافِيَةِ. وَأَمَّا الاعْتِدَالُ امْتِزَاجُهُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي نَزَّلْنَاهَا فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. تَفَكَّرْ فِيمَا نُزِّلَ مِنْ سَمَآءِ مَشِيَّةِ رَبِّكَ الْفَيَّاضِ لِتَعْرِفَ مَا أَرَدْنَاهُ فِي غَيَاهِبِ الآيَاتِ. إِنَّ الَّذِينَ أَنْكَرُوا اللهَ وَتَمَسَّكُوا بِالطَّبِيعَةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ هِيَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمٍ وَلاَ مِنْ حِكْمَةٍ أَلاَ إِنَّهُمْ مِنَ الْهَائِمِينَ. أُولَئِكَ مَا بَلَغُوا الذِّرْوَةَ الْعُلْيَا وَالْغَايَةَ الْقُصْوَى لِذَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُهُمْ وَاخْتَلَفَتْ أَفْكَارُهُمْ. وَإِلاَّ رُؤَسَآءُ الْقَوْمِ اعْتَرَفُوا بِاللهِ وَسُلْطَانِهِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ رَبُّكَ الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ. وَلَمَّا مُلِئَتْ عُيُونُ أَهْلِ الشَّرْقِ مِنْ صَنَائِعِ أَهْلِ الْغَرْبِ لِذَا هَامُوا فِي الأَسْبَابِ وَغَفَلُوا عَنْ مُسَبِّبِهَا وَمُمِدِّهَا مَعَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا مَطَالِعَ الْحِكْمَةِ وَمَعَادِنَهَا مَا أَنْكَرُوا عِلَّتَهَا وَمُبْدِعَهَا وَمَبْدَأَهَا إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ وَالنَّاسُ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ. وَلَنَا أَنْ نَذْكُرَ فِي هَذَا اللَّوْحِ بَعْضَ مَقَالاَتِ الْحُكَمَاءِ لِوَجْهِ اللهِ مَالِكِ الأَسْمَآءِ لِيُفْتَحَ بِهَا أَبْصَارُ الْعِبَادِ وَيُوقِنُنَّ أَنَّهُ هُوَ الصَّانِعُ الْقَادِرُ الْمُبْدِعُ الْمُنْشِئُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَلَوْ 123 يُرَى الْيَوْمَ لِحُكَمَاءِ الْعَصْرِ يَدٌ طُوْلَى فِي الْحِكْمَةِ وَالصَّنَائِعِ وَلَكِنْ لَوْ يَنْظُرُ أَحَدٌ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ لَيَعْلَمُ أَنَّهُمْ أَخَذُوا أَكْثَرَهَا مِنْ حُكَمَاءِ الْقَبْلِ وَهُمُ الَّذِينَ أَسَّسُوا أَساسَ الْحِكْمَةِ وَمَهَّدُوا بُنْيَانَهَا وَشَيَّدُوا أَرْكَانَهَا كَذَلِكَ يُنَبِّئُكَ رَبُّكَ الْقَدِيمُ. وَالْقُدَمَآءُ أَخَذُوا الْعُلُومَ مِنَ الأَنْبِيَاءِ لأَنَّهُمْ كَانُوا مَطَالِعَ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ وَمَظَاهِرَ الأَسْرَارِ الرَّبَّانِيَّةِ مِنَ النَّاسِ مَنْ فَازَ بِزُلاَلِ سَلْسَالِ بَيَانَاتِهِمْ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرِبَ ثُمَالَةَ الْكَأْسِ لِكُلٍّ نَصِيبٌ عَلَى مِقْدَارِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْعَادِلُ الْحَكِيمُ. إِنَّ أَبِيدَقْليسَ الَّذِي اشْتَهَرَ فِي الْحِكْمَةِ كَانَ فِي زَمَنِ دَاوُدَ وَفِيثَاغُورِثَ فِي زَمَنِ سُلَيْمَانَ ابْنِ دَاوُدَ وَأَخَذَ الْحِكْمَةَ مِنْ مَعْدِنِ النُّبُوَّةِ. وَهُوَ الَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ سَمِعَ حَفِيفَ الْفَلَكِ وَبَلَغَ مَقَامَ الْمَلَكِ إِنَّ رَبَّكَ يُفَصِّلُ كُلَّ أَمْرٍ إِذَا شَاءَ إِنَّهُ لَهُوَ الْعَلِيمُ الْمُحِيطُ. إِنَّ أُسَّ الْحِكْمَةِ وَأَصْلَهَا مِنَ الأَنْبِيَآءِ وَاخْتَلَفَتْ مَعَانِيهَا وَأَسْرَارُهَا بَيْنَ الْقَوْمِ بِاخْتِلاَفَاتِ الأَنْظَارِ وَالْعُقُولِ. إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ نَبَأَ يَوْمٍ تَكَلَّمَ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ بَيْنَ الْوَرَى بِمَا عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُلْهِمُ الْعَزِيزُ الْمَنِيعُ فَلَمَّا انْفَجَرَتْ يَنَابِيعُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ مِنْ مَنْبَعِ بَيَانِهِ وَأَخَذَ سُكْرُ خَمْرِ الْعِرْفَانِ مَنْ فِي فِنَائِهِ قَالَ الآنَ قَدْ مَلأَ الرُّوحُ مِنَ النَّاسِ مَنْ أَخَذَ هَذَا الْقَوْلَ وَوَجَدَ مِنْهُ عَلَى زَعْمِهِ رَائِحَةَ 124 الْحُلُولِ وَالدُّخُولِ وَاسْتَدَلَّ فِي ذَلِكَ بِبَيَانَاتٍ شَتَّى وَاتَّبَعَهُ حِزْبٌ مِنَ النَّاسِ. لَوْ إِنَّا نَذْكُرُ أَسْمَاءَهُمْ فِي هَذَا الْمَقَامِ وَنُفَصِّلُ لَكَ لَيَطُولُ الْكَلاَمُ وَنَبْعُدُ عَنِ الْمَرَامِ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلاَّمُ. وَمِنْهُمْ مَنْ فَازَ بِالرَّحِيقِ الْمَخْتُومِ الَّذِي فُكَّ بِمِفْتَاحِ لِسَانِ مَطْلِعِ آيَاتِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ قُلْ إِنَّ الْفَلاَسِفَةَ مَا أَنْكَرُوا الْقَدِيمَ بَلْ مَاتَ أَكْثَرُهُمْ فِي حَسْرَةِ عِرْفَانِهِ كَمَا شَهِدَ بِذَلِكَ بَعْضُهُمْ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْمُخْبِرُ الْخَبِيرُ. إِنَّ بُقْرَاطَ الطَّبِيبَ كَانَ مِنْ كِبَارِ الْفَلاَسِفَةِ وَاعْتَرَفَ بِاللهِ وَسُلْطَانِهِ وَبَعْدَهُ سُقْرَاطُ إِنَّهُ كَانَ حَمِيمَاً فَاضِلاً زَاهِدَاً اشْتَغَلَ بِالرِّيَاضَةِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى وَأَعْرَضَ عَنْ مَلاَذِّ الدُّنْيَا وَاعْتَزَلَ إِلَى الْجَبَلِ وَأَقَامَ فِي غَارٍ وَمَنَعَ النَّاسَ عَنْ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَعَلَّمَهُمْ سَبِيلَ الرَّحْمَنِ إِلَى أَنْ ثَارَتْ عَلَيْهِ الْجُهَّالُ وَأَخَذُوهُ وَقَتَلُوهُ فِي السِّجْنِ كَذَلِكَ يَقُصُّ لَكَ هَذَا الْقَلَمُ السَّرِيعُ. مَا أَحَدَّ بَصَرَ هَذَا الرَّجُلِ فِي الْفَلْسَفَةِ إِنَّهُ سَيِّدُ الْفَلاَسِفَةِ كُلِّهَا قَدْ كَانَ عَلَى جَانِبٍ عَظِيمٍ مِنَ الْحِكْمَةِ. نَشْهَدُ أَنَّهُ مِنْ فَوَارِسِ مِضْمَارِهَا وَأَخَصِّ الْقَائِمِينَ لِخِدْمَتِهَا وَلَهُ يَدٌ طُولَى فِي الْعُلُومِ الْمَشْهُودَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمَا هُوَ الْمَسْتُورُ عَنْهُمْ كَأَنَّهُ فَازَ بِجُرْعَةٍ إِذْ فَاضَ الْبَحْرُ الأَعْظَمُ بِهَذَا الْكَوْثَرِ الْمُنِيرِ. هُوَ الَّذِي اطَّلَعَ عَلَى الطَّبِيعَةِ الْمَخْصُوصَةِ الْمُعْتَدِلَةِ الْمَوْصُوفَةِ بِالْغَلَبَةِ وَإِنَّهَا 125 أَشْبَهُ الأَشْيَاءِ بِالرُّوحِ الإِنْسَانِيِّ قَدْ أَخْرَجَهَا مِنَ الْجَسَدِ الْجَوَّانِيِّ وَلَهُ بَيَانٌ مَخْصُوصٌ فِي هَذَا الْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ. لَوْ تَسْأَلُ الْيَوْمَ حُكَمَاءَ الْعَصْرِ عَمَّا ذَكَرَهُ لَتَرَى عَجْزَهُمْ عَنْ إِدْرَاكِهِ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ الْحَقَّ وَلَكِنَّ النَّاسَ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ. وَبَعْدَهُ أَفْلاَطُونُ الإِلَهِيُّ إِنَّهُ كَانَ تِلْمِيذَاً لِسُقْرَاطَ الْمَذْكُورِ وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْحِكْمَةِ بَعْدَهُ وَأَقَرَّ بِاللهِ وَآيَاتِهِ الْمُهْيْمِنَةِ عَلَى مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. وَبَعْدَهُ مَنْ سُمِّيَ بَأَرِسْطُوطَالِيسَ الْحَكِيمِ الْمَشْهُورِ وَهُوَ الَّذِي اسْتَنْبَطَ الْقُوَّةَ الْبُخَارِيَّةَ وَهَؤُلاَءِ مِنْ صَنَادِيدِ الْقَوْمِ وَكُبَرَائِهِمْ كُلُّهُمْ أَقَرُّوا وَاعْتَرَفُوا بِالْقَدِيمِ الَّذِي فِي قَبْضَتِهِ زِمَامُ الْعُلُومِ. ثُمَّ أَذْكُرُ لَكَ مَا تَكَلَّمَ بِهِ بَلينوسُ الَّذِي عَرَفَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو الْحِكْمَةِ مِنْ أَسْرَارِ الْخَلِيقَةِ فِي أَلْوَاحِهِ الزَّبَرْجَدِيَّةِ لِيُوقِنَ الْكُلُّ بِمَا بَيَّنَّاهُ لَكَ فِي هَذَا اللَّوْحِ الْمَشْهُودِ الَّذِي لَوْ يُعْصَرُ بِأَيَادِي الْعَدْلِ وَالْعِرْفَانِ لَيَجْرِي مِنْهُ رُوحُ الْحَيَوَانِ لإِحْيَاءِ مَنْ فِي الإِمْكَانِ. طُوبَى لِمَنْ يَسْبَحُ فِي هَذَا الْبَحْرِ ويُسَبِّحُ رَبَّهُ الْعَزِيزَ الْمَحْبُوبَ. قَدْ تَضَوَّعَتْ نَفَحَاتُ الْوَحْيِ مِنْ آيَاتِ رَبِّكَ عَلَى شَأْنٍ لاَ يُنْكِرُهَا إِلاَّ مَنْ كَانَ مَحْرُومَاً عَنِ السَّمْعِ وَالْبَصَرِ وَالْفُؤَادِ وَعَنْ كُلِّ الشُّؤُونَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ. إِنَّ رَبَّكَ يَشْهَدُ وَلَكِنَّ النَّاسَ لاَ يَعْرِفُونَ. 126 وَهُوَ الَّذِي يَقُولُ أَنَا بَلينوسُ الْحَكِيمُ صَاحِبُ الْعَجَائِبِ وَالطِّلَسْمَاتِ وَانْتَشَرَ مِنْهُ مِنَ الْفُنُونِ وَالْعُلُومِ مَا لاَ انْتَشَرَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ ارْتَقَى إِلَى أَعْلَى مَرَاقِي الْخُضُوعِ وَالابْتِهَالِ. اسْمَعْ مَا قَالَ فِي مُنَاجَاتِهِ مَعَ الْغَنِيِّ الْمُتَعَالِ: أَقُومُ بِيْنَ يَدَيْ رَبِّي فَأَذْكُرُ آلاَءَهُ وَنَعْمَاءَهُ وَأَصِفُهُ بِمَا وَصَفَ بِهِ نَفْسَهُ لأَنْ أَكُونَ رَحْمَةً وَهُدَىً لِمَنْ يَقْبَلُ قَوْلِي. إِلَى أَنْ قَالَ: يَا رَبِّ أَنْتَ الإِلَهُ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ وَأَنْتَ الْخَالِقُ وَلاَ خَالِقَ غَيْرُكَ أَيِّدْنِي وَقَوِّنِي فَقَدْ رَجَفَ قَلْبِي وَاضْطَرَبَتْ مَفَاصِلِي وَذَهَبَ عَقْلِي وَانْقَطَعَتْ فِكْرَتِي فَأَعْطِنِي الْقُوَّةَ وَأَنْطِقْ لِسَانِي حَتَّى أَتَكَلَّمَ بِالْحِكْمَةِ. إِلَى أَنْ قَالَ: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ الرَّحِيمُ. إِنَّهُ لَهُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي اطَّلَعَ بِأَسْرَارِ الْخَلِيقَةِ وَالرُّمُوزِ الْمَكْنُونَةِ فِي الأَلْوَاحِ الهِرْمِسِيَّةِ3. إِنَّا لاَ نُحِبُّ أَنْ نَذْكُرَ أَزْيَدَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَنَذْكُرُ مَا أَلْقَى الرُّوحُ عَلَى قَلْبِي إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَالِمُ الْمُقْتَدِرُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْحَمِيدُ. لَعَمْرِي هَذَا يَوْمٌ لاَ تُحِبُّ السِّدْرَةُ إِلاَّ أَنْ تَنْطِقَ فِي الْعَالَمِ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْفَرْدُ الْخَبِيرُ. لَوْلاَ حُبِّي إِيَّاكَ مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ اعْرَفْ هَذَا الْمَقَامَ ثُمَّ احْفَظْهُ كَمَا تَحْفَظُ عَيْنَيْكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. وَإِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّا مَا قَرَأْنَا كُتُبَ الْقَوْمِ وَمَا اطَّلَعْنَا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعُلُومِ كُلَّمَا أَرَدْنَا أَنْ 127 نَذْكُرَ بَيَانَاتِ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ يَظْهَرُ مَا ظَهَرَ فِي الْعَالَمِ وَمَا فِي الْكُتُبِ وَالزُّبُرِ فِي لَوْحٍ أَمَامَ وَجْهِ رَبِّكَ نَرَى وَنَكْتُبُ إِنَّهُ أَحَاطَ عِلْمُهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. هَذَا لَوْحٌ رُقِمَ فِيهِ مِنَ الْقَلَمِ الْمَكْنُونِ عِلْمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُتَرْجِمٌ إِلاَّ لِسَانِيَ الْبَدِيعَ. إِنَّ قَلْبِي مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ قَدْ جَعَلَهُ اللهُ مُمَرَّدَاً عَنْ إِشَارَاتِ الْعُلَمَاءِ وَبَيَانَاتِ الْحُكَمَاءِ. إِنَّهُ لاَ يَحْكِي إِلاَّ عَنِ اللهِ وَحْدَهُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ لِسَانُ الْعَظَمَةِ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبِينِ. قُلْ يَا مَلأَ الأَرْضِ إِيَّاكُمْ أَنْ يَمْنَعَكُمْ ذِكْرُ الْحِكْمَةِ عَنْ مَطْلِعِهَا وَمَشْرِقِهَا تَمَسَّكُوا بِرَبِّكُمُ الْمُعَلِّمِ الْحَكِيمِ. إِنَّا قَدَّرْنَا لِكُلِّ أَرْضٍ نَصِيبَاً وَلِكُلِّ سَاعَةٍ قِسْمَةً وَلِكُلِّ بَيَانٍ زَمَانَاً وَلِكُلِّ حَالٍ مَقَالاً. فَانْظُرُوا الْيُونَانَ إِنَّا جَعَلْنَاهَا كُرْسِيَّ الْحِكْمَةِ فِي بُرْهَةٍ طَوِيلَةٍ فَلَمَّا جَاءَ أَجَلُهَا ثُلَّ عَرْشُهَا وَكَلَّ لِسَانُهَا وَخَبَتْ مَصَابِيحُهَا وَنُكِسَتْ أَعْلاَمُهَا كَذَلِكَ نَأْخُذُ وَنُعْطِي إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الآخِذُ الْمُعْطِي الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. قَدْ أَوْدَعْنَا شَمْسَ الْمَعَارِفِ فِي كُلِّ أَرْضٍ إِذَا جَاءَ الْمِيقَاتُ تُشْرِقُ مِنْ أُفُقِهَا أَمْرَاً مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. إِنَّا لَوْ نُرِيدُ أَنْ نَذْكُرَ لَكَ كُلَّ قِطْعَةٍ مِنْ قِطَعَاتِ الأَرْضِ وَمَا وَلَجَ فِيهَا وَظَهَرَ مِنْهَا لَنَقْدِرُ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ عِلْمُهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ مِنَ الْقُدَمَاءِ مَا لَمْ يَظْهُرْ مِنَ الْحُكَمَاءِ 128 الْمُعَاصِرِينَ. إِنَّا نَذْكُرُ لَكَ نَبَأَ مورْطِسْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْحُكَمَاءِ وَصَنَعَ آلَةً تُسْمِعُ عَلَى سِتِّينَ مِيلاً وَكَذَلِكَ ظَهَرَ مِنْ غَيْرِهِ مَا لاَ تَرَاهُ فِي هَذَا الزَّمَانِ إِنَّ رَبَّكَ يُظْهِرُ فِي كُلِّ قَرْنٍ مَا أَرَادَ حِكْمَةً مِنْ عِنْدِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُدَبِّرُ الْحَكِيمُ. مَنْ كَانَ فَيْلَسُوفَاً حَقِيقَيَّاً مَا أَنْكَرَ اللهَ وَبُرْهَانَهُ وَأَقَرَّ بِعَظَمَتِهِ وَسُلْطَانِهِ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الْعَالَمِينَ. إِنَّا نُحِبُّ الْحُكَمَاءَ الَّذِينَ ظَهَرَ مِنْهُمْ مَا انْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ وَأَيَّدْنَاهُمْ بِأَمْرٍ مَنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا قَادِرِينَ. إِيَّاكُمْ يَا أَحِبَّائِي أَنْ تُنْكِرُوا فَضْلَ عِبَادِي الْحُكَمَاءِ الَّذِينَ جَعَلَهُمُ اللهُ مَطَالِعَ اسْمِهِ الصَّانِعِ بَيْنَ العالَمِين. أَفْرِغُوا جُهْدَكُمْ لِيَظْهَرَ مِنْكُمْ الصَّنائِعُ وَالأُمُورُ الَّتِي بِهَا يَنْتَفِعُ كُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ. إِنَّا نَتَبَرَّأُ عَنْ كُلِّ جَاهِلٍ ظَنَّ بِأَنَّ الْحِكْمَةَ هُوَ التَّكَلُّمُ بِالْهَوَى وَالأِعْرَاضُ عَنِ اللهِ مَوْلَى الْوَرَى كَمَا نَسْمَعُ الْيَوْمَ مِنْ بَعْضِ الْغَافِلِينَ. قُلْ أَوَّلُ الْحِكْمَةِ وَأَصْلُهَا هُوَ الإِقْرَارُ بِمَا بَيَّنَهُ اللهُ لأَنَّ بِهِ اسْتَحْكَمَ بُنْيَانُ السِّيَاسَةِ الَّتِي كَانَتْ دِرْعَاً لِحِفْظِ بَدَنِ الْعَالَمِ تَفَكَّرُوا لِتَعْرِفُوا مَا نَطَقَ بِهِ قَلَمِيَ الأَعْلَى فِي هَذَا اللَّوْحِ الْبَدِيعِ. قُلْ كُلُّ أَمْرٍ سِيَاسِيٍّ أَنْتُمْ تَتَكَلَّمُونَ بِهِ كَانَ تَحْتَ كَلِمَةٍ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي نُزِّلَتْ مِنْ جَبَرُوتِ بَيَانِهِ الْعَزِيزِ الْمَنِيعِ. كَذَلِكَ قَصَصْنَا لَكَ مَا يَفْرَحُ بِهِ قَلْبُكَ وَتَقَرُّ عَيْنُكَ وَتَقُومُ عَلَى خِدْمَةِ الأَمْرِ بَيْنَ الْعَالَمِينَ. 129 نَبِيلِي لاَ تَحْزَنْ مِنْ شَيْءٍ افْرَحْ بِذِكْرِي إِيَّاكَ وَإِقْبَالِي وَتَوَجُّهِي إِلَيْكَ وَتَكَلُّمِي مَعَكَ بِهَذَا الْخِطَابِ الْمُبْرَمِ الْمَتِينِ. تَفَكَّرْ فِي بَلاَئِي وَسِجْنِي وَغُرْبَتِي وَمَا وَرَدَ عَلَيَّ وَمَا يَنْسِبُ إِلَيَّ النَّاسُ أَلاَ إِنَّهُمْ فِي حِجَابٍ غَلِيظٍ. لَمَّا بَلَغَ الْكَلاَمُ هَذَا الْمَقَامَ طَلَعَ فَجْرُ الْمَعَانِي وَطَفِئَ سِرَاجُ الْبيَانِ. الْبَهَآءُ لأَهْلِ الْحِكْمَةِ وَالْعِرْفَانِ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ حَمِيدٍ. قُلْ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يَا إِلَهِي أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ سَطَعَ نُورُ الْحِكْمَةِ إِذْ تَحَرَّكَتْ أَفْلاَكُ بَيَانِهِ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ بِأَنْ تَجْعَلَنِي مُؤَيَّدَاً بِتَأْيِيدَاتِكَ وَذَاكِرَاً بِاسْمِكَ بَيْنَ عِبَادِكَ. أَيْ رَبِّ تَوَجَّهْتُ إِلَيْكَ مُنْقَطِعَاً عَنْ سِوَائِكَ وَمُتَشَبِّثَاً بِذَيْلِ أَلْطَافِكَ فَأَنْطِقْنِي بِمَا تَنْجَذِبُ بِهِ الْعُقُولُ وَتِطيرُ بِهِ الأَرْوَاحُ وَالنُّفُوسُ. ثُمَّ قَوِّنِي فِي أَمْرِكَ عَلَى شَأْنٍ لاَ تَمْنَعُنِي سَطْوَةُ الظَّالِمِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَلاَ قُدْرَةُ الْمُنْكِرِينَ مِنْ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ. فَاجْعَلْنِي كَالسِّرَاجِ فِي دِيَارِكَ لِيَهْتَدِيَ بِهِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ نُورُ مَعْرِفَتِكَ وَشَغَفُ مَحَبَّتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ وَفِي قَبْضَتِكَ مَلَكُوتُ الإِنْشَآءِ. لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. (1) هذا اللوح المبارك نزّل بإعزاز جناب الملاّ محمّد قائني أحد الأحبّاء البارزين الذي لقّب ﺑ«النبيل الأكبر» وذلك بسبب تساوي عدد اسمه «محمد» بكلمة «نبيل» حسب الحساب الأبجديّ (راجع كتاب تذكرة الوفاء). (2) هرمس (HERMES) كاتب فيلسوف مصري قام برحلات واسعة النّطاق ويتضمّن كتابه وصف أسفاره حول ما وراء الطبيعة. 130 أَصْلُ كُلِّ الْخَيْرِ 131 صفحة خاليةهُوِ الْعَلِيُّ الأَعْلَى أَصْلُ كُلِّ الْخَيْرِ هُوَ الاعْتِمَادُ عَلَى اللهِ وَالانْقِيَادُ لأَمْرِهِ وَالرِّضَآءُ بِمَرْضَاتِهِ. أَصْلُ الْحِكْمَةِ هُوَ الْخَشْيَةُ عَنِ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَالْمَخَافَةُ مِنْ سَطْوَتِهِ وَسِيَاطِهِ وَالْوَجَلُ مِنْ مَظَاهِرِ عَدْلِهِ وَقَضَائِهِ. رَأْسُ الدِّينِ هُوَ الإِقْرَارُ بِمَا نُزِّلَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاتِّبَاعُ مَا شُرّعَ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ. أَصْلُ الْعِزَّةِ هُوَ قَنَاعَةُ الْعَبْدِ بِمَا رُزِقَ بِهِ وَالاكْتِفَاءُ بِمَا قُدِّرَ لَهُ. 133 أَصْلُ الْحُبِّ هُوَ إِقْبَالُ الْعَبْدِ إِلَى الْمَحْبُوبِ وَالإِعْرَاضُ عَمَّا سِوَاهُ وَلاَ يَكُونُ مُرَادُهُ إِلاَّ مَا أَرَادَ مَوْلاَهُ. أَصْلُ الذِّكْرِ هُوَ الْقِيَامُ عَلَى ذِكْرِ الْمَذْكُورِ وَنِسْيَانُ دُونِهِ. رَأْسُ التَّوَكُّلِ هُوَ اقْتِرَافُ الْعَبْدِ وَاكْتِسَابُهُ فِي الدُّنْيَا وَاعْتِصَامُهُ بِاللهِ وَانْحِصَارُ النَّظَرِ إِلَى فَضْلِ مَوْلاَهُ. إِذْ إِلَيْهِ يَرْجِعُ أُمُورُ الْعَبْدِ فِي مُنْقَلَبِهِ وَمَثْوَاهُ. رَأْسُ الانْقِطَاعِ هُوَ التَّوَجُّهُ إِلَى شَطْرِ اللهِ وَالْوُرُودُ عَلَيْهِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ. رَأْسُ الْفِطْنَةِ هُوَ الإِقْرَارُ بِالافْتِقَارِ وَالْخُضُوعُ بِالاخْتِيَارِ بَيْنَ يَدَيِّ اللهِ 134 الْمَلِكِ الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ. رَأْسُ الْقُدْرَةِ وَالشَّجَاعَةِ هُوَ إِعْلآءُ كَلِمَةِ اللهِ وَالاسْتِقَامَةُ عَلَى حُبِّهِ. رَأْسُ الإِحْسَانِ هُوَ إِظْهَارُ الْعَبْدِ بِمَا أَنْعَمَهُ اللهُ وَشُكْرُهُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ وَجَمِيعِ الأَحْيَانِ. رَأْسُ الإِيمَانِ هُوَ التَّقَلُّلُ فِي الْقَوْلِ وَالتَّكَثُّرُ فِي الْعَمَلِ وَمَنْ كَانَ أَقْوَالُهُ أَزْيَدَ مِنْ أَعْمَالِهِ فَاعْلَمُوا أَنَّ عَدَمَهُ خَيْرٌ مِنْ وُجُودِهِ وَفَنَاءَهُ أَحْسَنُ مِنْ بَقَائِهِ. أَصْلُ الْعَافِيَةِ هُوَ الصَّمْتُ وَالنَّظَرُ إِلَى الْعَاقِبَةِ وَالانْزِوَآءُ عَنِ الْبَرِيَّةِ. 135 رَأْسُ الْهِمَّةِ هُوَ إِنْفَاقُ الْمَرْءِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى أَهْلِهِ وَالْفُقَرَآءِ مِنْ إِخْوَتِهِ فِي دِينِهِ. رَأْسُ التِّجَارَةِ هُوَ حُبِّي بِهِ يَسْتَغْنِي كُلُّ شَيْءٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَبِدُونِهِ يَفْتَقِرُ كُلُّ شَيْءٍ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ وَهَذَا مَا رُقِمَ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ مُنِيرٍ. أَصْلُ كُلِّ الشَّرِّ هُوَ إِغْفَالُ الْعَبْدِ عَنْ مَوْلاَهُ وَإِقْبَالُهُ إِلَى هَوَاه. أَصْلُ النَّارِ هُوَ إِنْكَارُ آيَاتِ اللهِ وَالْمُجَادَلَةُ بِمَنْ يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ وَالإِعْرَاضُ عَنْهُ وَالاسْتِكْبَارُ عَلَيْهِ. أَصْلُ كُلِّ الْعُلُومِ هُوَ عِرْفَانُ اللهِ جَلَّ جَلاَلُهُ وَهَذَا لَنْ يُحَقَّقَ إِلاَّ بِعِرْفَانِ مَظْهَرِ نَفْسِهِ. 136رَأْسُ الذِّلَّةِ هُوَ الْخُرُوجُ عَنْ ظِلِّ الرَّحْمَنِ وَالدُّخُولُ فِي ظِلِّ الشَّيْطَانِ. رَأْسُ الْكُفْرِ هُوَ الشِّرْكُ بِاللهِ وَالاعْتِمَادُ عَلَى مَا سِوَاهُ وَالْفِرَارُ عَنْ قَضَايَاهُ. أَصْلُ الْخُسْرَانِ لِمَنْ مَضَتْ أَيَّامُهُ وَمَا عَرَفَ نَفْسَهُ. رَأْسُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ لَكَ هُوَ الإِنْصَافُ وَهُوَ خُرُوجُ الْعَبْدِ عَنِ الْوَهْمِ وَالتَّقْلِيدِ وَالتَّفَرُّسُ فِي مَظَاهِرِ الصُّنْعِ بِنَظَرِ التَّوْحِيدِ وَالْمُشَاهَدَةُ فِي كُلِّ الأُمُورِ بِالْبَصَرِ الْحَدِيدِ. كَذَلِكَ عَلَّمْنَاكَ وَصَرَّفْنَا لَكَ كَلِمَاتِ الْحِكْمَةِ لِتَشْكُرَ اللهَ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ وَتَفْتَخِرَ بِهَا بَيْنَ الْعَالَمِينَ. 137 صفحة خاليةلَوْحُ مَقْصُودَ 139صفحة خاليةهُوَاللهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الْعَظَمَةُ وَالاقْتِدَارُ حَمْدَاً تَقَدَّسَ عَنِ الذِّكْرِ وَالْبَيَانِ يَلِيقُ بِحَضْرَةِ الْمَعْبُودِ وَمَالِكِ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ. الَّذِي أَوْجَدَ مِنَ النُّقْطَةِ الأُولَى كُتُبَاً لاَ تُحْصَى. وَأَبْدَعَ خَلْقَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ مِنْ كَلِمَتِهِ الْعُلْيَا. وَأَرْسَلَ سَفِيرَاً بِمَا تَقْتَضِي حِكْمَتُهُ الْبَالِغَةُ فِي كُلِّ قَرْنٍ مِنَ الْقُرُونِ وَكُلِّ عَصْرٍ مِنَ الْعُصُورِ لِيُحْيِى الْخَلْقَ الْخَامِدَ بِمَاءِ الْبَيَانِ. فَهُوَ الْمُبَيِّنُ وَهُوَ الْمُتَرْجِمُ لأَنَّ النَّاسَ قَاصِرُونَ وَعَاجِزُونَ عَنْ إِدْرَاكِ مَا جَرَى مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى فِي الْكُتُبِ الإِلَهِيَّةِ. وَعَلَى أَيِّ حَالٍ لاَ بُدَّ مِنَ الْمُذَكِّرِ وَالْهَادِي وَالْمُعَرِّفِ وَالْمُعَلِّمِ. لِذَا أَرْسَلَ السُّفَرَآءَ وَالأَنْبِيَآءَ وَالأَصْفِيَآءَ لِيُطْلِعُوا النَّاسَ عَلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ إِنْزَالِ الْكُتُبِ وَإِرْسَالِ الرُّسُلِ. وَلِيَعْرِفَ الْكُلُّ الْوَدِيعَةَ الرَّبَّانِيَّةَ الْكَامِنَةَ فِي أَنْفُسِهِمْ. الإِنْسَانُ هُوَ الطِّلَسْمُ الأَعْظَمُ وَلَكِنَّ عَدَمَ التَّرْبِيَةِ حَرَمَهُ مِمَّا فِيهِ. خَلَقَهُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَدَاهُ بِكَلِمَةٍ أُخْرَى إِلَى مَقَامِ التَّعْلِيمِ وَحَفَظَ بِكَلِمَةٍ ثَالِثَةٍ مَرَاتِبَهُ وَمَقَامَاتِهِ. 141 تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: انْظُرْ إِلَى الإِنْسَانِ بِمَثَابَةِ مَعْدِنٍ يَحْوِي أَحْجَارَاً كَرِيمَةً تَخْرُجُ بِالتَّرْبِيَةِ جَوَاهِرُهُ إِلَى عَرْصَةِ الشُّهُودِ وَيَنْتَفِعُ بِهَا الْعَالَمُ الإِنْسَانِيُّ. إِذَا نَظَرَ أَحَدٌ فِي الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ سَمَآءِ الأَحَدِيَّةِ بِعَيْنِ الْبَصِيرَةِ وَتَفَكَّرَ فِيهَا أَدْرَكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ النُّفُوسُ كُلُّهُمْ نَفْسَاً وَاحِدَاً حَتَّى يَنْطَبِعَ فِي جَمِيعِ الْقُلُوبِ نَقْشُ خَاتَمِ "الْمُلْكُ للهِ" وَتُحِيطَ الْكُلَّ شُمُوسُ الْعِنَايَةِ وَإِشْرَاقَاتُ أَنْجُمِ الْفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ. إِنَّ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ مَا أَخَذَ شَيْئَاً لِنَفْسِهِ. فَلاَ طَاعَةُ الْعَالَمِ لَهُ تُجْدِيهِ نَفْعَاً وَلاَ عَدَمُ طَاعَتِهِ لَهُ يُلْحِقُ بِهِ نَقْصَاً. يَنْطِقُ طَيْرُ مَلَكُوتِ الْبَيَانِ فِي كُلِّ آنٍ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: أَرَدْتُ الْكُلَّ لَكَ وَأَرَدْتُكَ لِنَفْسِكَ. لَوْ سَمَحَ عُلَمَآءُ هَذَا الْعَصْرِ لِمَنْ عَلَى الأَرْضِ حَتَّى يَجِدُوا رَائِحَةَ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ لأَدْرَكَ الْعَارِفُونَ عِنْدَئِذٍ الْحُرِّيَّةَ الْحَقِيقِيَّةَ وَوَجَدُوا الرَّاحَةَ كُلَّ الرَّاحَةِ وَالطُّمَأْنِينَةَ كُلَّ الطُّمَأْنِينَةِ. إِذَا تَنَوَّرَتْ الأَرْضُ بِأَنْوَارِ شَمْسِ هَذَا الْمَقَامِ إِذَاً يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ [لاَ تَرَى فِيهَا عِوَجَاً وَلاَ أَمْتَاً]2. وَالصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى مَنِ ابْتَسَمَ بِظُهُورِهِ ثَغْرُ الْبَطْحَاءِ3 وَتَعَطَّرَ بِنَفَحَاتِ قَمِيصِهِ كُلُّ الْوَرَى الَّذِي أَتَى لِحِفْظِ الْعِبَادِ 142 عَنْ كُلِّ مَا يَضُرُّهُمْ فِي نَاسُوتِ الإِنْشَآءِ. تَعَالَى تَعَالَى مَقَامُهُ عَنْ وَصْفِ الْمُمْكِنَاتِ وَذِكْرِ الْكَائِنَاتِ. بِهِ ارْتَفَعَ خِبَآءُ النَّظْمِ فِي الْعَالَمِ وَعَلَمُ الْعِرْفَانِ بَيْنَ الأُمَمِ. وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ بِهِمْ نُصِبَتْ رَايَاتُ التَّوْحِيدِ وَأَعْلاَمُ النَّصْرِ وَالتَّفْرِيدِ. وَبِهِمِ ارْتَفَعَ دِينُ اللهِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَذِكْرُهُ بَيْنَ عِبَادِهِ. أَسْأَلُهُ تَعَالَى بِأَنْ يَحْفَظَهُ عَنْ شَرِّ أَعْدَائِهِ الَّذِينَ خَرَقُوا الأَحْجَابَ وَهَتَكُوا الأَسْتَارَ إِلَى أَنْ نُكِسَتْ رَايَةُ الإِسْلاَمِ بَيْنَ الأَنَامِ. أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ وَصَلَ خِطَابُكَ وَتَضَوَّعَتْ مِنْهُ نَفْحَهُ الْوِصَالَ وَقَدْ مَرَّ – وَالْحَمْدُ للهِ – نَسِيمُ الْقُرْبِ وَاللِّقَآءِ بَعْدَ حُكْمِ الْفِرَاقِ الْمُحْكَمِ وَأَنْعَشَ أَرْضَ الْقَلْبِ بِمَاءِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ. للهِ الْحَمْدُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ. الأَمَلُ أَنْ يَمُنَّ اللهُ بِعِنَايَتِهِ وَيَهْدِيَ جَمِيعَ مَنْ عَلَى الأَرْضِ إِلَى مَا يُحِبُّ وَيَرْضَى. لاحِظُوا كَمْ مِنَ السِّنِينَ مَضَتْ وَلَمْ تَهْدَأْ فِيهَا الأَرْضُ وَلاَ أَهْلُهَا. إِنَّهُمْ مَشْغُولُونَ بِالْحَرْبِ تَارَةً وَمُعَذَّبُونَ بِالْبَلاَيَا الْمُفَاجِئَةِ تَارَةً أُخْرَى وَقَدْ أَحَاطَتِ الأَرْضَ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ. وَمَعَ ذَلِكَ لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ سَبَبَهُ وَعِلَّتَهُ. إِذَا تَكَلَّمَ النَّاصِحُ الْحَقِيقِيُّ أَخَذُوهَا عَلَى مَحْمَلِ الْفَسَادِ وَلْم يَقْبَلُوهَا مِنْهُ. الإِنْسَانُ فِي حَيْرَةٍ مَاذَا يَقُولُ وَبِمَاذَا يَتَحَدَّثُ لاَ يُرَى فِي الْحَقِيقَةِ نَفْسَانِ مُتَّحِدَانِ ظَاهِرَاً وَبَاطِنَاً. وَمَعَ أَنَّ الْكُلَّ خُلِقُوا لِلاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ 143 تَرَى آثَارَ النِّفَاقِ مَوْجُودَةً وَمَشْهُودَةً فِي الآفَاقِ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ قَدِ ارْتَفَعَتْ خَيْمَةُ الاتِّحَادِ لاَ يَنْظُرْ بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ كَنَظْرَةِ غَرِيبٍ إِلَى غَرِيبٍ. كُلُّكُمْ أَثْمَارُ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَوْرَاقُ غُصْنٍ وَاحِدٍ. الأَمَلُ أَنْ يَسْطَعَ نُورُ الإِنْصَافِ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَيُقَدِّسَ الْعَالَمَ مِنَ الاعْتِسَافِ. فَلَوْ أَنَّ الْمُلُوكَ وَالسَّلاَطِينَ الَّذِينَ هُمْ مَظَاهِرُ اقْتِدَارِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ شَدُّوا الْهِمَّةَ وَقَامُوا بِمَا يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ لَعَمَّتِ الْعَالَمَ شَمْسُ الْعَدْلِ وَنَوَّرَتْهُ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ خِبَآءَ نَظْمِ الْعَالَمِ يَقُومُ وَيَرْتَفِعُ عَلَى عَمُودَيْنِ: الْمُجَازَاةِ وَالْمُكَافَاةِ. وَيَقُولُ فِي مَقَامٍ آخَرَ بِاللُّغَةِ الْفُصْحَى: لِلْعَدْلِ جُنْدٌ وَهِيَ مَجَازَاةُ الأَعْمَالِ وَمُكَافَاتُهَا بِهِمَا ارْتَفَعَ خِبَآءُ النَّظْمِ فِي الْعَالَمِ وَأَخَذَ كُلُّ طَاغٍ زِمَامَ نَفْسِهِ مِنْ خَشْيَةِ الْجَزَآءِ. وَفِي مَقَامٍ آخَرَ: يَا مَعْشَرَ الأُمَرَآءِ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ جُنْدٌ أَقْوَى مِنَ الْعَدْلِ وَالْعَقْلِ. أَلْحَقُّ أَقُولُ إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الأَرْضِ جُنْدٌ أَقْوَى مِنَ الْعدْلِ وَالْعَقْلِ وَلَنْ يَكُونَ. طُوبَى لِمَلِكٍ يَمْشِي وَتَمْشِي أَمَامَ وَجْهِهِ رَايَةُ الْعَقْلِ وَعَنْ وَرَائِهِ كَتِيبَةُ الْعَدْلِ إِنَّهُ غُرَّةُ جَبِينِ السَّلاَمِ بَيْنَ الأَنَامِ وَشَامَةُ وَجَنَةِ الأَمَانِ فِي الإِمْكَانِ. 144 فِي الْحَقِيقَةِ إِذَا انْقَشَعَ سَحَابُ الظُّلْمِ عَنْ شَمْسِ الْعَدْلِ لِتُرَى الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ. وَفِي مَقَامٍ آخَرَ فِي السَّبَبِ الأَوَّلِ وَالْعِلَّةِ الأُولَى لِسُكُونِ الأُمَمِ وَرَاحَتِهَا وَعَمَارِ الْعَالَمِ يَقُولُ سَيِّدُ الْوُجُودِ: لا بُدَّ أَنْ تُشَكَّلَ فِي الأَرْضِ هَيْئَةٌ عُظْمَى يَتَفَاوَضُ الْمُلُوكُ وَالسَّلاَطِينُ فِي تِلْكَ الْهَيْئَةِ بِشَأْنِ الصُّلْحِ الأَكْبَرِ. وَذَلِكَ بِأَنْ تَتَشَبَّثَ الدُّوَلُ الْعُظْمَى بِصُلْحٍ مُحْكَمٍ لِرَاحَةِ الْعَالَمِ. وَإِذَا قَامَ مَلِكٌ عَلَى مَلِكٍ قَامَ الْجَمِيعُ مُتَّفِقِينَ عَلَى مَنْعِهِ. وَبِهَذِهِ الْحَالَةِ لاَ يَحْتَاجُ الْعَالَمُ قَطُّ إِلَى الْمُهِمَّاتِ الْحَرْبِيَّةِ وَالصُّفُوفِ الْعَسْكَرِيَّةِ إِلاَّ عَلَى قَدْرٍ يَحْفَظُونَ بِهِ مَمَالِكَهُمْ وَبُلْدَانَهُمْ. هَذَا هُوَ السَّبَبُ لِرَاحَةِ الدَّوْلَةِ وَالرَّعِيَّةِ وَالْمَمْلَكَةِ. عَسَى أَنْ يَفُوزَ بِمَشِيئَةِ اللهِ الْمُلُوكُ وَالسَّلاَطِينُ الَّذِينَ هُمْ مَرَايَا اسْمِ اللهِ الْعَزِيزِ بِهَذَا الْمَقَامِ وَيَحْفَظُوا الْعَالَمَ مِنْ سَطْوَةِ الظُّلْمِ. وَكَذَلِكَ تَفَضَّلَ بِقَوْلِهِ: مِنْ جُمْلَةِ الأُمُورِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ وَبِهَا يُرَى جَمِيعُ الْعَالَمِ وَطَنَاً وَاحِدَاً هِيَ أَنْ تَنْتَهِيَ الأَلْسُنُ الْمُتَنَوِّعَةُ إِلَى لِسَانٍ وَاحِدٍ وَكَذَلِكَ خُطُوطُ الْعَالَمِ إِلَى خَطٍّ وَاحِدٍ. عَلَى جَمِيعِ الْمِلَلِ أَنْ يُعَيِّنُوا أَشْخَاصَاً مِنْ ذَوِي الْفَهْمِ وَالْكَمَالِ لِيَجْتَمِعُوا وَيَخْتَارُوا – بِمُشَاوَرَةِ 145 بَعْضِهِمِ الْبَعْضَ – لُغَةً مِنَ اللُّغَاتِ الْمُتَنَوِّعَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ أَوْ يَخْتَرِعُوا لُغَةً جَدِيدَةً يُعَلِّمُونَهَا الأَطْفَالَ فِي جَمِيعِ مَدَارِسِ الْعَالَمِ. سَيَتَزَيَّنُ جَمِيعُ أَهْلِ الْعَالَمِ قَرِيبَاً بِلِسَانٍ وَاحِدٍ وَخَطٍّ وَاحِدٍ وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِذَا اتَجَّهَ أَيُّ شَخْصٍ إِلَى بَلَدٍ فَكَأَنَّهُ وَرَدَ إِلَى بَيْتِهِ. إِنَّ هَذِهِ الأُمُورَ لازِمَةٌ وَوَاجِبَةٌ فَعَلَى كُلِّ ذِي بَصَرٍ وَسَمْعٍ أَنْ يَجْهَدَ كُلَّ الْجَهْدِ حَتَّى تَتَحَوَّلَ الْوَسَائِلُ الْمَذْكُورَةُ جَمِيعُهَا مِنْ عَالَمِ الأَلْفَاظِ وَالأَقْوَالِ إِلَى عَرْصَةِ الشُّهُودِ وَالْعَيَانِ. يُرَى الْيَوْمَ هَيْكَلُ الْعَدْلِ تَحْتَ مَخَالِبِ الظُّلْمِ وَالاعْتِسَافِ. اسْأَلُوا اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ لاَ يَحْرِمَ النُّفُوسَ مِنْ بَحْرِ الْعِرْفَانِ حَيْثُ إِنَّهُمْ لَوْ عَلِمُوا لأَدْرَكُوا أَنَّ كُلَّ مَا جَرَى وَثَبَتَ مِنْ قَلَمِ الْحِكْمَةِ هُوَ بِمَثَابَةِ الشَّمْسِ لِلْعَالَمِ وَفِي ذَلِكَ رَاحَةُ الْكُلِّ وَأَمْنُهُمْ وَمَصْلَحَتُهُمْ وَمِنْ دُونِ ذَلِكَ يَنْزِلُ بِالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ بَلآءٌ جَدِيدٌ وَتَقُومُ فِتْنَةٌ جَدِيدَةٌ. عَسَى اللهُ أَنْ يُوَفِّقَ أَهْلَ الْعَالَمِ لِحِفْظِ سُرُجِ الْبَيَانَاتِ الْمُشْفِقَةِ بِمَصَابِيحِ الْحِكْمَةِ. الأَمَلُ أَنْ يَتَحَلَّى الْكُلُّ بِطِرَازِ الْحِكْمَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ أُسُّ أَسَاسِ سِيَاسَةِ الْعَالَمِ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ سَمَآءَ السِّيَاسَةِ مُنِيرَةٌ بِنَيِّرِ 146 هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ مَشْرِقِ الإِرَادَةِ. يَنْبَغِي لِكُلِّ آمِرٍ أَنْ يَزِنَ نَفْسَهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ بِمِيزَانِ الْقِسْطِ وَالْعَدْلِ ثُمَّ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُمْ بِمَا يَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْحِكْمَةِ وَالْعَقْلِ. هَذَا هُوَ أُسُّ السِّيَاسَةِ وَأَصْلُهَا. يَسْتَنْبِطُ الْحَكِيمُ الْعَارِفُ مِنْ هَذِهِ الكَلِمَةِ مَا يُؤَدِّي إِلَى الرَّاحَةِ وَالأَمَانِ وَحِفْظِ النُّفُوسِ وَحَقْنِ الدِّمَآءِ وَأَمْثَالِهَا. لَوْ شَرِبَ ذَوُو الأَفْئِدَةِ مِنْ بَحْرِ الْمَعَانِي الْمَسْتُورَةِ فِي هَذِهِ الأَلْفَاظِ وَأَدْرَكُوهَا لَشَهِدُوا جَمِيعَاً عَلَى عُلُوِّ الْبَيَانِ وَسُمُوِّهِ. لَوْ عَرَضَ هَذَا الْفَانِي مَا أَدْرَكَهُ لَشَهِدَ الْجَمِيعُ بِالْحِكْمَةِ الْبَالِغَةِ الإِلهِيَّةِ. إِنَّ أَسْرَارَ السِّيَاسَةِ مَكْنُونَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَةِ وَكُلُّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ مَخْزُونٌ فِيهَا. فَهَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي يَسْأَلُ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ وَيَأْمُلُ أَنْ يُنَوِّرَ أَبْصَارَ الْعَالَمِ بِنُورِ الْحِكْمَةِ كَيْ يُدْرِكَ الْكُلُّ مَا يَقْتَضِيهِ هَذَا الْيَوْمُ فَالإِنْسَانُ الْيَوْمَ هُوَ الَّذِي قَامَ عَلَى خِدْمَةِ جَمِيعِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: طُوبَى لِمَنْ أَصْبَحَ قَائِمَاً عَلَى خِدْمَةِ الأُمَمِ. وَيَقُولُ فِي مَقَامٍ آخَرَ: لَيْسَ الْفَخْرُ لِمَنْ يُحِبُّ الْوَطَنَ بَلْ لِمَنْ يُحِبُّ الْعَالَمَ. 147 يُعْتَبَرُ الْعَالَمُ فِي الْحَقِيقَةِ وَطَنَاً وَاحِدَاً وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ أَهْلُهُ. وَالْمَقْصُودُ مِنَ الاتِّحَادِ وَالاتِّفَاقِ الْمَنْصُوصَيْنِ بِالْقَلَمِ الأَعْلَى فِي كُتُبِ الأَنْبِيَآءِ كَانَ وَلَمْ يَزَلْ فِي أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ وَلَيْسَ فِي اتِّحَادٍ يُؤَدِّي إِلَى الاخْتِلاَفِ وَاتِّفَاقٍ يُمْسِي عِلَّةً لِلنِّفَاقِ. هَذَا مَقَامُ الْقِيَاسِ وَالْمِقْدَارِ وَمَقَامُ إِعْطَآءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. طُوبَى لِمَنْ عَرَفَ وَفَازَ وَيَا حَسْرَةً لِلْغَافِلِينَ. تَشْهَدُ بِذَلِكَ آثَارُ الطَّبِيعَةِ بِنَفْسِهَا وَيَعْلَمُ كُلُّ حَكِيمٍ مَا عَرَضْنَاهُ إلاَّ مَنْ كَانَ مِنْ كَوْثَرِ الإِنْصَافِ مَحْرُومَاً وَفِي هَيْمَآءِ الْغَفْلَةِ وَالْحَمِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ هَائِمَاً. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: يَا أَبْنَاءَ الإِنْسَانِ إِنَّ دِينَ اللهِ وَمَذْهَبَهُ لأَجْلِ حِفْظِ الْعَالَمِ وَاتِّحَادِهِ وَاتِّفَاقِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَأُلْفَتِهِ لاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَاً لِلنَّفَاقِ وَالاخْتِلاَفِ وَعِلَّةً لِلضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَآءِ هَذَا هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَالأُسُّ الْمُحْكَمُ الْمَتِينُ. كُلُّ مَا يُشَادُ عَلَى هَذَا الأَسَاسِ لاَ تُزَعْزِعُهُ حَوَادِثُ الدُّنْيَا وَلاَ يُقَوِّضُ أَرْكَانَهُ مَدَى الزَّمَانِ. الأَمَلُ أَنْ يَقُومَ عُلَمَآءُ الأَرْضِ وَأُمَرَاؤُهَا مُتَّحِدِينَ عَلَى إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَبَعْدَ التَّفْكِيرِ وَالْمَشُورَةِ الْكَامِلَةِ يَشْفُوا بِدِرْيَاقِ التَّدْبِيرِ هَيْكَلَ الْعَالَمِ الَّذِي يَبْدُو الآنَ مَرِيضَاً وَيُزَيِّنُوهُ بِطِرَازِ الصِّحَّةِ. 148 تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ سَمَاءَ الْحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ مُسْتَضِيئَةٌ وَمُسْتَنِيرَةٌ بِنَيِّرَيْنِ: الْمَشُورَةِ وَالشَّفَقَةِ. تَمَسَّكُوا بِالْمَشُورَةِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ فَهِيَ سِرَاجُ الْهِدَايَةِ إِنَّهَا تَهْدِي السَّبِيلَ وَتَهِبُ الْمَعْرِفَةَ. يَجِبُ النَّظَرُ إِلَى عَاقِبَةِ كُلِّ أَمْرٍ مِنْ بِدَايَتِهِ وَأَنْ يَنْكَبَّ الأَطْفَالُ عَلَى عُلُومٍ وَفُنُونٍ تُؤَدِّي إِلَى مَنْفَعَةِ الإِنْسَانِ وَرُقِيِّهِ وَإِعْلآءِ مَقَامِهِ كَيْ تَزُولَ رَائِحَةُ الْفَسَادِ مِنَ الْعَالَمِ وَيُصْبِحَ الْكُلُّ بِفَضْلِ هِمَّةِ أَوْلِيَآءِ الدَّوْلَةِ وَالْمِلَّةِ مُسْتَرِيحِينَ فِي مَهْدِ الأَمْنِ وَالاطْمِئْنَانِ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: عَلَى عُلَمَآءِ الْعَصْرِ أَنْ يَأْمُرُوا النَّاسَ بِتَحْصِيلِ الْعُلُومِ النَّافِعَةِ كَيْ يَنْتَفِعُوا مِنْهَا بِأَنْفُسِهِمْ وَيَنْتَفِعَ مِنْهُ أَهْلُ الْعَالَمِ. كَانَتْ وَمَا زَالَتِ الْعُلُومُ الَّتِي تَبْدَأُ بِالْكَلاَمِ وَتَنْتَهِي بِالْكَلاَمِ دُونَ فَائِدَةٍ. إِنَّ مُعْظَمَ حُكَمَآءِ إِيرَانَ يَصْرِفُونَ أَعْمَارَهُمْ فِي دِرَاسَةِ الْحِكْمَةِ وَلَكِنَّ الْحَاصِلَ لَهُمْ فِي الْعَاقِبَةِ لَيْسَتْ إِلاَّ أَلْفَاظَاً. وَعَلَى الرُّؤَسَآءِ أَنْ يَكُونُوا نَاظِرِينَ إِلَى الاعْتِدَالِ فِي جَمِيعِ الأُمُورِ حَيْثُ أَنَّ كُلَّ أَمْرٍ جَاوَزَ حَدَّ الاعْتِدَالِ حُرِمَ مِنْ طِرَازِ التَّأْثِيرِ. مِثَالُ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ وَالتَّمَدُّنُ وَأَمْثَالُهُمَا – بِالرُّغْمِ مِنْ كَوْنِهَا مَوْضِعَ قَبُولِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ – لَوْ جَاوَزَتْ 149 حَدَّ الاعْتِدَالِ أَدَّتْ إِلَى الضَّرَرِ. وَإِذَا أَسْهَبْنَا فِي هَذَا الْمَجَالِ فَإِنَّ الْبَيَانَ يَطُولُ وَيُخْشَى أَنْ يكُونَ سَبَبَاً لِلْمَلَلِ. يَسْأَلُ اللهَ جُلَّ جَلاَلُهُ هَذَا الْفَانِي آمِلاً أَنْ يَهَبَ الْكُلَّ خَيْرَاً. وَفِي الْحَقِيقَةِ كُلُّ نَفْسٍ فَازَتْ بِذَلِكَ مَلَكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: يَقُولُ لِسَانُ الْعَقْلِ مَنْ لاَ يَمْلِكُنِي لاَ يَمْلِكُ شَيْئَاً. انْبِذُوا كُلَّ شَيْءٍ وَابْحَثُوا عِنِّي أَنَا شَمْسُ الْبَصِيرَةِ وَبَحْرُ الْمَعْرِفَةِ أُنْعِشُ الْخَامِلِينَ وَأُحْيِى الأَمْوَاتَ. أَنَا ذَلِكَ النُّورُ الَّذِي يَسْتَنِيرُ بِهِ الأَبْصَارُ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَا صَقَرُ سَاعِدِ اللهِ الْغَنِيِّ أُحَرِّرُ ذَوِي الأَجْنِحَةِ الْمَغْلُولَةِ وَأُعَلِّمُهُمُ الطَّيَرَانَ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ: سَمَآءُ الْعَقْلِ مُضِيئَةٌ بِشَمْسِ الْحِلْمِ وَالتَّقْوَى. يَا حَبِيبِي إِنَّ بُحُورَاً مُتَّسِعَةً كَامِنَةٌ فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْمُخْتَصَرَةِ طُوبَى لِنَفْسٍ عَرَفَتْ وَشَرِبَتْ وَالْحَسْرَةُ لِلْغَافِلِينَ. يَلْتَمِسُ هَذَا الْفَانِي مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ الإِنْصَافَ كَيْ يُطَهِّرُوا الأُذُنَ اللَّطِيفَةَ الرَّقِيقَةَ الْمَحْبُوبَةَ – الَّتِي خُلِقَتْ لإِصْغَاءِ كَلِمَةِ الْحِكْمَةِ – مِنَ السُّبُحَاتِ وَالإِشَارَاتِ وَالظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ الَّتِي لاَ تُسْمِنُ وَلاَ تُغْنِي حَتَّى يُقْبِلَ النَّاصِحُ عَلَى إِظْهَارِ مَا هُوَ عِلَّةُ بَرَكَةِ الْعَالَمِ وَخَيْرِ الأُمَمِ إِنَّ نُورَ الإِصْلاَحِ مَخْمُودٌ وَمُطْفَأٌ الْيَوْمَ فِي أَكْثَرِ الْبُلْدَانِ وَنَارُ الْفَسَادِ ظَاهِرَةٌ وَمُشْتَعِلَةٌ... 150 لَيْسَ الاعْتِسَافُ شَأْنَ الإِنْسَانِ. فَيَنْبَغِي لَهُ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ أَنْ يَكُونَ نَاظِرَاً إِلَى الإِنْصَافِ وَمُزَيَّنَاً بِطِرَازِ الْعَدْلِ. اطْلُبُوا مِنَ اللهِ تَعَالَى أَنْ يُطَهِّرَ نُفُوسَاً بِأَيَادِي الْعِنَايَةِ وَالتَّرْبِيَةِ مِنْ دَنَسِ النَّفْسِ وَالْهَوَى حَتَّى يَقُومُوا للهِ وَيَتَكَلَّمُوا لِوَجْهِهِ عَسَى أَنْ تُمْحَى آثَارُ الظُّلْمِ وَتُحِيطَ الْعَالَمَ أَنْوَارُ الْعَدْلِ. النَّاسُ غَافِلُونَ وَلاَ بُدَّ مِنْ مُبَيِّنٍ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: الْحَكِيمُ الْعَارِفُ وَالْعَالِمُ الْبَصِيرُ هُمَا بَصَرَانِ لِهَيْكَلِ الْعَالَمِ عَسَى أَنْ لاَ يُحْرَمَ الْعَالَمُ بِمَشِيئَةِ اللهِ مِنْ هَاتَيْنِ الْعَطِيَّتَيْنِ الْكُبْرَيَيْنِ وَأَنْ لاَ يُمْنَعَ عَنْهُمَا. إِنَّ حُبَّ هَذَا الْعَبْدِ لِخِدْمَةِ مَنْ عَلَى الأَرْضِ أَجْمَعِينَ كَانَ وَلَمْ يَزَلْ بَاعِثَاً لِكُلِّ مَا ذُكِرَ وَيُذْكَرُ. يَا حَبِيبِي عَلَى الإِنْسَانِ أَنْ يَتَشَبَّثَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ بِمَا هُوَ السَّبَبُ وَالْعِلَّةُ لأَمْنِ الْعَالَمِ وَرَاحَتِهِ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ هُوَ الَّذِي كَانَ وَلَمْ يَزَلْ يُطَهِّرُكُمْ مِنَ الدَّنَسِ فِي هَذَا الْيَوْمِ السَّعِيدِ وَيُوصِلُكُمْ إِلَى السَّعَادَةِ. عَسَى أَنْ يَتَنَبَّهَ أَهْلُ الْعَالَمِ – إِنْ شَاءَ اللهُ – بِهِمَّةِ أَوْلِيَآءِ الأَرْضِ وَحُكَمَائِهَا إِلَى مَا يَنْفَعُهُمْ. إِلَى مَتَى الْغَفْلَةُ إِلَى مَتَى 151 الاعْتِسَافُ إِلَى مَتَى الْفَوْضَى وَالاخْتِلاَفُ. إِنَّ هَذَا الْخَادِمَ الْفَانِي لَفِي حَيْرَةٍ فَالْجَمِيعُ ذَوُو الْبَصَرِ وَالسَّمَعِ وَلَكِنْ يَبْدُو أَنَّهُمْ مَحْرُومُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ وَالاسْتِمَاعِ. إِنَّ حُبَّ هَذَا الْخَادِمِ لِجِنَابِكَ دَفَعَهُ إِلَى كِتَابَةِ هَذِهِ الأَوْرَاقِ مَعَ أَنَّهُ فِي الْوَاقِعِ تَهُبُّ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ أَرْيَاحُ الْيَأْسِ. وَالْفَوْضَى وَالاخْتِلاَفُ فِي تَزَايُدٍ مُسْتَمِرٍّ وَآثَارُ الْهَرْجِ وَالْمَرْجِ مَشْهُودَةٌ لأَنَّ الأَسْبَابَ حَالِيَّاً لاَ تَبْدُو مُنَاسِبَة. أَسْأَلُ اللهَ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يُنَبِّهَ الْعَالَمَ وَيَجْعَلَ الْعَاقِبَةَ خَيْرَاً وَيُؤَيِّدَهُمْ عَلَى مَا يَنْبَغِي وَيَلِيقُ. إِذَا عَرَفَ الإِنْسَانُ قَدْرَهُ وَمَقَامَهُ مَا ظَهَرَتْ مِنْهُ سِوَى الأَخْلاَقِ الْحَسَنَةِ وَالأَعْمَالِ الطَّيِّبَةِ الرَّاضِيَةِ الْمَرْضِيَّةِ. إِذَا نَبَّهَ الْمُشْفِقُونَ مِنَ الْعَلَمَاءِ وَالْعُرَفَاءِ النَّاسَ تَرَاءَى الْعَالَمُ بِأَجْمَعِهِ قِطْعَةً وَاحِدَةً. هَذَا حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ. يَسْأَلُ الْخَادِمُ هِمَّةً مِنْ كُلِّ ذِي هِمَّةٍ لِيَقُومَ عَلَى إِصْلاَحِ الْبِلاَدِ وَإِحْيَآءِ الأَمْوَاتِ بِمَاءِ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ حُبَّاً للهِ الْفَرْدِ الْوَاحِدِ الْعَزِيزِ الْمَنَّانِ. لاَ تَظْهَرُ حِكْمَةُ حَكِيمٍ إِلاَّ بِالْبَيَانِ. وَهَذَا هُوَ مَقَامُ الْكَلِمَةِ الَّتِي جَاءَ ذِكْرُهَا فِي الْكُتُبِ مِنْ قُبْلُ وَمِنْ بَعْدُ. لأَنَّ الْعَالَمَ بِأَسْرِهِ بَلَغِ بِالْكَلِمَةِ وَرُوحِهَا إِلَى الْمَقَامَاتِ الْعَالِيَةِ. وَعَلَى الْبَيَانِ وَالْكَلِمَةِ أَنْ يَكُونَا مُؤَثِّرَيْنِ وَكَذَلِكَ نَافِذَيْنِ. وَسَيَتَّصِفَانِ 152 بِالأَثَرِ وَالنُّفُوذِ إِنْ أُلْقِيَا للهِ وَمُرَاعَاةً لِمُقْتَضَيَاتِ الظُّرُوفِ وَالنُّفُوسِ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: إِنَّ الْبَيَانَ جَوْهَرٌ يَطْلُبُ النُّفُوذَ وَالاعْتِدَالَ. أَمَّا النُّفُوذُ مُعَلَّقٌ بِاللَّطَافَةِ وَاللَّطَافَةُ مَنُوطَةٌ بِالْقُلُوبِ الْفَارِغَةِ الصَّافِيَةِ. وَأَمَّا الاعْتِدَالُ امْتِزَاجُهُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الأَلْوَاحِ. لِكُلِّ كَلِمَةٍ رُوحٌ لِذَا عَلَى الْمُتَكَلِّمِ وَعَلَى الْمُبَيِّنِ مُرَاعَاةُ ظُرُوفِ الزَّمَانِ وِالْمَكَانِ فِي إِلْقَاءِ تِلْكَ الْكَلِمَةِ. حَيْثُ إِنَّ لِكُلِّ كَلِمَةٍ أَثَرَهَا الْمَوْجُودَ الْمَشْهُودَ. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: كَلِمَةٌ هِيَ بِمَثَابَةِ النَّارِ وَأُخْرَى بِمَثَابَةِ النُّورِ وَأَثَرُ كِلْتَيْهِمَا ظَاهِرٌ فِي الْعَالَمِ. لِذَا عَلَى الْحَكِيمِ الْعَارِفِ أَنْ يَبْتَدِئَ بِكَلِمَةٍ تَكُونُ لِهَا خَاصِيَّةُ اللَّبَنِ حَتَّى يَتَرَبَّى بِهَا أَطْفَالُ الدَّهْرِ وَيَفُوزُوا بِالْغَايَةِ الْقُصْوَى مِنَ الْوُجُودِ الإِنْسَانِيِّ الَّتِي هِيَ مَقَامُ النُّبْلِ وَالإِدْرَاكِ. وَكَذَلِكَ يَقُولُ: كَلِمَةٌ هِيَ بِمَثَابَةِ الرَّبِيعِ تَخْضَرُّ أَغْرَاسُ بُسْتَانِ الْمَعْرِفَةِ وَتَنْتَعِشُ وَكَلِمَةٌ أُخْرَى كَالسُّمُومِ. عَلَى الْحَكِيمِ الْعَارِفِ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَمَالِ الْمُدَاراةِ كَيْ يَفُوزَ الْكُلُّ مِنْ حَلاوَةِ الْبَيَانِ بِمَا يَنْبَغِي لِلإِنْسَانِ. يَا حَبِيبِيْ 153 إِنَّ الْكَلِمَةَ الإِلَهِيَّةَ هِيَ سُلْطَانُ الْكَلِمَاتِ وَنُفُوذُهَا لا يُحْصَى. تَفَضَّلَ سَيِّدُ الْوُجُودِ قَائِلاً: الْكَلِمَةُ كَانَتْ وَلَمْ تَزَلْ تُسَخِّرُ الْعَالَمَ. إِنَّهَا الْمِفْتَاحُ الأَعْظَمُ فِي الْكَوْنِ لأَنَّ أَبْوَابَ الْقُلُوبِ الَّتِي هِيَ حَقَّاً أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَدْ فُتِحَتْ بِهَا. إِنَّ وَمِيضَاً مِنْ تَجَلِّيَاتِهَا أَشْرَقَ عَلَى مِرْآةِ الْحُبِّ فَانْطَبَعَتْ فِيهَا كَلِمَةُ "أَنَا الْمَحْبُوبُ" الْمُبَارَكَةُ. إِنَّهَا بَحْرٌ زَاخِرٌ وَجَامِعٌ مِنْهَا يَظْهَرُ كُلُّ الْمُدْرَكَاتِ. تَعَالَى تَعَالَى هَذَا الْمَقَامُ الأَعْلَى الَّذِي كَيْنُونَةُ الْعُلُوِّ وَالسُّمُوِّ تَمْشِي عَنْ وَرَائِهِ مُهَلِّلاً مُكَبِّرَاً. يَبْدُو أَنَّ ذَائِقَةَ أَهْلِ الْعَالَمِ قَدْ تَغَيَّرَتْ مِنْ حُمَّى الْغَفْلَةِ وَالْجَهْلِ حَيْثُ تَرَاهُمْ غَافِلِينَ وَمَحْرُومِينَ مِنْ حَلاوَةِ الْبَيَانِ. حَيْفٌ عَلَى الإِنْسَانِ كَبِيرٌ أَنْ يَحْرِمَ نْفَسَهُ مِنْ أَثْمَارِ شَجَرَةِ الْحِكْمَةِ فَالأَيَّامُ وَالسَّاعَاتُ تَمُرُّ عَسَى أَنْ تَحْفَظَ يَدُ الْقُدْرَةِ الْجَمِيعَ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَتُرْشِدَهُمْ إِلَى أُفُقِ الْمَعْرِفَةِ. إِنَّ رَبَّنَا الرَّحْمنَ لَهُوَ الْمُؤَيِّدُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. كَمَا أَوَدُّ أَنْ أَقُولَ إِنَّ خِطَابَكُمُ الثَّانِي الْمُرْسَلَ مِنَ الْقُدْسِ الشَّرِيفِ قَدْ وَصَلَ وَلُوحِظَ مَضْمُونُهُ وَعُرِضَ تِلْقَاءَ الْوَجْهِ. تَفَضَّلَ بِقَوْلِهِ: اكْتُبْ يَا مَقْصُودُ لَقَدْ سَمِعْنَا نِدَاءَكَ وَأَصْغَيْنَا إِلَى نُوَاحِكَ وَحَنِينِكَ فِي الْحُبِّ وَالاشْتِيَاقِ. الْحَمْدُ 154 للهِ أَنَّ عَرْفَ الْمَحَبَّةِ كَانَ سَاطِعَاً مُتَضَوِّعَاً مِنْ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا. أَدَامَ اللهُ بِمَشِيئَتِهِ هَذَا الْمَقَامَ. قَدْ أَنْشَدَ الْعَبْدُ الْحَاضِرُ مَا أَنْشَأْتَهُ. وَلَقَدْ وَرَدَ ذِكْرُكَ تَكْرَارَاً لَدَى الْمَظْلُومِ فَاتَّجَهَ إِلَيْكَ لِحَاظُ الْعِنَايَةِ وَالشَّفَقَةِ. الإِنْسَانُ عَظِيمٌ وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ هِمَّتُهُ فِي إِصْلاَحِ الْعَالَمِ وَرَاحَةِ الأُمَمِ عَظِيمَةً. أَسْأَلُ اللهَ الْحَقَّ أَنْ يُؤَيِّدَكَ عَلَى مَا يَلِيقُ لِمَقَامِ الإِنْسَانِ. ضَعِ الْحِكْمَةَ نُصْبَ عَيْنَيْكَ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ لأَنَّ بَعْضَاً مِنْ ذَوِي النِّيَّاتِ السَّيِّئَةِ كَانُوا وَمَا زَالُوا يَتَآمَرُونَ عَلَيْنَا. سُبْحَانَ اللهِ إِنَّهُمْ نَسَبُوا إِلَى الْمَقَامِ الْمُقَدَّسِ الَّذِي لاَ يَلْتَمِسُ لِلْعَالَمِ وَالإِنْسَانِيَّةِ سِوَى الْمَحَبَّةِ وَالْمَوَدَّةِ وَالْعُمْرَانِ وَالإِصْلاَحِ مَا يَخْجَلُ اللِّسَانُ وَالْقَلَمُ مِنْ ذِكْرِهِ. إِنَّا ذَكَرْنَاكَ وَنَذْكُرُكَ وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى بِأَنْ يَحْفَظَكَ بِأَيَادِي الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ وَيُعَرِّفَكَ مَا يَنْفَعُكَ فِي الآخِرَةِ وَالأُولَى إِنَّهُ مَالِكُ الْعَرْشِ وَالثَّرَى وَمَوْلَى الْوَرَى لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْمَظْلُومُ مِنْ أَهْلِ الْوَفَآءِ فَهُوَ لا يَنْسَاكَ أَبَدَاً. وَأَمَّا مَا كَتَبْتَ بِأَنَّكَ عَازِمٌ عَلَى الْبَقَآءِ فِي الشَّامِ حَتَّى الرَّبِيعِ وَسَتَقْصُدُ نَحْوَ الْحَدْبَاءِ4 إِنْ تَيَسَّرَتِ الأَسْبَابُ. يَلْتَمِسُ هَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي إِلَى اللهِ جَلَّ جَلاَلُهُ أَنْ يُيَسِّرُ مَا هُوَ خَيْرٌ 155 لَكَ وَيَمُنَّ عَلَيْكَ بِعِنَايَتِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ. لَمْ تَظْهَرْ مِنْ خَلْقِ هَذِهِ الدِّيَارِ آثَارُ الْمَحَبَّةِ بِالرَّغْمِ مَا أُبْدِيَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الرَّأْفَةُ كُلُّ الرَّأْفَةِ. يَنْبَغِي لِجَنَابِكَ مُرَاعَاةُ تَمَامِ الْحِكْمَةِ إِنَّهُمْ كَانُوا وَمَا زَالُوا بِصَدَدِ الاعْتِرَاضِ وَالإِنْكَارِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ. وَهَبَهُمُ اللهُ الْحَقُّ إِنْصَافَاً مِنْ لَدُنْه. بِالنِّسْبَةِ لأُمُورِكَ الْخَاصَّةِ كُلُّ مَا يَحْدُثُ وَتَجِدُهُ مُنَاسِبَاً فَهُوَ مَحْبُوبٌ. وَالأَحَبُّ هُوَ أَنْ يَشْتَغِلَ الإِنْسَانُ بِعَمَلٍ مَا فَالاهْتِمَامُ بِالْعَمَلِ يَصْرِفُ النَّظَرَ عَنْ مَتَاعِبِ الدَّهْرِ. نَسْأَلُ اللهَ أَنْ تَكُونَ دَائِمَاً فِي كَمَالِ الرَّوْحِ وَالرَّيحَانِ وَالْفَرَحِ وَالسُّرُورِ فِي أَيَّةِ مَدِينَةٍ وَدَارٍ أَقَمْتَ. عَلَى أَيِّ حَالٍ لاَ يَنْسَى هَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي ذَلِكَ الْحَبِيبَ الْكَرِيمَ الْعَطُوفَ وَإِنَّهُ يَذْكُرُكَ عَلَى الدَّوَامِ الأَمْرُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَفَّقَكُمُ اللهُ بِمَشِيئَتِهِ وَأَيَّدَكُمْ بِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى. كَانَ كُلُّ كَلِمَةٍ مِنْ أَشْعَارِكَ – فِي الْحَقِيقَةِ – مِرْآةً انْعَكَسَتْ فِيهَا مَدَى إِخْلاَصِكَ وَمَحَبَّتِكَ للهِ وَأَوْلِيَائِهِ هَنِيئَاً لِجَنَابِكَ بِمَا شَرِبْتَ رَحِيقَ الْبَيَانِ وَسَلْسَبِيلَ الْعِرْفَانِ وَهَنِيئَاً لِمَنْ شَرِبَ وَفَازَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ. وَالْحَقُّ أَقُولُ إِنَّنَا تَأَثَّرْنَا بَعْدَ مُطَالَعَتِهَا لأَنَّهَا كَمَا كَانَتْ تُعَبِّرُ عَنْ نُورِ الْوِصَالِ كَانَتْ أَيْضَاً مُشْتَعِلَةً بِنَارِ الْفِرَاقِ. 156 فَإِنَّنَا فِي مُطْلَقِ الأَحْوَالِ لَسْنَا مَأْيُوسِينَ مِنْ فَضْلِ اللهِ الَّذِي لاَ يَتَنَاهَى. فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ جَعَلَ الذَّرَةَ شَمْسَاً وَالْقَطْرَةَ بَحْرَاً وَفَتَحَ أُلُوفَاً مِنَ الأَبْوَابِ مِنْ حَيْثُ لاَ يَخْطُرُ أَيٌّ مِنْهَا عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ. بَلَغَتْ غَفْلَةُ هَذَا الْخَادِمِ إِلَى دَرَجَةِ أَنَّهُ يُرِيدُ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ إِثْبَاتَ الْقُدْرَةِ للهِ الْحَقِّ جَلَّ جَلاَلُهُ. أَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ عَمَّا ذَكَرْتُ وَأَذْكُرُ. إِنَّ الْخَادِمَ يَعْتَرِفُ فِي كُلِّ حِينٍ بِجَرِيرَاتِهِ الْعُظْمَى وَخَطِيئَاتِهِ الْكُبْرَى. وَيَسْأَلُ الْعَفْوَ مِنْ بَحْرِ غُفْرَانِ رَبِّهِ تَعَالَى وَمَا يَجْعَلُهُ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ وَنَاطِقَاً بِذِكْرِهِ وَمُقْبِلاً إِلَيْهِ وَمُتَّكَلاً عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. الْحَمْدُ للهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. ثَمَّةَ مَطْلَبٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْفَانِي قَدْ اطَّلَعَ عَلَى جَمِيعِ مُحَاوَرَاتِ السَّياحِ الَّذِي جَاءَ ذِكْرُهُ فِي عَرِيضَتِكَ إِلَى مَوْلاَيَ رُوحِيْ فِدَاهُ. كَانَ الْمَقْصُودُ مِنَ التَّعْبِيرَاتِ الْوَارِدَةِ فِي تِلْكَ الْمُحَاوَرَاتِ كُلِّهَا إِيقَاظَ النَّاسِ مِنْ نَوْمِ الْغَفْلَةِ. فَأَعْمَالُ الإِنْسَانِ نَفْسِهِ هِيَ عِلَّةُ ظُهُورِ أَلْفِ عَزَازِيلَ5. إِذْ إِنَّ النَّاسَ لَوْ يَتَمَسَّكُونَ بِالتَّعَالِيمِ الإِلَهِيَّةِ وَيَعْمَلُونَ بِهَا لاَ يَبْقَى لِعَزَازِيلَ أَيُّ أَثَرٍ فِي الأَرْضِ فَالْخِلاَفَاتُ وَالنِّفَاقُ وَالْجِدَالُ وَالْمُحَارَبَةُ وَمَا شَاكَلَهَا هِيَ سَبَبُ ظُهُورِ عَزَازِيلَ وَعِلَّتهُ وَلَيْسَتْ 157 لِجِبْرِيلَ يَدٌ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الأُمُورِ. فَالْعَالَمُ الَّذِي لاَ يَظْهَرُ مِنْهُ أَمْرٌ غَيْرُ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ وَالْفسَادِ إِنَّهُ مَقَرُّ عَرْشِ عَزَازِيلَ وَمَحَلُّ سَلْطَنَتِهِ. مَا أَكْثَرَ أُولَئِكَ الأَوْلِيَآءَ وَالأَصْفِيَآءَ الَّذِينَ نَاحُوا فِي اللَّيَالِي وَالأَيَّامِ رَاجِينَ هُبُوبَ نَسِيمِ عِطِرٍ عَلِيلٍ مِنْ شَطْرِ الإِرَادَةِ الإِلَهِيَّةِ يُزِيلُ الرَّوَائِحَ الْكَرِيهَةَ الْمُنْتِنَةَ مِنَ الْعَالَمِ وَلَكِنَّ مُقْتَضَيَاتِ الأَعْمَالِ الْخَبِيثَةِ وَمُجَازَاتِها الَّتِي تُعْتَبَرُ أُسَّاً مِنْ أَسَاسِ السِّيَاسَةِ الإِلَهِيَّةِ حَالَتْ دُونَ مُرُورِهِ وَمَنَعَتْ ذَلِكَ وَلَمْ تَتْرُكْ مَجَالاً لِظُهُورِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ. لَنَا أَنْ نَصْبِرَ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَ الْفَرَجُ مِنَ اللهِ الْغَفُورِ الْكَرِيمِ. سُبْحَانَكَ يَا إِلهَ الْكَائِنَاتِ وَمَقْصُودَ الْمُمْكِنَاتِ أَسْأَلُكَ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي بِهَا نَادَتِ السِّدْرَةُ وَصَاحَتِ الصَّخْرَةُ وَبِهَا سَرُعَ الْمُقَرَّبُونَ إِلَى مَقَرِّ قُرْبِكَ وَالْمُخْلِصُونَ إِلَى مَطْلِعِ نُورِ وَجْهِكَ. وَبِضَجِيجِ الْعَاشِقِينَ فِي فِرَاقِ أَصْفِيَائِكَ وَحَنِينِ الْمُشْتَاقِينَ عِنْدَ تَجَلِيَّاتِ أَنْوَارِ شَمْسِ ظُهُورِكَ بِأَنْ تُعَرِّفَ عِبْادَكَ مَا أَرَدْتَ لَهُمْ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ ثُمَّ اكْتُبْ لَهُمْ مِنْ قَلَمِكَ الأَعْلَى مَا يَهْدِيهِمْ إِلَى بَحْرِ عَطَائِكَ وَكَوْثَرِ قُرْبِكَ. أَيْ رَبِّ لاَ تَنْظُرْ إِلَيْهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ فَانْظُرْ إِلَى سَمَاءِ رَحْمَتِكَ الَّتِي سَبَقَتِ الْوُجُودَ مِنَ الْغَيْبِ 158 وَالشُّهُودِ. أَيْ رَبِّ نَوِّرْ قُلُوبَهُمْ بِأَنْوَارِ مَعْرِفَتِكَ وَأَبْصَارَهُمْ بِتَجَلِّياتِ شَمْسِ مَوَاهِبِكَ. أَسْأَلُكَ يَا إِلهَ الأَسْمَاءِ وَفَاطِرَ السَّمَاءِ بِالدِّمآءِ الَّتِي سُفِكَتْ فِي سَبِيلِكَ وَالرُّؤُوسِ الَّتِي ارْتَفَعَتْ عَلَى الرِّمَاحِ فِي حُبِّكَ وَبِالأَكْبَادِ الَّتِي ذَابَتْ فِي هَجْرِ أَوْلِيَائِكَ وَبِالْقُلُوبِ الَّتِي قُطِعَتْ إِرْبَاً إِرْبَاً لإِعْلاَءِ كَلِمَتِكَ بِأَنْ تَجْمَعَ أَهْلَ مَمْلَكَتِكَ عَلَى كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَعْتَرِفُنَّ الْكُلُّ بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَفَرْدَانِيَّتِكَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُتَعَالِي الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. الأَمَلُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ الْغَنِيُّ الْمُتَعَالِ بِمَشِيئَتِهِ مَا سَأَلَهُ هَذَا الْخَادِمُ الْفَانِي وَيُزَيِّنَ عِبَادَ الأَرْضِ بِطِرَازِ الْمَعْرُوفِ وُيَقَدِّسَهُمْ مِنَ الأَعْمَالِ الْمُنْكَرَةِ إِنَّهُ هُوَ الشَّاهِدُ الْعَلِيمُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْقَدِيرُ يَسْمَعُ وَيَرَى وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. (1) خاطب حضرة بهاءالله الميرزا مقصود بهذا اللّوح المبارك وهو أحد البهائيّين الأقدمين والقاطن في بلاد الشّام وذلك بتاريخ 29 صفر من عام 1299 هجرية (1882 ميلاديّة). وفي تلك الأيّام جرت العادة بأنّ البهائيّين كثيراً ما كانوا يوجّهون رسائلهم إلى كاتب بهاءالله المسمّى بميرزا آقا جان والمعروف ﺑ"خادم الله" و"العبد الحاضر" بدلاً من أن يرفعوها مباشرة إلى حضرة بهاءالله نفسه، والرّدّ على هذه الرسائل – رغم كونها مكتوبة بالنّيابة عن حضرة بهاءالله – كان يُملى على الكاتب كلّها من قبل حضرة بهاءالله وبناء على ذلك كلّ ما ورد في مثل هذه الرّسائل يعتبر نصوصاً مقدّسة وآثاراً مباركة لدى البهائيّين ولوح مقصود المبارك إحدى هذه الرّسائل. (2) القرآن الكريم سورة طه الآية 107. (3) البطحاء: مكّة المكرمة. (4) الحدباء: لقب مدينة موصل في العراق. (5) عزازيل: من أسمآء الشّيطان القديمة. 159 صفحة خاليةلَوْحُ السَّيِّدُ مَهْدِي دَهَجِي 161صفحة خاليةالأَقْدَسُ الأَعْظَمُ الأَمْنَعُ الأَعْلَى أَنْ يَا اسْمِي1 أَنِ احْمَدِ اللهَ بِمَا جَعَلْنَاكَ أَمْطَارَ الْفَضْلِ لِمَا زَرَعْنَاهُ فِي الأَرَاضِي الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ الْمَنِيعَةِ. وَجَعَلْنَاكَ رَبِيعَ العِنايَةِ لِما غَرَسْناهُ مِنَ الأَشْجارِ البَدِيعَةِ المَنِيعَةِ. هَذَا فَضْلٌ لاَ يُعَادِلُهُ مَا خُلِقَ فِي الإِمْكَانِ وَسَقَيْنَاكَ رَحِيقَ الْبَيَانِ مِنْ قَدَحِ أَلْطَافِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ. وَهُوَ هَذَا الْفَمُ الْمُقَدَّسُ الَّذِي إِذَا فُتِحَ اهْتَزَّتِ الْمُمْكِنَاتُ وَتَحَرَّكَتِ الْمَوْجُودَاتُ وَنَطَقَتِ الْوَرْقَآءُ هَذَا لَكَوْثَرُ الْحَيَوَانِ لِمَنْ فِي الإِبْدَاعِ. وَأَرْسَلْنَا إِلَيْكَ فِي أَكْثَرِ الأَحْيَانِ عَرْفَ الرَّحْمَنِ مِنْ هَذَا الْفَرْعِ الْمُتَحَرِّكِ عَلَى مَتْنِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ. تَاللهِ الْحَقِّ لَوْ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْوُجُودُ مِنَ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ لَتَرَاهُ طَائِرَاً إِلَى الْمَقْصَدِ الأَقْصَى مَقَامِ الَّذِي فِيهِ تَنْطِقُ السِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى إِنَّهُ لاَ إِلهَ إِلاَّ أَنَا الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ. طُوبَى لَكَ بِمَا كُنْتَ سَائِرَاً فِي بِلاِدِ اللهِ وَكُنْتَ آيَةَ الْفَرَحِ وَالاطْمِئْنَانِ لأَهْلِ الْبَهَآءِ الَّذِينَ انْقَطَعُوا عَمَّا سِوَاهُ وَتَوَجَّهُوا 163 بِالْقُلُوبِ إِلَى هَذَا الشَّطْرِ الَّذِي مِنْهُ أَضَاءَتِ الآفَاقُ. وَرَشَحَتْ عَلَيْهِمْ مَا تَرَشَّحَ عَلَيْكَ مِنْ أَمْوَاجِ هَذَا الْبَحْرِ الَّذِي أَحَاطَ مَنْ فِي الأَكْوَانِ. أَنْتَ الَّذِي عَرَفْتَ نَصْرَ اللهِ وَقُمْتَ عَلَيْهِ بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ. قُلْ إِنَّ نَصْرِي هُوَ تَبْلِيغُ أَمْرِي هَذَا مَا مُلِئَتْ بِهِ الأَلْوَاحُ هَذَا حُكْمُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ قُلْ أَنِ اعْرَفُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ. إِنَّ الَّذِينَ خَرَجُوا عَنِ الْحِكْمَةِ أُولَئِكَ مَا عَرَفُوا نَصْرَ اللهِ الَّذِي نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ. قُلِ اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ خُذُوا مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنْ لَدُنْ رَبِّكُمُ الْعَزِيزِ الْعَلاَّمِ. إِنَّهُ عَلِمَ النَّصْرَ وَعَلَّمَكُمْ بِبَيَانٍ لَنْ يَعْتَرِيهِ ظُنُونُ الَّذِينَ هَامُوا فِي هَيْمَآءِ الشُّبُهَاتِ. أَنْ يَا اسْمِي أَنِ اسْقِ الْمُمْكِنَاتِ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ هَذَا الْقَدَحِ الَّذِي بِهِ سُجِّرَتِ الْبِحَارُ ثُمَّ أَضْرِمْ فِي قُلُوبِهِمِ النَّارَ الْمُشْتَعِلَةَ الْمُلْتَهِبَةَ مِنْ هَذِهِ السِّدْرَةِ الْحَمْرآءَ. لِيَقُومُنَّ عَلَى الذِّكْرِ وَالثَّنَآءِ بَيْنَ مَلإِ الأَدْيَانِ. قَدْ حَضَرَ مِنْكَ لَدَى الْعَرْشِ كُتُبٌ شَتَّى قَرَئْنَاهَا بِفَضْلٍ مِنْ عِنْدِنَا وَنَزَّلْنَا لِكُلِّ اسْمٍ كَانَ فِيهَا مَا اهْتَزَّتْ بِهِ الْعُقُولُ وَطَارَتِ الأَرْوَاحُ وَأَسْمَعْنَاكَ فِي أَكْثَرِ الأَحْيَانِ أَطْوَارَ الْوَرْقَاتِ وَتَغَنِّياتِ الْعَنَادِلِ الَّتِي تَغَنُّ عَلَى الأَفْنَانِ. كَذَلِكَ تَحَرَّكَتْ يَرَاعَةُ اللهِ عَلَى ذِكْرِكَ لِتُذَكِّرَ النَّاسَ بِهَذَا الْبَيَانِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مَطْلِعَ الآيَاتِ. طُوبَى لأَرْضٍ ارْتَفَعَتْ فِيهَا 164 ذِكْرُ اللهِ وَلآذَانٍ فَازَتْ بِإِصْغَآءِ مَا نُزِّلَ مِنْ سَمَآءِ عِنَايَةِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ. وَصِّ الْعِبَادَ بِمَا وَصَّيْنَاكَ لِيَمْنَعُوا أَنْفُسَهُمْ عَمَّا نُهُوا عَنْهُ فِي أُمِّ الْبَيَانِ. إِنَّ الَّذِينَ يَرْتَكِبُونَ مَا يَحْدُثُ بِهِ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْبَرِيَّةِ إِنَّهُمْ بَعُدُوا عَنْ نَصْرِ اللهِ وَأَمْرِهِ أَلا إِنَّهُمْ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي لَوْحٍ جَعَلَهُ اللهُ مَطْلِعَ الأَلْوَاحِ. قُلْ إِنَّا لَوْ نُرِيدُ لَنَنْصُرُ الأَمْرَ بِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِنَا إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَهَّارُ. لَوْ أَرَادَ اللهُ لَيُخْرِجُ مِنْ عَرِينِ الْقُوَّةِ غَضَنْفَرَ الْقُدْرَةِ وَيَزْأَرُ زَئِيرَاً يَحْكِي هَزِيمَ الْرُّعُودِ الْقَاصِفَةِ فِي الْجِبَالِ. أَنَّهُ لَمَّا سَبَقَتْ رَحْمَتُنَا قَدَّرْنَا تَمَامَ النَّصْرِ فِي الذِّكْرِ وَالْبَيَانِ لِيَفُوزَ بِذَلِكَ عِبَادُنَا فِي الأَرْضِ. هَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْهِمْ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْمُتَعَالِ. قُلْ خَافُوا اللهَ وَلاَ تَرْتَكِبُوا مَا يَجْزَعُ بِهِ أَحِبَّآئِي فِي الْمُلْكِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكُمْ هَذَا الْقَلَمُ الَّذِي مِنْهُ تَحَرَّكَ الْقَلَمُ الأَعْلَى فِي مِضْمَارِ الْحِكْمَةِ وَالْعِرْفَانِ. كَبِّرْ مِنْ قِبَلِي عَلَى وُجُوهِ الَّذِينَ تَجِدُ مِنْهَا نَضْرَةَ الْبَهَاءِ ثُمَّ ذَكِّرْهُمْ بِهَذَا الذِّكْرِ الَّذِي بِهِ قَرَّتْ عُيُونُ الأَبْرَارِ إِنَّمَا الْبَهَآءُ عَلَيْكَ وَعَلَى مَنْ تَمَسَّكَ بِحَبْلِ اللهِ مُنْزِلِ الآيَاتِ ...... مُجْمَلُ الْقَوْلِ امْنَعُوا جَمِيعَ مَنْ فِي الْبُلْدَانِ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْهَيَجَانِ وَالْفَسَادِ وَالنِّزَاعِ 165 وَمِنَ الشُّؤُونِ الَّتِي تُسَبِّبُ حُدُوثَ الْفِتَنِ. مَا يُطْلَبُ الْيَوْمَ هُوَ تَبْلِيغُ الأَمْرِ. مَثَلاً إِنَّ الَّذِينَ يَنْوُونَ الْقِيَامَ بِبَعْضِ الأُمُورِ لَوْ يَقُومُونَ بِتَبْلِيغِ الأَمْرِ سَيَتَرَدَّى أَهْلُ تِلْكَ الدِّيَارِ كُلُّهُم بِرِدَاءِ الإِيمَانِ فِي أَجَلٍ قَرِيبٍ. نُزِّلَتْ آيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي لَوْحِ جَنَابِ النَّبِيلِ2 مِنْ أَهْلِ قَائِنَ. لَوْ فَازَ أَحَدٌ بِحَلاَوَةِ تِلْكَ الآيَةِ لأَدْرَكَ مَعْنَى النَّصْرِ: قُلْ إِنَّ الْبَيَانَ جَوْهَرٌ يَطْلُبُ النُّفُوذَ وَالاعْتِدَالَ أَمَّا النُّفُوذُ مُعَلَّقٌ بِاللَّطَافَةِ وَاللَّطَافَةُ مَنُوطٌ بِالْقُلُوبِ الْفَارِغَةِ الصَّافِيَةِ. وَأَمَّا الاعْتِدَالُ امْتِزَاجُهُ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي نَزَّلْنَاهَا فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. يَا اسْمِي إِنَّ الْبَيَانَ يَطْلُبُ النُّفُوذَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ يكُنْ نَافِذَاً لاَ يَكُونُ مُؤَثِّرَاً وَنُفُوذُهُ مُعَلَّقٌ بِالأَنْفَاسِ الطَّيِّبَةِ وَالْقُلُوبِ الصَّافِيَةِ. كَمَا إِنَّهُ يَطْلُبُ الاعْتِدَالَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَدِلاً لاَ يَتَحَمَّلُهُ الْمُسْتَمِعُ فَيَقُومُ بِالإِعْرَاضِ فِي بَادِئِ الأَمْرِ. وَالاعْتِدَالُ هُوَ امْتِزَاجُ الْبَيَانِ بِالْحِكْمَةِ الَّتِي نُزِّلَتْ فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ. وَعِنْدَمَا يَتَّصِفُ جَوْهَرُ الْبَيَانِ بِالنُّفُوذِ وَالاعْتِدَالِ يَصِيرُ جَوْهَرَاً فَاعِلاً وَعِلَّةً كُلِّيَّةً لِتَقْلِيبِ عَالَمِ الْوُجُودِ. هَذَا هُوَ مَقَامُ النَّصْرِ الْكُلِّيِّ وَالْغَلَبَةِ الإِلَهِيَّةِ. مَنْ فَازَ بِهِمَا أصْبَحَ قَادِرَاً عَلَى تَبْلِيغِ أَمْرِ اللهِ وَغَالِبَاً عَلَى عُقُولِ الْعِبَادِ وَأَفْئِدَتِهِمْ. يَا اسْمِي قَدْ أَشْرَقَ شَمْسُ الْبَيَانِ مِنْ مَطْلِعِ وَحْيِ الرَّحْمَنِ 166 فِي الزُّبُرِ وَالأَلْوَاحِ بِحَيْثُ أَضَاءَ مِنْ إِشْرَاقِهَا مَلَكُوتُ الْبَيَانِ وَجَبَرُوتُ التِّبْيَانِ بِاهْتِزَازٍ وَابْتِهَاجٍ. وَلَكِنَّ النَّاسَ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ. إِنَّ الْهَدَفَ مِمَّا جَرَى وَيَجْرِي مِنْ قَلَمِ الْقَدَرِ بِالتَّكْرَارِ فِي مَقَامِ النَّصْرِ وَالانْتِصَارُ هُوَ تَحْذِيرُ الأَحِبَّآءِ مِنَ الأَعْمَالِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى الْفِتَنِ وَالْفَسَادِ. عَلَى الْجَمِيعِ أَنْ يَكُونُوا فِي صَدَدِ نُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ كَمَا ذُكِرَ آنِفَاً. وَذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللهِ يَخْتَصُّ بِهِ أَحِبَّاءَهُ حَتَّى يَفُوزُوا بِمَقَامِ [مَنْ أَحْيَا نَفْسَاً فَقَدْ أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعَاً]3. وَلَمْ تَزَلِ الْغَلَبَةُ الظَّاهِرِيَّةُ تَكُونُ فِي ظِلِّ هَذَا الْمَقَامِ وَلَهُ مِيعَادٌ مُقَرَّرٌ فِي كِتَابِ اللهِ. إِنَّهُ يَعْلَمُ وَيَظْهَرُ بِسُلْطَانِهِ إِنَّهُ لَهُوَ الْقَوِيُّ الْغَالِبُ الْمُقتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. وَعَلَى النُّفُوسِ الْمُقَدَّسَةِ أَنْ يَتَفَكَّرُوا وَيَتَدَبَّرُوا فِي كَيْفِيَّةِ أَمْرِ التَّبْلِيغِ وَيَحْفَظُوا لِكُلِّ مَقَامٍ آيَاتٍ وَكَلِمَاتٍ مِنَ الْكُتُبِ الإِلهِيَّةِ الْبَدِيعَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ حَتَّى يَنْطِقُوا بِتِلْكَ الآيَاتِ الإِلهِيَّةِ عِنْدَ الْبَيَانِ مُرَاعَينَ مُقْتَضَيَاتِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. لأَنَّهَا هِيَ الإكْسِيرُ الأَعْظَمُ وَالطِّلَسْمُ الأَكْبَرُ الأَفْخَمُ بِحَيْثُ لا يَبْقَى مَجَالٌ لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَتَرَدَّدَ. لَعَمْرِي لَقَدْ ظَهَرَ هَذَا الأَمْرُ عَلَى شَأْنٍ لِيَكُونَ مِغْنَاطِيسَاً لِجَمِيعِ الْمِلَلِ وَالشُّعُوبِ. لَوْ يُفَكِّرُ أَحَدٌ مَلِيَّاً يَرَى أَنَّهُ جَامِعٌ لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ الإِلهِيَّةِ وَجَاذِبُهَا. طُوبَى لِلْقَارِئِينَ طُوبَى لِلْعَارِفِينَ طُوبَى لِلْمُتَفَكِّرِينَ 167 طُوبَى لِلْمُتَفَرِّسِينَ. إِنَّهُ نُزِّلَ بِانْبِسَاطٍ أَحَاطَ كُلَّ النَّاسِ قَبْلَ إِقْبَالِهِمْ. سَوْفَ يَظْهَرُ فِي الأَرْضِ سُلْطَانُهُ وَنُفُوذُهُ وَاقْتِدَارُهُ إِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. أَنْ يَا اسْمِي أَنِ اسْتَمِعْ نِدَائِي مِنْ شَطْرِ عَرْشِي إِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يَذْكُرَكَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ بِمَا وَجَدَكَ قَائِمَاً عَلَى ذِكْرِهِ بَيْنَ الرِّجَالِ. إِنَّ رَبَّكَ يُحِبُّ الْوَفَاءَ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ وَقَدَّمَهُ عَلَى أَكْثَرِ الصِّفَاتِ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّا سَمِعْنَا مَا أَثْنَيْتَ فِي مُنَاجَاتِكَ مَعَ اللهِ رَبِّكَ الْعَلِّيِّ الْعَظِيمِ. طُوبَى لَكَ بِمَا اقْتَصَرْتَ أُمُورَكَ عَلَى هَذَا الأَمْرِ الْمُبْرَمِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. نَسْأَلُ اللهَ بِأَنْ يَجْعَلَ نِدَاءَكَ مِغْنَاطِيسَ الأَسْمَاءِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ لِتَسْرُعُنَّ إِلَيْهِ الْكَائِنَاتُ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ وَإِرَادَةٍ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشَآءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمُتَعَالِي الأَمْنَعُ الأَقْدَسُ الأَرْفَعُ الأَعَزُّ الأَجَلُّ الأَكْرَمُ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. __________________ (1) نزّل هذا اللّوح المبارك باسم السيّد مهدي دَهَجي الّذي خاطبه حضرة بهاءالله في ألواحه باسم الله المهدي وهو أحد المبلِّغين المشهورين في عهد حضرة بهاءالله غير أنّه نقض العهد والميثاق في عهد ولاية حضرة عبدالبهآء (انظر كتاب God Passes By لحضرة ولي أمر الله شوقي أفندي الصفحة 319). (2) انظر الهامش لصفحة 130. (3) القرآن الكريم سورة المائدة الآية 32. 168 سُورَةُ الْوَفَا 169صفحة خاليةهُوَ الْعَلِيمُ أَنْ يَا وَفَا1 أَنِ اشْكُرْ رَبَّكَ بِمَا أَيَّدَكَ عَلَى أَمْرِهِ وَعَرَّفَكَ مَظْهَرَ نَفْسِهِ وَأَقَامَكَ عَلَى ثَنَآءِ ذِكْرِهِ الأَعْظَمِ فِي هَذَا النَّبَإِ الْعَظِيمِ. فَطُوبَى لَكَ يَا وَفَا بِمَا وَفَيْتَ بِمِيثَاقِ اللهِ وَعَهْدِهِ بَعْدَ الَّذِي كُلٌّ نَقَضُوا عَهْدَ اللهِ وَكَفَرُوا بِالَّذِي آمَنُوا بَعْدَ الَّذِي ظَهَرَ بِكُلِّ الآيَاتِ وَأَشْرَقَ عَنْ أُفُقِ الأَمْرِ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. وَلَكِنْ فَاسْعَ بِأَنْ تَصِلَ إِلَى أَصْلِ الْوَفَا وَهُوَ الإِيقَانُ بِالْقَلْبِ وَالإِقْرِارُ بِاللِّسَانِ بِمَا شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ الأَعْلَى بِأَنِّي حَيٌّ فِي الأُفُقِ الأَبْهَى. وَمَنْ فَازَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَقَدْ فَازَ بِكُلِّ الْخَيْرِ وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ الرُّوحُ فِي كُلِّ بُكُورٍ وَأَصِيلٍ وَيُؤَيِّدُهُ عَلَى ذِكْرِ رَبِّهِ وَيَفْتَحُ لِسَانَهُ عَلَى الْبَيَانِ فِي أَمْرِ رَبِّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَذَلِكَ لاَ يُمْكِنُ لأَحَدٍ أَبَدَاً إِلاَّ لِمَنْ طَهَّرَ قَلْبَهُ عَنْ كُلِّ مَا خُلِقَ بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ وَانْقَطَعَ بِكُلِّهِ إِلَى اللهِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ الْجَمِيلِ. 171 قُمْ عَلَى الأَمْرِ وَقُلْ تَاللهِ إِنَّ هَذَا لَلنُّقْطَةُ الأُولَى قَدْ ظَهَرَ فِي قَمِيصِهِ الأُخْرَى بِاسْمِهِ الأَبْهَى وَإِذَاً فِي هَذَا الأُفُقِ يَشْهَدُ وَيَرَى وَإِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْمَلإِ الأَعْلَى بِالنَّبَإِ الْعَظِيمِ وَفِي مَمَالِكِ الْبَقَاءِ بِجَمَالِ الْقَدِيمِ وَلَدَى الْعَرْشِ بِهَذَا الاسْمِ2 الَّذِي مِنْهُ زَلَّتْ أَقْدَامُ الْعَارِفِينَ. قُلْ تَاللهِ قَدْ تَمَّتْ حُجَّةُ اللهِ فِي هَذَا الظُّهُورِ لِكُلِّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَنْزِلَ آيَةٌ مِنْ سَمَآءِ قُدْسٍ رَفِيعٍ وَمِنْ دُونِهِ قَدْ نُزِّلَ مُعَادِلُ مَا نُزِّلَ فِي الْبَيَانِ. خَافُوا عَنِ اللهِ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ وَلاَ تَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ. أَنِ افْتَحُوا عُيُونَكُمْ لِتَشْهَدُوا جَمَالَ الْقِدَمِ مِنْ هَذَا الْمَنْظَرِ الْمُشْرِقِ الْمُنِيرِ. قُلْ تَاللهِ قَدْ نُزِّلَ هَيْكَلُ الْمَوْعُودِ عَلَى غَمَامِ الْحَمْرَآءِ وَعَنْ يَمِينِهِ جُنُودُ الْوَحْيِ وَعَنْ يَسَارِهِ مَلاَئِكَةُ الإِلْهَامِ وَقُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدَى اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْقَدِيرِ. وَبِذَلِكَ زَلَّتْ كُلُّ الأَقْدَامِ إِلاَّ مَنْ عَصَمَهُ اللهُ بِفَضْلِهِ وَجَعَلَهُ مِنَ الَّذِينَ عَرَفُوا اللهَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْقَطَعُوا عَنِ الْعَالَمِينَ. اسْمَعْ كَلِمَاتِ رَبِّكَ طَهِّرْ صَدْرَكَ عَنْ كُلِّ الإِشَارَاتِ لِيَتَجَلَّى عَلَيْهِ أَنْوَارُ شَمْسِ ذِكْرِ اسْمِ رَبِّكَ وَتَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنْ حَضَرَ بَيْنَ يَدَيْنَا كِتَابُكَ وَشَهِدْنَا مَا فِيهِ وَكُنَّا مِنَ الشَّاهِدِينَ وَعَرَفْنَا مَا فِيهِ مِنْ مَسَائِلِ الَّتِي سَئَلْتَ عَنْهَا 172 وَإِنَّا كُنَّا مُجِيبِينَ. وَلِكُلِّ نَفْسٍ الْيَوْمَ يَلْزَمُ بِأَنْ يَسْئَلَ عَنِ اللهِ فِيمَا يَحْتَاجُ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكَ يُجِيبُهُ بِآيَاتِ بِدْعٍ مُبِينٍ. وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِي الْمَعَادِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ الْعَوْدَ مِثْلُ الْبَدْءِ كَمَا أَنْتَ تَشْهَدُ الْبَدْءَ كَذلِكَ فَاشْهَدِ الْعَوْدَ وَكُنْ مِنَ الشَّاهِدِينَ بَلْ فَاشْهَدِ الْبَدْءَ نَفْسَ الْعَوْدِ وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ لِتَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ مُنِيرٍ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّ الأَشْيَآءِ فِي كُلِّ حِينٍ تَبْدَءُ وَتَعُودُ بِأَمْرِ رَبِّكَ الْمُقْتَدِرِ الْقَدِيرِ. وَأَمَّا عَوْدُ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ اللهِ فِي أَلْوَاحِهِ الْمُقَدَّسِ الْمَنِيعِ وَأَخْبَرَ بِهِ عِبَادَهُ هُوَ عَوْدُ الْمُمْكِنَاتِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا أَصْلُ الْعَوْدِ كَمَا شَهِدْتَ فِي أَيَّامِ اللهِ وَكُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَإِنَّهُ لَوْ يُعِيدُ كُلَّ الأَسْمَآءِ فِي اسْمٍ وَكُلَّ النُّفُوسِ فِي نَفْسٍ لَيَقْدِرُ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْفَاعِلُ الْمُرِيدُ. وَإِنَّكَ لاَ تَشْهَدُ فِي الرَّجْعِ وَالْعَوْدِ إِلاَّ مَا حُقِّقَ بِهِ هَذَانِ وَهُوَ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. مَثَلاً إِنَّهُ لَوْ يَأْخُذُ كَفَّاً مِنَ الطِّينِ وَيَقُولُ هَذَا لَهُوَ الَّذِي اتَّبَعْتُمُوهُ مِنْ قَبْلُ هَذَا لَحَقٌّ بِمِثْلِ وُجُودِهِ وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. وَإِنَّكَ لاَ تَنْظُرْ فِي هَذَا الْمَقَامِ إِلَى الْحُدُودِ وَالإِشَارَاتِ بَلْ فَانْظُرْ بِمَا حُقِّقَ بِهِ الأَمْرُ وَكُنْ مِنَ الْمُتَفَرِّسِينَ. إِذَاً نُصَرِّحُ لَكَ بِبَيَانٍ وَاضِحٍ مُبِينٍ لِتَطَّلِعَ بِمَا أَرَدْتَ مِنْ مَوْلاَكَ الْقَدِيمِ. 173 فَانْظُرْ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَوْ يَحْكُمُ اللهُ عَلَى أَدْنَى الْخَلْقِ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ بِأَنَّ هَذَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِالْبَيَانِ إِنَّكَ لاَ تَكُنْ مُرِيبَاً فِي ذَلِكَ وَكُنْ مِن الْمُوقِنِينَ. وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى الْحُدُودِ وَالأَسْمَآءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ بَلْ بِمَا حُقِّقَ بِهِ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ وَهُوَ الإِيمَانُ بِاللهِ وَعِرْفَانُ نَفْسِهِ وَالإِيقَانُ بِأَمْرِهِ الْمُبْرَمِ الْحَكِيمِ. فَاشْهَدْ فِي ظُهُورِ نُقْطَةِ الْبَيَانِ جَلَّ كِبْرِيَاؤُهُ إِنَّهُ حَكَمَ لأَوَّلِ مَنْ آمَنَ3 بِأَنَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ هَلْ يَنْبَغِي لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ وَيَقُولَ هَذَا عَجَمِيٌّ وَهُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ هَذَا سُمِّيَ بِالْحُسَيْنِ وَهُوَ كَانَ مُحَمَّدَاً فِي الاسْمِ؟ لاَ فَوَنَفْسِ اللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ. وَإِنْ فَطِنَ الْبَصِيرُ لَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْحُدُودِ وَالأَسْمَآءِ بَلْ يَنْظُرُ بِمَا كَانَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَهُوَ أَمْرُ اللهِ وَكَذَلِكَ يَنْظُرُ فِي الْحُسَيْنِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْمُتَعَالِيِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. وَلَمَّا كَانَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللهِ فِي الْبَيَانِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ لِذَا حُكِمَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ هُوَ هُوَ أَوْ بِأَنَّهُ عَوْدُهُ وَرَجْعُهُ. وَهَذَا الْمَقَامُ مُقَدَّسٌ عَنِ الْحُدُودِ وَالأَسْمَآءِ وَلاَ يُرَى فِي هَذَا إِلاَّ اللهُ الْوَاحِدُ الْفَرْدُ الْعَلِيمُ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّهُ فِي يَوْمِ الظُّهُورِ لَوْ يَحْكُمُ عَلَى وَرَقِةٍ مَنَ الأَوْرَاقِ كُلَّ الأَسْمَآءِ مِنْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ لِمَ وَبِمَ وَمَنْ قَالَ فَقَدْ كَفَرَ بِاللهِ وَكَانَ مِنَ الْمُنْكِرِينَ. إِيَّاكَ إِيَّاكَ إِنَّكَ لاَ تَكُنْ بِمِثْلِ أَهْلِ الْبَيَانِ لأَنَّ أَكْثَرَهُمْ قَدْ 174 ضَلُّوا وَأَضَلُّوا وَنَسَوْا عَهْدَ اللهِ وَمِيثَاقَهُ وَأَشْرَكُوا بِاللهِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ الْخَبِيرِ. وَمَا عَرَفُوا نُقْطَةَ الْبَيَانِ لأَنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوهُ بِنَفْسِهِ مَا كَفَرُوا بِظُهُورِهِ فِي هَذَا الْهَيْكَلِ الْمُشْرِقِ الْمُنِيرِ. وَإِنَّهُمْ لَمَّا كَانُوا نَاظِرَاً إِلَى الأَسْمَآءِ فَلَمَّا بَدَّلَ اسْمَهُ الأَعْلَى بِالأَبْهَى عَمَتْ عُيُونُهُمْ وَمَا عَرَفُوهُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَكَانُوا مِنَ الْخَاسِرِينَ. وَإِنَّهُمْ لَوْ عَرَفُوا نَفْسَهُ بِنَفْسِهِ وَبِمَا ظَهَرَ مِنْ عِنْدِهِ مَا أَنْكَرُوهُ فِي هَذَا الاسْمِ الْمُبَارَكِ الْبَدِيعِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ سَيْفَ أَمْرِهِ بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. وَيَفْصُلُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلَى يَوْمِ الَّذِي يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ يَوْمَ الظُّهُورِ يَعُودُ كُلُّ الأَشْيَاءِ عَمَّا سِوَى اللهِ وَكُلُّهَا فِي صُقْعٍ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ مِنْ أَعَلاَهَا أَوْ أَدْنَاهَا وَهَذَا لَعَوْدٌ لَنْ يَعْرِفَهُ أَحَدٌ إِلاَّ بَعْدَ أَمْرِ اللهِ وَإِنَّهُ لَهُوَ الآمِرُ فِيمَا يُرِيدُ. وَبَعْدَ إِلْقَآءِ كَلِمَةِ اللهِ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ مَنْ سَمِعَ وَأَجَابَ إِنَّهُ مِنْ أَعْلَى الْخَلْقِ وَلَوْ يَكُونُ مِنَ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الرَّمَادَ. وَمَنْ أَعْرَضَ هُوَ مِنْ أَدْنَى الْعِبَادِ وَلَوْ يَكُونُ عِنْدَ النَّاسِ وَلِيَّاً وَيَكُونُ عِنْدَهُ كُتُبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ. فَانْظُرْ بِعَيْنِ اللهِ فِيمَا نَزَّلْنَاهُ لَكَ وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَلْقِ وَمَا عِنْدَهُمْ وَإِنَّ مَثَلَهُمْ الْيَوْمَ كَمَثَلِ عَمِيٍّ فِي ظِلِّ الشَّمْسِ وَيَسْئَلُ مَا هِيَ؟ أَهَلْ هِيَ أَشْرَقَتْ؟ يَنْفِي وَيُنْكِرُ وَلاَ يَكُونُ مِنَ الْمُسْتَشْعِرِينَ. 175 لَنْ يَعْرِفَ الشَّمْسَ وَلَنْ يَعْرِفَ مَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَيَصِيحُ فِي نَفْسِهِ وَيَعْتَرِضُ وَيَكُونُ مِنَ الْمُعْرِضِينَ. هَذَا شَأْنُ هَذَا الْخَلْقِ دَعْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَقُلْ لَكُمْ مَا أَرَدْتُمْ وَلَنَا مَا نُرِيدُ فَسُحْقَاً لِلْقَوْمِ الْمُشْرِكِينَ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّ ظُهُورَ الْقَبْلِ حُكْمُ الْعَوْدِ وَالْحَيَاتِ عَلَى الأَرْوَاحِ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَوْ أَنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ عَوْدٌ وَرَجْعٌ وَلَكِنْ إِنَّا لاَ نُحِبُّ بِأَنْ نَذْكُرَ مَا لاَ ذُكِرَ فِي الْبَيَانِ لِئَلاَّ يُرْفَعُ ضَجِيجُ الْمُبْغِضِينَ. فَيَا لَيْتَ يُرْفَعُ مَا حَالَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَارِئِهِمْ لِيَشْهَدُوا سَلْطَنَةَ اللهِ وَعَظَمَتَهُ وَيَشْرَبُوا مِنْ مَعِينِ الْكَوْثَرِ وَالسَّلْسَبِيلِ ثُمَّ يَتَرَشَّحُ عَلَيْهِمْ بُحُورُ الْمَعَانِي وَيُطَهِّرُهُمْ عَنْ رِجْسِ كُلِّ مُشْرِكٍ مُرِيبٍ. وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ مِنَ الْعَوَالِمِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ للهِ عَوَالِمَ لاَ نِهَايَةَ بِمَا لاَ نِهَايَةَ لَهَا وَمَا أَحَاطَ أَحَدٌ بِهَا إِلاّ نَفْسُهُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. تَفَكَّرْ فِي النَّوْمِ وَإِنَّهُ آيَةُ الأَعْظَم بَيْنَ النَّاسِ لَوْ يَكُونُّنَ مِنَ الْمُتَفَكِّرِينَ. مَثَلاً إِنَّكَ تَرَى فِي نَوْمِكَ أَمْرَاً فِي لَيْلٍ وَتَجِدُهُ بِعَيْنِهِ بَعْدَ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلَّ وَلَوْ يَكُونُ الْعَالَمُ الَّذِي أَنْتَ رَأَيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ هَذَا الْعَالَمَ الَّذِي تَكُونُ فِيهِ فَيَلْزَمُ مَا رَأَيْتَ فِي نَوْمِكَ يَكُونُ مَوْجُودَاً فِي هَذَا الْعَالَمِ فِي حِينِ الَّذِي تَرَاهُ فِي النَّوْمِ وَتَكُونُ مِنَ الْشَّاهِدِينَ. مَعَ أَنَّكَ تَرَى أَمْرَاً لَمْ يَكُنْ مَوْجُودَاً فِي الْعَالَمِ وَيَظْهَرُ مِنْ 176 بَعْدُ. إِذَاً حُقِّقَ بِأَنَّ عَالَمَ الَّذِي أَنْتَ رَأيْتَ فِيهِ مَا رَأَيْتَ يَكُونُ عَالَمَاً آخَرَ الَّذِي لا لَهُ أَوَّلَ وَلاَ آخِرَ. وَإِنَّكَ إِنْ تَقُولُ هَذَا الْعَالَمُ فِي نَفْسِكَ وَمُسْتَوٍ فِيهَا بِأَمْرٍ مِنْ لَدُنْ عَزِيزٍ قَدِيرٍ لَحَقٌّ. وَلَوْ تَقُولُ بِأَنَّ الرُّوحَ لَمَّا تَجَرَّدَ عَنِ الْعَلاَئِقِ فِي النَّوْمِ سَيَّرَهُ اللهُ فِي عَالَمِ الَّذِي يَكُونُ مَسْتُورَاً فِي سِرِّ هَذَا الْعَالَمِ لَحَقٌّ. وَإِنَّ للهِ عَالَمٌ بَعْدَ عَالَمٍ وَخَلْقٌ بَعْدَ خَلْقٍ وَقُدِّرَ فِي كُلِّ عَالَمٍ مَا لا يُحْصِيهِ أَحَدٌ إِلاَّ نَفْسُهُ الْمُحْصِي الْعَلِيمُ. وَإِنَّكَ فَكِّرْ فِيمَا أَلْقَيْنَاكَ لِتَعْرِفَ مُرَادَ اللهِ رَبِّكَ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَفِيهِ كُنِزَ أَسْرَارُ الْحِكْمَةِ وَإِنَّا مَا فَصَّلْنَاهُ لِحُزْنِ الَّذِي أَحَاطَنِي مِنَ الَّذِينَ خُلِقُوا بِقَوْلِي إِنْ أَنْتُمْ مِنَ السَّامِعِينَ. فَهَلْ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُنِي وَيَدْفَعُ عَنِّي سُيُوفَ هَؤُلاءِ الْمُعْرِضِينَ؟ وَهَلْ مِنْ ذِي بَصَرٍ يَنْظُرُ كَلِمَاتِ اللهِ بِبَصَرِهِ وَيَنْقَطِعُ عَنْ أَنْظُرِ الْخَلاَئِقِ أَجْمَعِينَ؟ وَإِنَّكَ يَا عَبْدُ نَبِّئْ عِبَادَ اللهِ بِأَنْ لاَ يُنْكِرُوا مَا لاَ يَعْقِلُوهُ قُلْ فَاسْئَلُوا اللهَ بِأَنْ يَفْتَحَ عَلَى قُلُوبِكُمْ أَبْوَابَ الْمَعَانِي لِتَعْرِفُوا مَا لاَ عَرَفَهُ أَحَدٌ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْمُعْطِي الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِي أَوَامِرِ اللهِ فَاعْلَمْ بِأَنَّ كُلَّمَا حُدِّدَ فِي الْكِتَابِ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَعَلَى الْكُلِّ فَرْضٌ بِأَنْ يَعْمَلُوا بِمَا نُزِّلَ مِنْ لَدُنْ مُنْزِلٍ عَلِيمٍ. وَمَنْ يَتْرُكُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ إِنَّ 177 اللهَ بَرِيءٌ وَنَحْنُ بُرَءَآءُ مِنْهُ. لأَنَّ أَثْمَارَ الشَّجَرَةِ هِيَ أَوَامِرُهُ وَلَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ إِلاَّ غَافِلٌ بَعِيدٌ. وَأَمَّا الْجَنَّةُ حَقٌّ لاَ رَيْبَ فِيهِ وَهِيَ الْيَوْمَ فِي هَذَا الْعَالَمِ حُبِّي وَرِضَائِي وَمَنْ فَازَ بِهِ لَيَنْصُرُهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَبَعْدَ الْمَوْتِ يُدْخِلُهُ فِي جَنَّةٍ أَرْضُهَا كَأَرْضِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ. وَيَخْدِمُنَّهُ حُورِيَّاتُ الْعِزَّةِ وَالتَّقْدِيسِ فِي كُلِّ بُكُورٍ وَأَصِيلٍ. وَيَسْتَشْرِقُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ حِينٍ شَمْسُ جَمَالِ رَبِّهِ وَيَسْتَضِيءُ مِنْهَا عَلَى شَأْنٍ لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ كَذَلِكَ كَانَ الأَمْرُ وَلَكِنَّ النَّاسَ هُمْ فِي حِجَابٍ عَظِيمٍ. وَكَذَلِكَ فَاعْرَفِ النَّارَ وَكُنْ مِنَ الْمُوقِنِينَ وَلُكِلِّ عَمَلٍ جَزَآءٌ عِنْدَ رَبِّكَ وَيَشْهَدُ بِذَلِكَ نَفْسُ أَمْرِ اللهِ وَنَهْيِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلأَعْمَالِ جَزَآءٌ وَثَمَرٌ لَيَكُونُ أَمْرُهُ تَعَالَى لَغْوَاً فَتَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوَّاً كَبِيرَاً. وَلَكِنَّ الْمُنْقَطِعِينَ لَنْ يَشْهَدُنَّ الْعَمَلَ إِلاَّ نَفْسَ الْجَزَآءِ وَإِنَّا لَوْ نُفَصِّلَ ذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نَكْتَبَ أَلْوَاحَاً عَدِيدَةً. تَاللهِ الْحَقِّ إِنَّ الْقَلَمَ لَنْ يُحَرَّكَ بِمَا وَرَدَ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَبْكِي وَأَبْكِي ثُمَّ تَبْكِي عَيْنُ الْعَظَمَةِ خَلْفَ سُرَادِقِ الأَسْمَآءِ عَلَى عَرْشِ اسْمِهِ الْعَظِيمِ. وَإِنَّكَ صَفِّ قَلْبَكَ إِنَّا نُفَجِّرُ مِنْهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ لِتَنْطِقَ بِهَا بَيْنَ الْعَالَمِينَ. أَنِ افْتَحِ اللِّسَانَ عَلَى الْبَيَانِ فِي ذِكْرِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ وَلا 178 تَخَفْ مِنْ أَحَدٍ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. قُلْ يَا قَوْمِ أنْ اعْمَلُوا مَا عَرَفْتُمْ فِي الْبَيَانِ الْفَارِسِيِّ وَمَا لاَ عَرَفْتُمُوهُ فَاسْئَلُوا مِنْ هَذَا الذِّكْرِ الْحَكِيمِ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ مَا أَرَادَ اللهُ فِي كِتَابِهِ وَإِنَّ عِنْدَهُ مَا كُنِزَ فِي الْبَيَانِ مِنْ لَدُنْ مُقْتَدِرٍ قَدِيرٍ. وَأَمَّا مَا سَئَلْتَ فِيمَا أَخْبَرْنَا الْعِبَادَ حِينَ الْخُرُوجِ عَنِ الْعِرَاقِ فِي أَنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَابَتْ تَتَحَرَّكُ طُيُورُ اللَّيْلِ وَتُرْفَعُ رَايَاتُ السَّامِرِيِّ4 تَاللهِ قَدْ تَحَرَّكَ الطُّيُورُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَنَادَى السَّامِرِيُّ فَطُوبَى لِمَنْ عَرَفَ وَكَانَ مِنَ الْعَارِفِينَ. ثُمَّ أَخْبَرْنَاهُمْ بِالْعِجْلِ تَاللهِ كُلُّ مَا قَدْ أَخْبَرْنَاهُمْ قَدْ ظَهَرَ وَلاَ مَرَدَّ لَهُ إِلاَّ بِأَنْ يَظْهَرَ لأَنَّهُ جَرَى مِنْ إِصْبَعِ عِزٍّ قَدِيرٍ. وَإِنَّكَ أَنْتَ فَاسْئَلِ اللهَ بِأَنْ يَحْفَظَكَ مِنْ شَرِّ هَؤُلآءِ وَيُقَدِّسَكَ مِنْ إِشَارَاتِ الْمُعْرِضِينَ. فَاشْدُدْ ظَهْرَكَ لِنُصْرَةِ الأَمْرِ وَلاَ تَلْتَفِتْ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْ أَفَوَاهِ مَلإِ الْبَيَانِ لأَنَّهُمْ لاَ يَعْرِفُونَ شَيْئَاً وَمَا اطَّلَعُوا بِأَصْلِ الأَمْرِ فِي هَذَا النَّبَإِ الأَعْظَمِ. كَذَلِكَ أَلْهَمْنَاكَ وَأَلْقَيْنَاكَ مَا تَغْنَى بِهِ عَنْ ذِكْرِ الْعَالَمِينَ. وَالْبَهَاءُ عَلَيْكَ وَعَلَى الَّذِينَهُمْ يَسْمَعُونَ قَوْلَكَ فِي اللهِ رَبِّكَ وَتَكُونُنَّ مِنَ الرَّاسِخِينَ وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 179 (1) وفا لقب منحه بهاءالله لمحمّد حسين أحد الأحباء الأقدمين في شيراز. (2) يعني "الاسم الأعظم". (3) يعني الملاّ حسين بشروئي. (4) السّامريّ هو الَّذي أضلّ قوم موسى، راجع القرآن الكريم سورة طه الآية 85-98. 180 لَوْحُ الْبُرْهَان 181صفحة خاليةهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَدْ أَحَاطَتْ أَرْيَاحُ الْبَغْضَآءِ سَفِينَةَ الْبَطْحَآءِ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الظَّالِمِينَ. يَا بَاقِرُ1 قَدْ أَفْتَيْتَ عَلَى الَّذِينَ نَاحَ لَهُمْ كُتُبُ الْعَالَمِ وَشَهِدَ لَهُمْ دَفَاتِرُ الأَدْيَانِ كُلِّهَا وَإِنَّكَ يا أَيُّهَا الْبَعِيدُ فِي حِجَابٍ غَلِيظٍ. تَاللهِ قَدْ حَكَمْتَ عَلَى الَّذِينَ بِهِمْ لاَحَ أُفُقُ الإِيمَانِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَطَالِعُ الْوَحْيِ وَمَظَاهِرُ أَمْرِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ أَنْفَقُوا أَرْوَاحَهُمْ وَمَا عِنْدَهُمْ فِي سَبِيلِهِ الْمُسْتَقِيمِ. قَدْ صَاحَ مِنْ ظُلْمِكَ دِينُ اللهِ فِيمَا سِوَاهُ وَإِنَّكَ تَلْعَبُ وَتَكُونُ مِنَ الْفَرِحِينَ. لَيْسَ فِي قَلْبِي بُغْضُكَ وَلاَ بُغْضُ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ لأَنَّ الْعَالَمَ يَرَاكَ وَأَمْثَالَكَ فِي جَهْلٍ مُبِينٍ. إِنَّكَ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَى مَا فَعَلْتَ لأَلْقَيْتَ نَفْسَكَ فِي النَّارِ أَوْ خَرَجْتَ مِنَ الْبَيْتِ مُتَوَجِّهَاً إِلَى الْجِبَالِ وَنُحْتَ إِلَى أَنْ رَجَعْتَ إِلَى مَقَامٍ قُدِّرَ لَكَ مِنْ لَدُنْ مُقْتَدِرٍ قَدِيرٍ. يَا أَيُّهَا الْمَوْهُومُ اخْرِقْ حُجُبَاتِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ لِتَرى شَمْسَ الْعِلْمِ مُشْرِقَةً مِنْ هَذَا الأُفُقِ الْمُنِيرِ. قَدْ قَطَعْتَ بِضْعَةَ الرَّسُولِ وَظَنَنْتَ 183 أَنَّكَ نَصَرْتَ اللهَ كَذَلِكَ سَوَّلَتْ لَكَ نَفْسُكَ وَأَنْتَ مِنَ الْغَافِلِينَ. قَدْ احْتَرَقَ مِنْ فِعْلِكَ قُلُوبُ الْمَلإِ الأَعْلَى وَالَّذِينَ طَافُوا حَوْلَ أَمْرِ اللهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قَدْ ذَابَ كَبِدُ الْبَتُولِ مِنْ ظُلْمِكَ وَنَاحَ أَهْلُ الْفِرْدَوْسِ فِي مَقَامٍ كَرِيمٍ. أَنْصِفْ بِاللهِ بِأَيِّ بُرْهَانٍ اسْتَدَلَّ عُلَمآءُ الْيَهُودِ وَأَفْتَوْا بِهِ عَلَى الرُّوحِ إِذْ أَتَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ بِكِتَابٍ حَكَمَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِعَدْلٍ أَضَاءَ بِنُورِهِ ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَانْجَذَبَتْ قُلُوبُ الْعَارِفِينَ. وَإِنَّكَ اسْتَدْلَلْتَ الْيَوْمَ بِمَا اسْتَدَلَّ بِهِ عُلَمآءُ الْجَهْلِ فِي ذَاكَ الْعَصْرِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَالِكُ مِصْرِ الْفَضْلِ فِي هَذَا السِّجْنِ الْعَظِيمِ. إِنَّكَ اقْتَدَيْتَ بِهِمْ بَلْ سَبَقْتَهُمْ فِي الظُّلْمِ وَظَنَنْتَ أَنَّكَ نَصَرْتَ الدِّينَ وَدَفَعْتَ عَنْ شَرِيعَةِ اللهِ الْعَلِيمِ الْحَكِيمِ. وَنَفْسِهِ الْحَقِّ يَنُوحُ مِنْ ظُلْمِكَ النَّامُوسُ الأَكْبَرُ وَتَصِيحُ شَرِيعَةُ اللهِ الِّتِي بِهَا سَرَتْ نَسَماتُ الْعَدْلِ عَلَى مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ. هَلْ ظَنَنْتَ أَنَّكَ رَبِحْتَ فِيمَا أَفْتَيْتَ لا وَسُلْطَانِ الأَسْمآءِ يَشْهَدُ بِخُسْرَانِكَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ كُلِّ شَيْءٍ فِي لَوْحٍ حَفِيظٍ. قَدْ أَفْتَيْتَ عَلَى الِّذِي حِينَ إِفْتآئِكَ يَلْعَنُكَ قَلَمُكَ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَلَمُ اللهِ الأَعْلَى فِي مَقَامِهِ الْمَنِيعِ. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ إِنَّكَ مَا رَأَيْتَنِي وَمَا عَاشَرْتَ وَمَا آنَسْتَ مَعِي فِي أَقَلَّ مِنْ آنٍ فَكَيْفَ أَمَرْتَ 184 النَّاسَ بِسَبِّي هَلْ اتَّبَعْتَ فِي ذَلِكَ هَوَاكَ أَوْ مَوْلاَكَ فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ أَنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ. نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبَذْتَ شَرِيعَةَ اللهِ وَرَآءَكَ وَأَخَذْتَ شَرِيعَةَ نَفْسِكَ إِنَّهُ لاَ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِنْ شَيْءٍ إِنَّه هُوَ الْفَرْدُ الْخَبِيرُ. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ اسْمَعْ مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ [لاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنَاً]2 كَذَلِكَ حَكَمَ مَنْ فِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الأَمْرِ وَالْخَلْقِ إِنْ أَنْتَ مِنَ السَّامِعِينَ. إِنَّكَ نَبَذْتَ حُكْمَ اللهِ وَأَخَذْتَ حُكْمَ نَفْسِكَ فَوَيْلٌ لَكَ يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ الْمُرِيبُ. إِنَّكَ لَوْ تُنْكِرُنِي بِأَيِّ بُرْهَانٍ يُثْبَتُ مَا عِنْدَكَ فَأْتِ بِهِ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ بِاللهِ وَالْمُعْرِضُ عَنْ سُلْطَانِهِ الَّذِي أَحَاطَ الْعَالَمِينَ. يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ اعْلَمْ أَنَّ الْعَالِمَ مَنِ اعْتَرَفَ بِظُهُورِي وَشَرِبَ مِنْ بَحْرِ عِلْمِي وَطارَ فِي هَوآءِ حُبِّي وَنَبَذَ مَا سِوآئِي وَأَخَذَ مَا نُزِّلَ مِنْ مَلَكُوتِ بَيَانِي الْبَدِيعِ. إِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْبَصَرِ لِلْبَشَرِ وَرُوحِ الْحَيَوَانِ لِجَسَدِ الإِمْكَانِ تَعَالَى الرَّحْمَنُ الَّذِي عَرَّفَهُ وَأَقَامَهُ عَلَى خِدْمَةِ أَمْرِهِ الْعَزِيزِ الْعَظِيمِ. يُصَلِّي عَلَيْهِ الْمَلأُ الأَعْلَى وَأَهْلُ سُرَادِقِ الْكِبْرَيآءِ وَالَّذِينَ شَرِبُوا رَحِيقِي الْمَخْتُومَ بِاسْمِي الْقَوِيِّ الْقَدِيرِ. يَا بَاقِرُ إِنَّكَ إِنْ تَكُ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمَقَامِ الأَعْلَى فَأْتِ بِآيَةٍ مِنْ لَدَى اللهِ فَاطِرِ السَّمَاءِ وَإِنْ عَرَفْتَ عَجْزَ نَفْسِكَ خُذْ أَعِنَّةَ هَوَاكَ ثُمَّ ارْجِعْ إِلَى مَوْلاَكَ 185 لَعَلَّ يُكَفِّرُ عَنْكَ سَيِّئَاتِكَ الَّتِي بِهَا احْتَرَقَتْ أَوْرَاقُ السِّدْرَةِ وَصَاحَتِ الصَّخْرَةُ وَبَكَتْ عُيُونُ الْعَارِفِينَ. بِكَ انْشَقَّ سِتْرُ الرُّبُوبِيَّةِ وَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ وَعُقِرَتِ النَّاقَةُ وَنَاحَ الرُّوحُ فِي مَقَامٍ رَفِيعٍ. أَتَعْتَرِضُ عَلَى الَّذِي أَتَاكَ بِمَا عِنْدَكَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعَالَمِ مِنْ حُجَجِ اللهِ وَآيَاتِهِ افْتَحْ بَصَرَكَ لِتَرَى الْمَظْلُومَ مُشْرِقَاً مِنْ أُفُقِ إِرَادَةِ اللهِ الْمَلِكِ الْحَقِّ الْمُبِينِ. ثُمَّ افْتَحْ سَمْعَ فُؤَادِكَ لِتَسْمَعَ مَا تَنْطِقُ بِهِ السِّدْرَةُ الَّتِي ارْتَفَعَتْ بِالْحَقِّ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَزِيزِ الْجَمِيلِ. إِنَّ السِّدْرَةَ مَعَ مَا وَرَدَ عَلَيْهَا مِنْ ظُلْمِكَ وَاعْتِسَافِ أَمْثَالِكَ تُنَادِي بِأَعْلَى النِّدآءِ وَتَدْعُو الْكُلَّ إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى3 وَالأُفُقِ الأَعْلَى طُوبَى لِنَفْسٍ رَأَتِ الآيَةَ الْكُبْرَى وَلأُذُنٍ سَمِعَتْ نِدَاءَهَا الأَحْلَى وَوَيْلٌ لِكُلِّ مُعْرِضِ أَثِيمٍ. يَا أَيُّهَا الْمُعْرِضُ بِاللهِ لَوْ تَرَى السِّدْرَةَ بِعَيْنِ الإِنْصَافِ لَتَرَى آثَارَ سُيُوفِكَ فِي أَفْنَانِهَا وَأَغْصَانِهَا وَأَوْرَاقِهَا بَعْدَمَا خَلَقَكَ اللهُ لِعِرْفَانِهَا وَخِدْمَتِهَا تَفَكَّرْ لَعَلَّ تَطَّلِعُ بِظُلْمِكَ وَتَكُونُ مِنَ التَّائِبِينَ. أَظَنَنْتَ أَنَّا نخَافُ مِنْ ظُلْمِكَ فَاعْلَمْ ثُمَّ أَيْقِنْ إِنَّا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ فِيهِ ارْتَفَعَ صَرِيرُ الْقَلَمِ الأَعْلَى بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمآءِ أَنْفَقْنَا أَرْوَاحَنَا وَأَجْسَادَنَا وَأَبْنآءَنَا وَأَمْوَالَنَا فِي سَبِيلِ اللهِ الْعَلِيِّ الْعظِيمِ. وَنَفْتَخِرُ بِذَلِكَ بَيْنَ أَهْلِ الإِنْشآءِ وَالْمَلإِ الأَعْلَى يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَا وَرَدَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. تَاللهِ قَدْ 186 ذَابَتِ الأَكْبَادُ وَصُلِبَتِ الأَجْسَادُ وَسُفِكَتِ الدِّمآءُ وَالأَبْصَارُ كَانَتْ نَاظِرَةً إِلَى أُفُقِ عِنَايَةِ رَبِّهَا الشَّاهِدِ الْبَصِيرِ. كُلَّمَا زَادَ الْبَلاَءُ زَادَ أَهْلُ الْبَهآءِ فِي حُبِّهِمْ قَدْ شَهِدَ بِصِدْقِهِمْ مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ بِقَوْلِهِ: [فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ]4. هَلِ الَّذِي حَفِظَ نَفْسَهُ خَلْفَ الأَحْجَابِ خَيْرٌ أَمِ الَّذِي أَنْفَقَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ أَنْصِفْ وَلاَ تَكُنْ فِي تِيهِ الْكَذِبِ لَمِنَ الْهآئِمِينَ. قَدْ أَخَذَهُمْ كَوْثَرُ مَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ عَلَى شَأْنٍ مَا مَنَعَتْهُمْ مَدَافِعُ الْعَالَمِ وَلاَ سُيُوفُ الأُمَمِ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَى بَحْرِ عَطَآءِ رَبِّهِمْ الْمُعْطِي الْكَرِيمِ. تَاللهِ مَا أَعْجَزَنِي الْبَلآءُ وَمَا أَضْعَفَنِي إِعْرَاضُ الْعُلَمآءِ نَطَقْتُ وَأَنْطِقُ أَمَامَ الْوُجُوهِ قَدْ فُتِحَ بَابُ الْفَضْلِ وَأَتَى مَطْلِعُ الْعَدْلِ بِآيَاتٍ وَاضِحَاتٍ وَحُجَجٍ بَاهِرَاتٍ مِنْ لَدَى اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْقَدِيرِ. احْضَرْ بَيْنَ يَدِي الْوَجْهِ لِتَسْمَعَ أَسْرَارَ مَا سَمِعَهُ ابْنُ عِمْرَانَ فِي طُورِ الْعِرْفَانِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكَ مَشْرِقُ ظُهُورِ رَبِّكَ الرَّحْمَنِ مِنْ شطْرِ سِجْنِهِ الْعَظِيمِ. أَغَرَّتْكَ الرِّيَاسَةُ اقْرَءْ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ لِلرَّئِيسِ الأَعْظَمِ مَلِكِ الرُّومِ5 الَّذِي حَبَسَنِي فِي هَذَا الْحِصْنِ الْمَتِينِ لِتَطَّلِعَ بِمَا عِنْدَ الْمَظْلُومِ مِنْ لَدَى اللهِ الْوَاحِدِ الْفَرْدِ الْخَبِيرِ. أَتَفْرَحُ بِمَا تَرَى هَمَجَ الأَرْضِ وَرآءَكَ إِنَّهُمْ اتَّبَعُوكَ كَمَا اتَّبَعَ قَوْمٌ قَبْلَهُمْ مَنْ سُمِّيَ بِحَنَّانَ الَّذِي أَفْتَى عَلَى 187 الرُّوحِ مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ. اقْرَءْ كِتَابَ الإِيقَانِ وَمَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ لِمَلِكِ بَارِيسَ6 وَأَمْثَالِهِ لِتَطَّلِعَ بِمَا قُضِيَ مِنْ قَبْلُ وَتُوقِنَ بِأَنَّا مَا أَرَدْنَا الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا إِنَّمَا نُذَكِّرُ الْعِبَادَ خَالِصَاً لِوَجْهِ اللهِ مَنْ شآءَ فَلْيُقْبِلْ وَمَنْ شآءَ فَلْيُعْرِضْ إِنَّ رَبَّنَا الرَّحْمَنَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ. يَا مَعْشَرَ الْعُلَمآءِ هَذَا يَوْمٌ لاَ يَنْفَعُكُمْ شَيْءٌ مِنَ الأَشْيآءِ وَلاَ اسْمٌ مِنَ الأَسْمآءِ إِلاَّ بِهَذَا الاسْمِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مَظْهَرَ أَمْرِهِ وَمَطْلِعَ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى لِمَنْ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ نَعِيمَاً لِمَنْ وَجَدَ عَرْفَ الرَّحْمَنِ وَكَانَ مِنَ الرَّاسِخِينَ. وَلاَ يُغْنِيكُمُ الْيَوْمَ عُلُومُكُمْ وَفُنُونُكُمْ وَلاَ زَخَارِفُكُمْ وَعِزُّكُمْ دَعُوا الْكُلَّ وَرَآءَكُمْ مُقْبِلِينَ إِلَى الْكَلِمَةِ الْعُلْيَا الَّتِي بِهَا فُصِّلَتِ الزُّبُرُ وَالصُّحُفُ وَهَذَا الْكِتَابُ الْمُبِينُ. يَا مَعْشَرَ الْعُلَمآءِ ضَعُوا مَا أَلَّفْتُمُوهُ مِنْ قَلَمِ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ تَاللهِ قَدْ أَشْرَقَتْ شَمْسُ الْعِلْمِ مِنْ أُفُقِ الْيَقِينِ. يَا بَاقِرُ انْظُرْ ثُمَّ اذْكُرْ مَا نَطَقَ بِهِ مُؤْمِنُ آلِكَ مِنْ قَبْلُ [أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبَاً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقَاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ]7. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ إِنْ كُنْتَ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَحْنُ عَلَيْهِ إِنَّا نَشْهَدُ بِمَا شَهِدَ اللهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ 188 وَالأَرْضِ إِنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْوَهَّابُ. وَنَشْهَدُ أَنَّهُ كَانَ وَاحِدَاً فِي ذَاتِهِ وَوَاحِدَاً فِي صِفَاتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شِبْهٌ فِي الإِبْدَاعِ وَلاَ شَرِيكٌ فِي الاخْتِرَاعِ قَدْ أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِيُبَشِّرُوا الْخَلْقَ إِلَى سِوَاءِ الصِّرآطِ. هَلِ السُّلْطَانُ اطَّلَعَ وَغَضَّ الطَّرْفَ عَنْ فِعْلِكَ أَمْ أخَذَهُ الرُّعْبُ بِمَا عَوَتْ شِرْذِمَةٌ مِنَ الذِّئَابِ الِّذِينَ نَبَذُوا صِرَاطَ اللهِ وَرآءَهُمْ وَأَخَذُوا سَبِيلَكَ مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَلاَ كِتَابٍ. إِنَّا سَمِعْنَا بِأَنَّ مَمَالِكَ الإِيرَانَ تَزَيَّنَتْ بِطِرَازِ الْعَدْلِ فَلَمَّا تَفَرَّسْنَا وَجَدْنَاهَا مَطَالِعَ الظُّلْمِ وَمَشَارِقَ الاعْتِسَافِ. إِنَّا نَرَى الْعَدْلَ تَحْتَ مَخَالِبِ الظُّلْمِ نَسْئَلُ اللهَ بِأَنْ يُخَلِّصَهُ بِقُوَّةٍ مِنْ عِنْدِهِ وَسُلْطانٍ مِنْ لَدُنْهُ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَنْ فِي الأَرَضِينَ وَالسَّمَواتِ. لَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى نَفْسٍ فِيمَا وَرَدَ عَلَى أَمْرِ اللهِ يَنْبَغِي لِكُلِّ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى أَنْ يَتَمَسَّكَ بِحَبْلِ الاصْطِبَارِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْمُخْتَارِ. يَا أَحِبَّآءَ اللهِ اشْرَبُوا مِنْ عَيْنِ الْحِكْمَةِ وَسِيرُوا فِي رِياضِ الحِكْمَةِ وَطِيرُوا فِي هَوآءِ الحِكْمَةِ وَتَكَلَّمُوا بِالْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكُمْ رَبُّكُمْ الْعَزِيزُ الْعَلاَّمُ. يَا بَاقِرُ لاَ تَطْمَئِنْ بِعِزِّكَ وَاقْتِدَارِكَ مَثَلُكَ كَمَثَلِ بَقِيَّةِ أَثَرِ الشَّمْسِ عَلَى رُؤُوسِ الْجِبَالِ سَوْفَ يُدْرِكُهَا الزَّوَالُ مِنْ لَدَى اللهِ الْغَنِيِّ الْمُتَعَالِ. قَدْ أُخِذَ عِزُّكَ وَعِزُّ أَمْثَالِكَ وَهَذَا 189 مَا حَكَمَ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ أُمُّ الأَلْوَاحِ. أَيْنَ مَنْ حَارَبَ اللهَ وَأَيْنَ مَنْ جَادَلَ بِآيَاتِهِ وَأَيْنَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ سُلْطَانِهِ وَأَيْنَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَصْفِيآءَهُ وَسَفَكُوا دِمآءَ أَوْلِيَائِهِ تَفَكَّرْ لَعَلَّ تَجِدُ نَفَحَاتِ أَعْمَالِكَ يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ الْمُرْتَابُ. بِكُمْ نَاحَ الرَّسُولُ وَصَاحَتِ الْبَتُولُ وَخَرِبَتِ الدِّيَارُ وَأَخَذَتِ الظُّلْمَةُ كُلَّ الأَقْطَارِ. يَا مَعْشَرَ الْعُلَمآءِ بِكُمُ انْحَطَّ شَأْنُ الْمِلَّةِ وَنُكِسَ عَلَمُ الإِسْلاَمِ وَثُلَّ عَرْشُهُ الْعَظِيمُ. كُلَّمَا أَرَادَ مُمَيِّزٌ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِمَا يَرْتَفِعُ بِهِ شَأْنُ الإِسْلاَمِ ارْتَفَعَتْ ضَوْضَآؤُكُمْ بِذَلِكَ مُنِعَ عَمَّا أَرَادَ وَبَقِيَ الْمُلْكُ فِي خُسْرَانٍ كَبِيرٍ. فَانْظُرُوا فِي مَلِكِ الرُّومِ إِنَّهُ مَا أَرَادَ الْحَرْبَ وَلَكِنْ أَرَادَهَا أَمْثَالُكُمْ فَلَمَّا اشْتَعَلَتْ نَارُهَا وَارْتَفَعَ لَهِيبُهَا ضَعُفَتِ الدَّوْلَةُ وَالْمِلَّةُ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ مُنْصِفٍ بَصِيرٍ. وَزَادَتْ وَيْلاَتُهَا إِلَى أَنْ أَخَذَ الدُّخَانُ أَرْضَ السِّرِّ وَمَنْ حَوْلَهَا لِيَظْهَرَ مَا أَنْزَلَهُ اللهُ فِي لَوْحِ الرِّئِيسِ8 كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ فِي الْكِتَابِ مِنْ لَدَى اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ. إِنَّا للهِ وَإِنَّا إَلَيْهِ رَاجِعُونَ. يَا قَلَمَ الأَعْلَى دَعْ ذِكْرَ الذِّئْبِ وَاذْكُرِ الرَّقْشَاءَ9 الَّتِي بِظُلْمِهَا نَاحَتِ الأَشْيآءُ وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الأَوْلِيآءِ كَذَلِكَ يَأْمُرُكَ مَالِكُ الأَسْمآءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ. قَدْ صَاحَتْ مِنْ ظُلْمِكَ الْبَتُولُ وَتَظُنُّ أَنَّكَ مِنْ آلِ الرَّسُولِ كَذَلِكَ سَوَّلَتْ 190 لَكَ نَفْسُكِ يَا أَيُّهَا الْمُعْرِضُ عَنِ اللهِ رَبِّ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ. أَنْصِفِي يَا أَيَّتُهَا الرَّقْشآءُ بِأَيِّ جُرْمٍ لَدَغْتِ أَبْنآءَ الرَّسُولِ10 وَنَهَبْتِ أَمْوَالَهُمْ أَكَفَرْتِ بِالَّذِي خَلَقَكِ بِأَمْرِهِ كُنْ فَيَكُونُ. قَدْ فَعَلْتِ بَأَبْنآءِ الرَّسُولِ مَا لاَ فَعَلَتْ عَادٌ وَثُمودُ بِصَالِحٍ وَهُوُدٍ وَلاَ الْيَهُودُ بِرُوحِ اللهِ مَالِكِ الْوُجُودِ. أَتُنْكِرُ آيَاتِ رَبِّكَ الَّتِي إِذْ نُزِّلَتْ مِنْ سَمآءِ الأَمْرِ خَضَعَتْ لَهَا كُتُبُ الْعَالَمِ كُلُّهَا تَفَكَّرْ لِتَطَّلِعَ بِفِعْلِكَ يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ الْمَرْدُودُ. سَوْفَ تَأْخُذُكَ نَفَحَاتُ الْعَذَابِ كَمَا أَخَذَتْ قَوْمَاً قَبْلَكَ انْتَظِرْ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ بِاللهِ مَالِكِ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ. هَذَا يَوْمٌ أَخْبَرَ بِهِ اللهُ بِلِسَانِ رَسُولِهِ تَفَكَّرْ لِتَعْرِفَ مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ وَفِي هَذَا اللَّوْحِ الْمَسْطُورِ. هَذَا يَوْمٌ فِيهِ أَتَى مَشْرِقُ الْوَحْيِ بِآيَاتٍ بَيِّنَاتٍ عَجَزَ عَنْ إِحْصَائِهَا الْمُحْصُونُ. هَذَا يَوْمٌ فِيهِ وَجَدَ كُلُّ ذِي شَمٍّ عَرْفَ نَسْمَةِ الرَّحْمنِ فِي الإِمْكَانِ وَسَرُعَ كُلُّ ذِي بَصَرٍ إِلَى فُرَاتِ رَحْمَةِ رَبِّهِ مَالِكِ الْمُلُوكِ. يَا أَيُّهَا الْغَافِلُ تَاللهِ قَدْ رَجَعَ حَدِيثُ الذِّبْحِ وَالذَّبِيحُ تَوَجَّهَ إِلَى مَقَرِّ الْفِدآءِ وَمَا رَجَعَ بِمَا اكْتَسَبَتْ يَدُكَ يا أَيُّهَا الْمُبْغِضُ الْعَنُودُ. أَظَنَنْتَ بِالشَّهَادَةِ يَنَحَطُّ شَأْنُ الأَمْرِ لاَ وَالَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مَهْبِطَ الْوَحْيِ إِنْ أَنْتَ مِنَ الَّذِينَهُمْ يَفْقَهُونَ. وَيْلٌ لَكَ يَا أَيُّهَا الْمُشْرِكُ بِاللهِ وَلِلَّذِينَ اتَّخَذُوكَ إِمَامَاً لأَنْفُسِهِمْ مِنْ دُونِ بَيِّنَةٍ وَلاَ كِتَابٍ 191 مَشْهُودٍ. كَمْ مِنْ ظَالِمٍ قَامَ عَلَى إِطْفآءِ نُورِ اللهِ قَبْلَكَ وَكَمْ مِنْ فَاجِرٍ قَتَلَ وَنَهَبَ إِلَى أَنْ نَاحَتْ مِنْ ظُلْمِهِ الأَفْئِدَةُ وَالنُّفُوسُ. قَدْ غَابَتْ شَمْسُ الْعَدْلِ بِمَا اسْتَوَى هَيْكَلُ الظُّلْمِ عَلَى أَرِيكَةِ الْبَغْضآءِ وَلَكِنَّ الْقَوْمَ هُمْ لاَ يَشْعُرُونَ. قَدْ قُتِلَ أَبْنآءُ الرَّسُولِ وَنُهِبَ أَمْوَالُهُمْ قُلْ هَلِ الأَمْوَالُ كَفَرَتْ بِاللهِ أَمْ مَالِكُهَا عَلَى زَعْمِكَ أَنْصِفْ يَا أَيُّهَا الْجَاهِلُ الْمَحْجُوبُ. قَدْ أَخَذْتَ الاعْتِسَافَ وَنَبَذْتَ الإِنْصَافَ بِذَلِكَ نَاحَتِ الأَشْيآءُ وَأَنْتَ مِنَ الْغَافِلِينَ. قَدْ قَتَلْتَ الْكَبِيرَ وَنَهَبْتَ الصَّغِيرَ هَلْ تَظُنُّ أَنَّكَ تَأْكُلُ مَا جَمَعْتَهُ بِالظُّلْمِ لاَ وَنَفْسِي كَذَلِكَ يُخْبِرُكَ الْخَبِيرُ. تَاللهِ لاَ يُغْنِيكَ مَا عِنْدَكَ وَمَا جَمَعْتَهُ بِالاعْتِسَافِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ رَبُّكَ الْعَلِيمُ. قَدْ قُمْتَ عَلَى إِطْفآءِ نُورِ الأَمْرِ سَوْفَ تَنْخَمِدُ نَارُكَ أَمْرَاً مِنْ عِنْدِهِ إِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ. لا تَعْجِزُهُ شُئُونَاتُ الْعَالَمِ وَلاَ سَطْوَةُ الأُمَمِ يَفْعَلُ مَا يَشآءُ بِسُلْطَانِهِ وَيَحْكُمُ مَا يُرِيدُ. تَفَكَّرْ فِي النَّاقَةِ مَعَ أَنَّهَا مِنَ الْحَيَوَانِ رَفَعَهَا الرَّحْمَنُ إِلَى مَقَامٍ نَطَقَ أَلْسُنُ الْعَالَمِ بِذِكْرِهَا وَثَنآئِهَا إِنَّهُ لَهُوَ الْمُهَيْمِنُ عَلَى مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْعَظِيمُ. كَذَلِكَ زَيَّنَّا آفَاقَ سَمَاءِ اللَّوْحِ بِشُمُوسِ الْكَلِمَاتِ نَعِيمَاً لِمَنْ فَازَ بِهَا وَاسْتَضآءَ بِأَنْوَارِهَا وَوَيْلٌ لِلْمُعْرِضِينَ وَوَيْلٌ لِلْمُنْكِرِينَ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. 192 (1) هذا اللوح المبارك نزّل باسم الشّيخ محمّد باقر الذي خاطبه بهاءالله باسم "ذئب" وذلك بعد استشهاد سلطان الشّهداء ومحبوب الشّهداء في مدينة إصفهان أثر إفتائه. (2) القرآن الكريم سورة النّساء الآية 94. (3) إنّ كلمة "السّدرة" و"سدرة المنتهى" الواردتين في هذا اللّوح تعنيان المظهر الإلهي. راجع القرآن الكريم سورة النّجم وأيضاً كتاب God Passes By الصّفحة 94. (4) القرآن الكريم سورة البقرة الآية 94. (5) هو السّلطان العثماني عبد العزيز (1830 – 1876م). (6) نابليون الثّالث (Napoléon). امبراطور فرنسا خلع عن العرش بعد فشله في الحرب عام 1870م. (7) القرآن الكريم سورة غافر (المؤمن) الآية 28. (8) الرّئيس هو عالي باشا رئيس وزراء الحكومة العثمانيّة توفي في عام 1288 هجرية حسب ما جاء في دائرة المعارف تأليف محمّد فريد وجدي. (9) الرّقشآء هو المير محمد حسين إمام الجمعة لمدينة إصفهان والّذي اشترك مع الشّيخ محمد باقر في اضطهاد البهائيّين وجريمة قتل سلطان الشّهدآء ومحبوب الّشهدآء. (10) يقصد بذلك سلطان الشّهداء ومحبوب الشّهداء اللّذين كانا من ذرّيّة رسول الله محمد r. 193 صفحة خاليةكِتَابُ عَهْدِي 195صفحة خاليةكتاب عهدي إِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الأُفُقُ الأَعْلَى خَالٍ مِنْ زُخْرُفِ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّنَا تَرَكْنَا فِي خَزَائِنِ التَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ مِيرَاثَاً مَرْغُوبَاً لاَ عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ. إِنَّنَا لَمْ نَتْرُكْ كَنْزَاً وَلَمْ نَزِدْ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْعَنَاءِ. إِنَّ لَفِي الثَّرْوَةِ وَأَيْمُ اللهِ خَوْفَاً مَسْتُورَاً وَخَطَرَاً مَكْنُونَاً. انْظُرُوا ثُمَّ اذْكُرُوا مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ]1. لَيْسَ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَفَاءٌ وَكُلُّ مَا يُدْرِكُهُ الْفَنَاءُ وَقَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقَّاً لِلاعْتِنآءِ بِهِ وَلَنْ يَكُونَ إِلاَّ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ. كَانَ مَقْصُودُ هَذَا الْمَظْلُومِ مِنْ تَحَمُّلِ الشَّدَائِدِ وَالْبَلاَيَا وَإِنْزَالِ الآيَاتِ وَإِظْهَارِ الْبَيِّنَاتِ إِخْمَادَ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ. عَسَى أَنْ تَتَنَوَّرَ آفَاقُ أَفْئِدَةِ أَهْلِ الْعَالَمِ بِنُورِ الاتِّفَاقِ وَتَفُوزَ بِالرَّاحَةِ الْحَقِيقِيَّةِ. وَمِنْ أُفُقِ اللَّوْحِ الإِلَهِيِّ يَلُوحُ وَيُشْرِقُ نَيِّرُ هَذَا الْبَيَانِ، وَعَلَى الْكُلِّ أَنْ يَكُونُوا نَاظِرِينَ إِلَيْهِ. 197 يَا أَهْلَ الْعَالَمِ أُوصِيكُمْ بِمَا يُؤَدِّي إِلَى ارْتِفَاعِ مَقَامَاتِكُمْ. تَمَسَّكُوا بِتَقْوَى اللهِ، وَتَشَبَّثُوا بِذَيْلِ الْمَعْرُوفِ. أَلْحَقُّ أَقُولُ إِنَّ اللِّسَانَ قَدْ خُلِقَ لِذِكْرِ الْخَيْرِ فَلاَ تُدَنِّسُوهُ بِالْقَوْلِ السَّيِّئِ. عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ. وَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ بَعْدَ الآنِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمَا يَنْبَغِي، وَأَنْ يَجْتَنِبُوا اللَّعْنَ وَالطَّعْنَ وَمَا يَتَكَدَّرُ بِهِ الإِنْسَانُ فَإِنَّ مَقَامَ الإِنْسَانِ لَعَظِيمٌ وَمُنْذُ مُدَّةٍ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنْ مَخْزَنِ الْقَلَمِ الأَبْهَى. إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ عَظِيمٌ وَمُبَارَكٌ وَكُلُّ مَا كَانَ مسْتُورَاً فِي الإِنْسَانِ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ وَسَيْظَهَرُ مِنْ بَعْدُ. إِنَّ مَقَامَ الإِنْسَانِ عَظِيمٌ إِذَا تَمَسَّكَ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ وَثَبَتَ عَلَى الأَمْرِ وَرَسَخَ. إِنَّ الإِنْسَانَ الْحَقِيقِيَّ مَشْهُودٌ بِمَثَابَةِ السَّمَاءِ لَدَى الرَّحْمَنِ فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَالنُّجُومُ أَخْلاَقُهُ الْمُنِيرَةُ الْفَاضِلَةُ وَمَقَامُهُ أَعْلَى الْمَقَامِ وَآثَارُهُ مُرَبِّيَةٌ لِعَالَمِ الإِمْكَانِ. كُلُّ مُقْبِلٍ وَجَدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَرْفَ الْقَمِيصِ وَتَوَجَّهَ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى مَذْكُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَهآءِ فِي الصَّحِيفَةِ الْحَمْرآءِ. خُذْ قَدَحَ عِنَايَتِي بِاسْمِي ثُمَّ اشْرَبْ مِنْهُ بِذِكْرِي الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ. يَا أَهْلَ الْعَالَمِ إِنَّ دِينَ اللهِ وُجِدَ مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الْعَدَاوَةِ وَالاخْتِلاَفِ. فَقَدْ ثَبَتَ لَدَى أَصْحَابِ الْبَصَرِ وَأَهْلِ الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ نُزُولُ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبُ حِفْظِ 198 الْعِبَادِ وَعِلَّةُ رَاحَتِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. وَلَكِنَّ جُهَلاَءَ الأَرْضِ بِمَا أَنَّهُمْ رَبِيبُو النَّفْسِ وَالْهَوَسِ فَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ حِكَمِ الْحَكِيمِ الْحَقِيقِيِّ الْبَالِغَةِ، وَنَاطِقُونَ وَعَامِلُونَ بِالظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ. يَا أَوْلِيَاءَ اللهِ وَأُمَنَاءَهِ إِنَّ الْمُلُوكَ مَظَاهِرُ قُدْرَةِ الْحَقِّ وَمَطَالِعُ عِزِّهِ وَثَرْوَتِهِ فَادْعُوا اللهَ بِحَقِّهِمْ. فَحُكُومَةُ الأَرْضِ قَدْ مُنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ كَمَا اخْتَصَّ الْقُلُوبَ بِنَفْسِهِ. قَدْ نَهَى اللهُ عَنِ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ نَهْيَاً عَظِيمَاً فِي الْكِتَابِ هَذَا أَمْرُ اللهِ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَعَصَمَهُ مِنْ حُكْمِ الْمَحْوِ وَزَيَّنَهُ بِطِرَازِ الإِثْبَاتِ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. إِنَّ مَظَاهِرَ الْحُكْمِ وَمَطَالِعَ الأَمْرِ الْمُزَيَّنِينَ بِطِرَازِ الْعَدْلِ وَالإِنْصَافِ يَلْزَمُ عَلَى الْكُلِّ إِعَانَةُ مِثْلِ تِلْكَ النُّفُوسِ طُوبَى لِلأُمَرآءِ وَالْعُلَمآءِ فِي الْبَهَاءِ أُولَئِكَ أُمَنَائِي بَيْنَ عِبَادِي، وَمَشَارِقُ أَحْكَامِي بَيْنَ خَلْقِي. عَلَيْهِمْ بَهَائِي وَرَحْمَتِي وَفَضْلِي الَّذِي أَحَاطَ الْوُجُودَ قَدْ نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا تَلْمَعُ مِنْ آفَاقِ كَلِمَاتِهِ أَنْوَارُ الْعَطَايَا الإِلَهِيَّةِ سَاطِعَةً وَمُشْرِقَةً. يَا أَغْصَانِي إِنَّ فِي الْوُجُودِ قُوَّةً عَظِيمَةً مَكْنُونَةٌ وَقُدْرَةً كَامِلَةً مَسْتُورَةٌ فَكُونُوا مُتَّجِهِينَ وَنَاظِرِينَ إِلَيْهَا وَلِلاتِّحَادِ مَعَهَا لاَ إِلَى الاخْتِلاَفَاتِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا. إِنَّ وَصِيَّةَ اللهِ هِيَ: 199 أَنْ يَتَوَجَّهَ عُمُومُ الأَغْصَانِ وَالأَفْنَانِ وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْغُصْنِ الأَعْظَمِ. انْظُرُوا إِلَى مَا أَنْزَلْنَاهُ فِي كِتَابِي الأَقْدَسِ: "إِذَا غِيضَ بَحْرُ الْوِصَالِ، وَقُضِيَ كِتَابُ الْمَبْدَأِ فِي الْمَآلِ، تَوَجَّهُوا إِلَى مَنْ أَرَادَهُ اللهُ الَّذِي انْشَعَبَ مِنْ هَذَا الأَصْلِ الْقَدِيمِ." وَقَدْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ الْغُصْنُ الأَعْظَمُ كَذَلِكَ أَظْهَرْنَا الأَمْرَ فَضْلاً مِنْ عِنْدِنَا وَأَنَا الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ. قَدْ قَدَّرَ اللهُ مَقَامَ الْغُصْنِ الأَكْبَرِ بَعْدَ مَقَامِهِ إِنَّهُ هُوَ الآمِرُ الْحَكِيمُ. قَدِ اصْطَفَيْنَا الأَكْبَرَ بَعْدَ الأَعْظَمِ أَمْرَاً مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ خَبِيرٍ. مَحَبَّةُ الأَغْصَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْكُلِّ، وَلَكِنْ مَا قَدَّرَ اللهُ لَهُمْ حَقَّاً فِي أَمْوَالِ النَّاسِ. يَا أَغْصَانِي وَأَفْنَانِي وَذَوِي قَرَابَتِي: نُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَبِمَعْرُوفٍ وَبِمَا يَنْبَغِي وَبِمَا تَرْتَفِعُ بِهِ مَقَامَاتُكُمْ. الْحَقُّ أَقُولُ إِنَّ التَّقْوَى هِيَ الْقَائِدُ الأَعْظَمُ لِنُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ وَالأَخْلاَقَ وَالأَعْمَالَ الطَّيِّبَةَ الطَّاهِرَةَ الْمَرْضِيَّةَ كَانَتْ وَلاَ تَزَالُ كَالْجُنُودِ اللاَّئِقَةِ لِهَذَا الْقَائِدِ. قُلْ يَا عِبَادِي لاَ تَجْعَلُوا أَسْبَابَ النَّظْمِ سَبَبَ الاضْطِرَابِ وَالارْتِبَاكِ وَعِلَّةَ الاتِّحَادِ لاَ تَجْعَلُوهَا عِلَّةَ الاخْتِلاَفِ. الأَمَلُ أَنْ يَتَّجِهَ أَهْلُ الْبَهآءِ إِلَى الْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ [قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ]2. وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا بِمَثَابَةِ الْمَاءِ لإِطْفآءِ 200 نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمَكْنُونَةِ الْمَخْزُونَةِ فِي الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ وَإِنَّ الأَحْزَابَ الْمُخْتَلِفَةَ لَتَفُوزُ بِنُورِ الاتِّحَادِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ. إِنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي السَّبِيلَ وَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْجَمِيلُ. احْتِرَامُ الأَغْصَانِ وَرِعَايَتُهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ لإِعْزَازِ الأَمْرِ وَارْتِفَاعِ الْكَلِمَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَسُطِّرَ فِي كُتُبِ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ. وَكَذَلِكَ احْتِرَامُ الْحَرَمِ وَآلِ اللهِ وَالأَفْنَانِ وَالْمُنْتَسِبِينَ وَنُوصِيكُمْ بِخِدْمَةِ الأُمَمِ وَإِصْلاَحِ الْعَالَمِ. قَدْ نُزِّلَ مِنْ مَلَكُوتِ بَيَانِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ مَا هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ الْعَالَمِ وَنَجَاةِ الأُمَمِ. فَأَصْغُوا إِلَى نَصَائِحِ الْقَلَمِ الأَعْلَى بِالأُذُنِ الْحَقِيقِيَّةِ. إِنَّهَا خَيْرٌ لَكُمْ عَمَّا عَلَى الأَرْضِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كِتَابِيَ الْعَزِيزُ الْبَدِيعُ. ___________________ (1) القرآن الكريم سورة الهمزة الآية 1-2. (2) القرآن الكريم سورة النّساء الآية 78. 201 صفحة خاليةلَوْحُ أَرْضِ الْبَاءِ 203صفحة خاليةهُوَاللهُ تَعَالَى شَأْنُهُ الْعَظَمَةُ وَالاقْتِدَارُ حَمْدَاً لِمَنْ تَشَرَّفَ أَرْضُ الْبآءِ1 بِقُدُومِ مَنْ طَافَ حَوْلَهُ الأَسْمآءُ. بِذَلِكَ بَشَّرَتِ الذَّرَّاتُ كُلَّ الْمُمْكِنَاتِ بِمَا طَلَعَ وَلاَحَ وَظَهَرَ وَأَشْرَقَ وَخَرَجَ مِنْ بَابِ السِّجْنِ وَأُفُقِهِ شَمْسُ جَمَالِ غُصْنِ اللهِ الأَعْظَمِ الْعَظِيمِ وُسِرُّ اللهِ الأَقْوَمِ الْقَدِيمِ2 مُتَوَجِّهَا إِلَى مَقَامٍ آخَرَ. بِذَلِكَ تَكَدَّرَتْ أَرْضُ السِّجْنِ وَفَرِحَتْ أُخْرَى. تَعَالَى تَعَالَى رَبُّنَا فَاطِرُ السَّمآءِ وَخَالِقُ الأَشْيآءِ الَّذِي بِسُلْطَانِهِ فُتِحَ بَابُ السِّجْنِ لِيَظْهَرَ مَا أَنْزَلَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا يَشآءُ وَفِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الإِنْشآءِ وَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. طُوبَى ثُمَّ طُوبَى لأَرْضٍ فَازَتْ بِقُدُومِهِ. وَلِعَيْنٍ قَرَّتْ بِجَمَالِهِ. وَلِسَمْعٍ تَشَرَّفَ بِإِصْغَاءِ نِدَائِهِ. وَلِقَلْبٍ ذَاقَ حَلاَوَةَ حُبِّهِ. وَلِصَدْرٍ رَحَّبَ بِذِكْرِهِ. وَلِقَلَمٍ ________________ (1) أرض الباء هي مدينة بيروت حيث توجّه إليها عبد البهاء وفي حينه نزّل هذا اللّوح المبارك. (2) يعني بذلك عبد البهاء عبّاس الابن الأرشد لبهاءالله. 205 تَحَرَّكَ عَلَى ثَنَائِهِ. وَلِلَوْحٍ حَمَلَ آثَارَهُ. نَسْأَلُ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى بِأَنْ يُشَرِّفَنَا بِلِقَائِهِ قَرِيبَاً. إِنَّهُ هُوَ السَّامِعُ الْمُقْتَدِرُ الْمُجِيبُ. 206 دليل المواضيع الواردة في الكتاب حرف الألف ابتداء الخليقة 119، 120، 121 الاتّحاد والاتّفاق 26، 28، 29، 39، 52، 77، 85، 86، 91، 107، 111، 143، 144، 145، 148، 197، 200، 201 أثر الأعمال 75 احترام الأغصان 201 احترام الأفنان 201 احترام الحرم وآل الله 201 احترام أرباب الفنون 55 احترام العلماء الرّاشدين 113 احترام العلماء في البهاء 118 احترام الفلاسفة 129 الإحسان 135 الأخلاق: راجع الخلق الأدب سيّد الأخلاق 105 أسباب عجيبة غريبة مستورة عن العقول 88 الاستقامة 68، 135 الاسم الأعظم 3، 67، 122 أصل الذّكر 134 أصل العلوم (ماهيّته) 136 إصلاح العالم بالأعمال 104، 201 الاعتدال في الأمور 87، 149 الاعتراف بالخطايا أمام الله 40، 41 الاعتماد على الله 133 الأعمال الخبيثة (أثرها) 158 أعمال الرّهبان 40 أغصان الجمال المبارك 199 الأغصان (ليس لهم حقوق) 200 الألبسة واللّحى 40 الأمر جامع لجميع الشّرائع 167 الأمور السّياسيّة ترجع إلى بيت العدل 27، 28، 43 الألوهيّة والرّبوبيّة 69 الأمانة 18، 20، 25، 39، 53، 54، 75، 77، 95 الأمراء في البهاء 199 انتظار ظهور شخص موهوم 58 الانزواء والاعتكاف 40، 89، 90 الإنسان (مقامه) 155، 198، 142، 155 الإنصاف (ماهيّته) 137 الإنفاق (مقامه) 90 إنفاق الرّوح (مقامه) 59 الانقطاع 75، 134 207 الأوامر المنزلة (مقامها) 88 أوامر الله وأحكامه 177 أوصاف الظّهور المبارك 191 أهل إيران (صفاتهم) 75، 80، 101، 108، 109 آيات الحقّ متجلّية في الكلّ 78 أيادي أمر الله (مقامهم) 101 الإيثار 90 إيران بحاجة إلى مجلس الشّورى 110 ب البذل والعطاء 111 بشارة الظّهور 84 البلايا تزيد في حبّ الله 187 البلايا (قبولها لإظهار الأمر) 5 بهاءالله (إنفاقه روحه) 186 بهاءالله (مقامه) 65، 66، 67 بهاءالله (هدفه) 60، 197 بيت العدل 23، 26، 27، 28، 29، 32، 43، 44، 87، 88، 106، 107 ت تبليغ الأمر (أهميّته) 166 التّبليغ هو نصرة أمر الله 164 التّجارة (معناها) 136 تحقّق العلامات 16، 17، 57 التّربية (أهميّتها) 142 تعليم الأطفال وتربيتهم 26، 27، 107 التّعرض غير جائز 44 التّقلّل في القول 135 تقوى الله 18، 19، 25، 75، 104، 150، 198، 200 التكثّر في العمل 135 تمدّن أهل الغرب 87، 149 توحيد الباري تعالى شأنه 3، 6، 22، 113، 189 التّوكّل على الله 79، 134 ث الثّروة (طريقة تحصيلها) 151 الثّروة (خطرها) 197 ثناء الله وحمده 3، 4، 6، 12، 13، 49، 101، 108، 141 ثناء محمّد رسول الله وآله وأصحابه 142، 143 ج الجمهوريّة 44 الجنّة (معناها) 178 ح الحبّ (أصله) 134 حبّ العالم 105، 118، 147 حبّ الوطن 105، 118، 147 208 حجة الله (تمّت) 172 الحدود (إجراؤها) 24 الحرّيّة 102، 109، 142، 149 حفظ مقام العباد 55، 113 حقّ العلماء عظيم 69 الحكماء (مقامهم) 80، 151 الحكمة (أصلها) 129 حنّان (إفتاؤه على السّيّد المسيح) 187 الحياء 81 خ خاتم الأنبياء (مقامه) 22 خدمة من في العالم 147، 201 الخسران (ماهيّته) 137 خشية الله 24، 80، 111، 133، 165، 172 الخُلق (مقامه) 52، 53، 75، 104، 106 الخوف والرّجاء 84 د الدّيانة 18، 25، 95 الدّين (احترامه) 23 الدّين (وجوب تعليمه) 86 الدّين (سبب ظهوره) 28، 148، 198 الدّين (معناه) 133 الدّين (مقامه) 81، 23 ذ الذّلّة (ماهيّتها) 137 ر الرّبا: راجع النّقود ربح النّقود 31، 32 الرّبيع الرّوحاني 104 الرّبوبيّة 67، 69 رفع الحظر من قراءة الكتب 45 الرّياضات الشّاقّة 89، 90 ز الزّراعة (أهميّتها) 107 الزّواج (هدفه) 40 زوال عزّ المعرضين 189، 190 س السّامريّ 179 سفراء الله (اختصاصاتهم) 141 السّلطان العادل 83 السّلطنة (شوكتها) 44 ش شدّ الرّحال لزيارة أهل القبور غير جائز 44 الشّرّ (ماهيّته) 136 209 شرائط المبلّغين 76، 122، 123، 166، 167 شفاعة الأحبّاء للأعداء 108 الشّفقة 25، 149 الشّيطان (سبب ظهوره) 157 ص الصّحف 56 الصّدق 77، 105 الصّلح الأكبر 24، 39، 87، 106، 145 ض الضّغينة (ما يطفئ نارها) 200 ط الطّبيعة 121، 123 ع عاشروا مع الأديان 38، 52، 104 العافية هو الصّمت 135 عاقبة حال المعرضين والمستكبرين 190، 192 العالم المؤمن (مقامه) 185 العالم من اعترف بظهوري 185 العبادات ترجع إلى كتاب الله 28، 43 العجل 179 العدل 24، 25، 27، 29، 30، 32، 33، 43، 53، 55، 59، 70، 82، 83، 85، 95، 96، 102، 112، 144، 147، 151 عرفاء ملّة الإسلام (مقامهم) 78، 79 العصمة (تفسيرها) 7، 8، 9، 10، 22 عظمة الظّهور 4، 5، 8، 21، 49، 66، 82، 93، 94، 96، 101، 104، 105، 163، 172، 191، 198 العفو والعطاء 89 العقل 84، 144 العقل (مقامه) 84، 150 العلم (مقامه) 56، 69 العلماء (مقامهم) 151 علماء اليهود (حكمهم على السّيّد المسيح) 184 العلماء في البهاء 118، 199 العلوم النافعة (تحصيلها) 42، 69، 149 العمل عبادة 42، 43 العمل (جزاؤه) 178 العوالم لا نهاية لها 176، 177 غ الغرور 82 الغصن الأعظم (مقامه) 200، 205 210 الغصن الأكبر 200 الغلبة لها ميعاد مقرّر 167 ف الفخر بالعلم والعمل 86 الفضل والعدل 82 الفيلسوف الحقيقي 129 ق القدرة 135 القصد من ارتفاع نداء الأمر 37 القلب (تطهيره) 171، 178 القناعة 133 قوّة أعظم من البرق 88 القوّة العظيمة الموجودة في الوجود 199 القوّة المفكّرة 91 القيامة 8، 16، 17، 75 ك الكفر (ماهيّته) 137 الكلمة (مقامها) 152، 153، 154 الكلمات الإلهيّة هي الإكسير الأعظم 167 ل اللّحى 40 اللّسان العمومي 26، 38، 87، 107، 145، 146 م المتكلّم (صفاته) 122، 123، 152، 153، 166، 167 المجازاة 25، 27، 43، 144 محرّر الصحف (صفاته) 56 محو حكم الجهاد (يعني الجهاد بالعنف) 37، 45 المذكّر لا بدّ منه 141 مراعاة الحكمة 102، 155، 156، 165، 189 المشورة 24، 87، 110، 149 المعاد (تفسيره) 173، 174، 175، 176 معرفة الإنسان نفسه 51 معرفة الله في معرفة المظاهر المقدسة 67، 68 المعلّم لا بدّ منه 141 مقالات الحكماء 123، 124، 125، 126، 127 مقام العلم والمعلّم 51، 56، 69 المكافاة 25، 27، 43، 144 المناجاة 10، 11، 12، 13، 14، 15، 40، 50، 75، 76، 109، 112، 130، 158، 159 منع اجتناب الملل 109 منع الاختلاف والنّفاق 28، 90، 118، 200 211 منع الاعتراف بالخطأ أمام الناس 40 منع إفناء الأحزاب 109 منع السّبّ واللّعن 28، 43، 55، 102، 198 منع التّعدّي 102 منع ضرب الرّقاب 108 منع الفساد والنّزاع والجدال 18، 28، 44، 91، 102، 111، 164، 165، 167، 188، 199 منع محو الكتب 42، 45، 108 من يظهره الله 30، 70، 93 المواعظ 88، 89، 111، 117، 118، 119، 122 الميراث المرغوب الذي لا عدل له 197 ن النّار (معناها) 136، 178 نار المحبّة (صفتها) 105 ناقة صالح 186، 192 نبذ الظّنون والأوهام 188 النّصائح 19، 88، 89، 111، 117، 118، 119، 122 النّصرة والتّبليغ 76 ﻫ الهادي والمعلّم لا بدّ منه 141 الهرج والمرج وآثاره 152 الهمّة (تعريفها) 136 هيئة الأمم 145 و وجوب إعانة الحاكم العادل 199 وجوب الاشتغال 42، 156 وجوب الصّدق والأمانة مع الدّولة 39 وجوب وجود المبيّن 151 وحدة العالم الإنساني 26، 28، 29، 39، 44، 85، 86، 107، 111، 143، 144، 145، 148، 152، 197 الوعد والوعيد 84، 86 الوفاء (مقامه) 168، 171 ي يوم الجزاء 22 يوم الفرح الأكبر 96 212مسرد الأعلام والأمكنة ابن سمندر 92 ابن عمران: راجع الكليم ابيد اقليس 124 أرض الباء (بيروت) 112، 205 أرض السّرّ (أدرنة) 190 أرض الطّاء (طهران) 5، 56، 103 أرض الميم (مازندران) 5 أرض الياء (يزد) 103 الإسلام 143، 190 الاسم الأعظم: راجع بهاءالله اسم الجود 92 أشرف 97 أفلاطون 126 الأفنان (حضرات) 92 الأقدس (كتاب) 27، 31، 110، 199، 200 الأمين (أبو الحسن أردكاني) 92، 101 الأمّة الإنجليزيّة 110 أول من آمن (الملاّ حسين بشروئي) 174 أولو الفرقان (المسلمون) 5، 22، 58، 59، 70، 78، 113 أهل البهاء 7، 15، 18، 27، 28، 31، 33، 38، 39، 43، 51، 60، 75، 76، 82، 83، 88، 91، 103، 105 ، 108، 109، 111، 113، 114، 163، 198 أهل البيان (البابيّون) 4، 5، 6، 57، 58، 59، 70، 93، 97، 102، 179 أهل الفرقان: راجع أولو الفرقان إيران 32، 67، 75، 80، 88، 91، 92، 101، 103، 107، 108، 110، 112، 149، 189 الإيقان (كتاب) 188 البابيّون: راجع أهل البيان باريس 112، 118 باقر 183، 188، 189، 190 بتول (بنت الرّسول r) 190 بقراط الطّبيب 125 بلينوس 126، 127 البيان الفارسي (كتاب) 70، 94، 179 بيروت: راجع أرض الباء ثمود (قوم) 191 جبريل 158 جليل 16، 19، 20، 22، 30 الحدباء (مدينة موصل) 155 213 حزب الله: راجع أهل البهاء الحزب السّابق: راجع أولو الفرقان وأهل الفرقان حزب الشّيعة 97، 109 الحزب المظلوم: راجع حزب الله وأهل البهاء حسين (جناب) 95 حسين (الملاّ): راجع أول من آمن حنّان 187 حيدر قبل علي 75، 88، 92 خاتم الأنبياء (محمّد رسول الله r) 4، 9، 22، 184، 190، 191، 192 داود (النّبي) 124 الدّولة الإيرانيّة 57 الذّئب: راجع باقر الرّئيس 190 الرّسول: راجع خاتم الأنبياء الرّقشاء 190، 191 الرّوح (سيدنا عيسى) 4، 14، 78، 191 روح الله: راجع الرّوح الرّوس 57 زين المقرّبين 31، 32 السّامري 179 السّبزواري (الحكيم) 79 السّجن: راجع عكّا السّجن الأعظم: راجع عكّا سقراط 125، 126 سليمان بن داود 124 سورة الوفاء (لوح) 171 سيّد مدينة التّدبير والإنشاء: راجع قائم مقام السّيّاح 157 الشّام (مدينة) 155 صالح (النّبي) 191 طار (قصبة في محافظة إصفهان) 95، 96، 97 طهران: راجع أرض الطّاء ظالم أرض الياء (جلال الدّولة) 103 عاد (قوم) 191 عزازيل 157 العراق 29، 57، 122، 179 العروة الوثقى (مجلّة) 112 عكّاء 25، 37، 96، 106، 112، 205 علي قبل أكبر (البنّاء) 66، 68، 70 علي قبل أكبر (أيادي أمر الله) 101 الغصن الأعظم 200، 205 الغصن الأكبر 200 214 فرّيسيّون 184 فيثاغورث 124 قائم مقام (ميرزا أبو القاسم) 83 كتاب الله (القرآن) 9 الكليم 4، 14، 70، 187 لندن 110 مازندران: راجع أرض الميم المبشّر (حضرة): راجع نقطة البيان مجيد 122 محمّد رسول الله: راجع خاتم الأنبياء محمّد شاه 83 محمد قائني (الملاّ) 117، 130 مصر 112 مقصود (ميرزا) 139، 154 ملأ البيان: راجع أهل البيان والبابيّون ملة الإسلام: راجع أولو الفرقان ملك باريس 188 ملك الرّوم 187، 190 من طاف حوله الأسماء: راجع الغصن الأعظم من يظهره الله (يعني بهاءالله) 30، 70، 93 مورطس 129 مهدي دهجي (السّيّد) 163 ناقة صالح 186، 192 النّبيل: راجع محمد قائني (الملاّ) نبيل ابن نبيل 92 النّقطة الأولى: راجع نقطة البيان نقطة البيان 4، 22، 30، 59، 69، 70، 83، 93، 95، 106، 172، 174، 175 هادي دولت آبادي 58، 59، 60، 97 الهرمسيّة (الألواح) 127 هود (النّبي) 191 وفا 171 يحيى (ميرزا) 94 يزد (مدينة) راجع أرض الياء يونان 128 اليهود 191 215