text
stringlengths
2
74
معظم الدهاقين في خراسان والاموال كثيرة ثم صفق فاتاه غلام فامره ان يستدعي
خازنه فلما سمعه ابو مسلم يدعو خازنه ادرك انه يريد ان يدفع اليه مالا علي
سبيل المساعدة علي جاري عادته في مثل هذا الحال فاشار ابو مسلم الي احد
الرجلين صاحبي الحزمة اشارة فهم غرضه منها فخرج مهرولا ثم عاد ومعه رجلان
قد تابط احدهما خريطة كبيرة كالكيس الكبير لكنها فارغة ورفيقه رجل قصير
القامة في سمن قليل وعليه قباء واسع وعمامة كبيرة وكان لقصره يكاد يجر
قباءه جرا ووراءه غلام يحمل دواة وقلما فلما وصلوا الي القاعة وقفوا في احد
جوانبها فنادي ابو مسلم صاحب القباء قاءلا تقدم يا ابراهيم واستلم من
الدهقان ما جادت به نفسه في نصرة اهل البيت وكان خازن الدهقان قد جاء واسر
اليه الدهقان كلاما فرجع ثم جاء ومعه غلام يحمل اكياسا من جلد قد اثقلت
كاهله حتي وضعها بين يدي الدهقان فلما امر ابو مسلم خازنه ابراهيم باستلام
المال تقدم واخذ في عد الاكياس وهي مختومة وقد كتب علي كل منها الف دينار
يوسفية فبلغت كيسا فاشار الي رفيقه والغلام الاخر فتقدما وتعاونا علي نقل
الاكياس في الخريطة الكبري وتناول هو القلم والدواة واخرج من تحت قباءه
درجا كتب فيه عدد الاكياس وما تحويه من الدنانير وكان ابو مسلم في اثناء
ذلك مطرقا كانه يفكر في امر يهمه وقد زاده التفكير هيبة وشغله عما حوله
وكانت جلنار قد تعبت من الوقوف فجلست علي وسادة بجانب والدها وهي تختلس
النظر الي ابي مسلم وهو لا ينتبه لها وكان خالد قد ادرك ذلك منها وفطن لما
يجيش في خاطرها من امر ابي مسلم ولكنه كان يعلم زهد هذا الشاب البطل في
النساء وانشغال خاطره في المشروع الخطير الذي انتدب له فلما فرغ الخازن من
تدوين المال نهض واستاذن في الانصراف ولحظ الدهقان في ابي مسلم الرغبة في
الانصراف ايضا فقال له اذا كنتم تريدون الذهاب للنوم فهذه دار قد امرنا
باعدادها لنزولكم واشار الي احد جوانب الحديقة فنهض ابو مسلم فلم يسع
الحضور غير النهوض تهيبا واحتراما وقال ننصرف الان الي النوم فان السفر قد
اتعبنا هذين اليومين قال ذلك ومشي فمشي الدهقان معه الي اخر القاعة حتي
ودعه وصفق فجاء بعض الغلمان فامرهم ان يمشوا بين يدي الامير بالشموع الي
المنزل المعد له فمشوا وعاد الدهقان الي ابنته وكانت واقفة بجانب العمود
ولم يبق هناك سواهما الفصل التاسع الدهقان والدهقانة وتوسم الدهقان مما
شاهده من انقباضها انها تفكر في امر زواجها بابن الكرماني وانها ستحتج علي
والدها لما ابداه في حديثه الي ابي مسلم في تلك الليلة بحيث اصبح شان
الكرماني ضعيفا فابتدرها ابوها قاءلا وقد وضع يسراه علي كتفها ومشي نحو
غرفتها وهي تمشي معه لا اظن ان هءلاء الدعاة سيفلحون ولا اري امرهم هذه
المرة الا صاءرا الي الفشل كالمرات الماضية فلم يفتها غرض والدها من هذه
المفاجاة بعد ما دار بينها وبينه في ذلك المساء فقالت وهي تجاريه في المشي
اذا كنت تعتقد انهم سيفشلون فما بالك تعاهدهم علي القيام بنصرتهم وتبذل
الاموال لهم فضحك ووقف وقبض علي لحيته بيمينه وظلت يسراه علي كتفها وقال
بصوت منخفض وهو يتلفت اني افعل ذلك من قبيل الاحتياط فقط لاننا اذا اظهرنا
له الجفاء كنا في خطر علي حياتنا واموالنا وخاصة بعد ما سمعنا من وصية
ابراهيم الامام فانه امره ان يقتل كل من يشك فيه ومع ذلك فنحن غير واثقين
ثقة تامة بفشل هءلاء وان كنت ارجح الفوز للكرماني للاسباب التي ذكرتها لك
قبلا فتظاهرنا بالمسالمة او المساعدة لا تضرنا بل نحن نتوقع ان تنفعنا وليس
ما نءديه لهم بالشء الذي يذكر بالنسبة الي ما نتوقعه من الكسب اذا كنا في
جانب المنتصر من هذه الاحزاب وكان قد عاد الي المسير حتي دنا من غرفة جلنار
وليس في الدار احد من الخدم لانهم تفرقوا حالما راوا الدهقان والدهقانة
يتساران فلما فرغ الدهقان من كلامه قالت جلنار لقد اصبت يا ابتاه انك تجامل
ابا مسلم بالاموال والوعود وتجامل الكرماني بجلنار قالت ذلك وغصت بريقها
ودخلت الغرفة علي عجل والقت نفسها علي الفراش فلحقها ابوها وهو يتجاهل وقال
يظهر انك متعبة يا جلنار نامي وتوكلي علي الله وانا اعرف تعقلك وحسن تدبيرك
واعتقد انك اذا كنت عند الكرماني وكنت انا مع ابي مسلم بتنا في مامن واصبح
الفوز مضمونا لنا في كل حال نامي يا حبيبتي واستريحي الان قال ذلك وخرج وهو
يتظاهر بانه لم يفهم مغزي كلامها اما هي فلما خلت بنفسها عادت الي هواجسها
وتصورت ما هي فيه من الارتباك فلم تعد تدري اتطيع والدها ام تطيع قلبها علي
انها لو تحققت من ان عند ابي مسلم مثلما عندها لهان عليها اغضاب والدها وان
كان ذلك مما لا يقدم عليه امثالها ولكنها لم تر من ذلك الحبيب الا الاغضاء
فاخذت تناجي نفسها وتتذكر ما شاهدته منه في اثناء تلك الجلسة فلم تر في شء
من حركاته او اقواله ما يفتح لها نافذة من الامل ولكن الحب كان يعترض عوامل
الياس عندها ويهون عليها ما ظهر من بروده فاخذت تنسب ذلك الي انشغال خاطره
بتدبير شءونه ثم تعود الي رشدها فتري انه لا عذر له وانه لو كان عنده بعض
ما عندها لاحست به قضت مدة في تلك المناجاة وقد طار النوم من عينيها
واستوحشت من الوحدة فتذكرت ماشطتها وكانت تانس بها كثيرا وودت لو انها
تاتيها تلك الليلة لتشكو لها حالها وتستشيرها في امرها ثم ما عتمت ان سمعت
وقع خطوات بطيءة فعلمت انها خطوات الماشطة فنهضت وفتحت لها فدخلت واغلقت
الباب وراءها فامرتها جلنار بالجلوس وهي تقول لها ما الذي جاء بك يا ريحانة
علي غير انتظار قالت الماشطة علمت انك في ارتباك فجءت لتسليتك قالت وكيف
علمت ذلك ومن انباك به قالت وهي تحاول معانقتها وضمها الي صدرها اتظنين يا
مولاتي اني غافلة عن احوالك وما طرا عليك من الهواجس وخصوصا بعد قدوم هءلاء
الضيوف فقالت جلنار وهل شهدتهم وسمعت اقوالهم قالت شهدت كل شء وسمعت كل
كلمة خلسة من وراء الستار فلم تتمالك جلنار ان تقول هل رايت ابا مسلم قالت
خفضي صوتك يا مولاتي لان لهذه الجدران اذانا نعم شاهدته وشاهدتك ايضا قالت
ذلك بنغمة خاصة فخجلت جلنار من تسرعها في اظهار عواطفها ثم تذكرت ثقتها
بريحانة فقالت وكيف رايته يا ريحانة قالت رايته لاءقا ولكن تمهلي ولا
تتعجلي ان في العجلة الندامة وفي التاني السلامة قالت اراك قد ادركت
مكنونات قلبي ولم يخف عليك شء قالت الماشطة لم يخف علي شء ولكنني اري
المسالة تحتاج الي الحكمة والتءدة فلم تعد جلنار تستطيع اخفاء عواطفها
فقالت وما العمل يا ريحانة دبريني برايك لقد نفد صبري فاني لا البث ان ازف
الي ابن الكرماني وانا لا اريده ولا احبه قالت اتحبين ابا مسلم وضحكت
فاطرقت جلنار ولسان حالها يقول نعم احبه فقالت ريحانة وهل هو يحبك فرفعت
جلنار نظرها الي ريحانة وفي عينيها دمعتان تترددان بين الماقي وارادت
الكلام فشرقت بريقها وسكتت فقالت ريحانة انك لا تعلمين وانا لا اعلم فما
علينا الا التحري والاستفهام قالت جلنار من يكشف لنا حقيقة ذلك قالت ريحانة
الا تعرفين الضحاك فقالت جلنار وهل تظنينه يستطيع خدمتنا في هذا الامر قالت
اظنه اقدر الناس علي ذلك اذا اراد ولا يغرنك ما يبدو من مجونه فانه داهية
حازم يعتمد عليه في الامور العظام فقالت جلنار ومن يخاطبه في الامر انني
اخشي ان يفشي سرنا فيطلع والدي علي امرنا فتكون البلية الثانية شرا من
الاولي قالت كوني في سلام وطمانينة وانا ادبر الامر معه انما نحتاج الي بعض
النقود فقالت جلنار هل تعرفين ان للمال قيمة عندي اطلبي من خازنتي ما
تريدين وتصرفي كما تشاءين وانبءيني بنتيجة سعيك قالت ينبغي لنا ان نسعي في
الامر الليلة اذ لا نضمن بقاء هءلاء الضيوف عندنا الي غد او بعده فنهضت
جلنار من فراشها الي صندوق صغير في احد جوانب الغرفة اخرجت منه صرة من
الحرير ودفعتها الي ريحانة وهي تقول هذه خمسماءة دينار استخدميها فيما
تشاءين ولا تبطءي واذا وفقت الي ما اريد فلن انسي تعبك فتناولت ريحانة
الصرة ونهضت وهي تقول اطمءني وخرجت وهي تسترق الخطي وتركت جلنار علي مثل
الجمر الفصل العاشر نسب ابي مسلم لم تكد ريحانة تخرج من الغرفة حتي رات
الضحاك قادما كانه كان علي موعد معها فلما راته بغتت ولكنها تجلدت واشارت
اليه ان يتبعها عن بعد وسارت الي غرفتها في طرف القصر مما يلي الحديقة فدخل
في اثرها فاغلقت الباب وراءه وهي تنظر اليه وتضحك وكان وهو داخل قد دق راسه
في عتبة الباب لطوله فوقعت العمامة علي الارض فاذا هو حليق الراس فدهشت
لذلك وارادت ان تساله عن السبب لكنه اسرع الي العمامة فوضعها علي راسه
وتقدم اليها وهو يقول يظهر انك تحبينني يا ريحانة بارك الله فيك وضحك وعض
علي شفته السفلي وتشاغل باصلاح عمامته ثم ضحك ضحكة البله وجعل يطرق باطراف